ط
مسابقات همسهمسابقة القصة

ثورة قلم…مسابقة القصة القصيرة بقلم / نهال خيرى من مصر

لَفِتَ انتباهى بعدَ يومِ عملٍ شاقٍ قلمَى الذى طالما ناديتُه ولبَّانى، فأخذتُ أُحدِّثُ قلمى :”أشتاقُكَ قلمى بنقراتكِ عذبةَ الألحانِ كى تعزفَ غنوةَ وطنى فى كؤوسِ حُلْمِ الحياةِ لدىّ، هيّا بنا سويًّا نغمسُ حروفَ الأملِ داخلَ لُجينِ كلِّ مصرىٍّ، هل أنت مستعدٌ كى تَخُطَّ كلماتُنا الحلوةُ على جبهاتِ كلِّ وطنىٍّ شريفٍ؟” فأخذَ يرْمقَنى بنظراتٍ حادةٍ لا تليقُ على رشاقةِ عنقِه وحُسنِ كلامِه معى قائلًا: “أتتركيننى طوالَ شهرٍ كاملٍ كأنَّنى مجردُ أداةً لتجميلِ ذاتَكِ، عُذرًا لن أُلبِّى لكِ طلبَكِ اليومَ ” وأخذَ يتجاهلُنى على غيرِ عادتِه ورسمَ دورَ الناقصِ من أنماطِ البشريةِ التى نتعثَّرُ دومًا بها فى غمارِ معاركِ الحياةِ؛ وما كانَ منِّى غيرَ أنَّى تعجَّبْتُ من موقفِهِ كالإبنِ العاقِ لأمِّه فى طلبِها لتلبيةِ مصلحتِه فهى لا ترغبْ منه إلَّا كلَّ الخيرِ لهُ.

وقلت لنفسى:” ربَّما لمْ يتمالكْ نفسَه من الغيرةِ عندما يجدنى أكتبُ بقلمِ العملِ، ربَّما لا يطيقُ أن أعصفَ نهايتَه بكثرةِ العضِّ حتَّى يصيرَ مثلَ الكلبِ الأجربِ فى بقعةِ ضوءِ سيارةٍ، ربَّما يكرهُنِى عندما أطْرِقُ برأسِه على مكتبى وكأنَّه مسمارٌ يعشقُ ذلَّ العنصرِ الآخرِ له، ربَّما يصيبَه الدوارُ من مهرجاناتِ الهيلاهوبِ ما بين السبابةِ والوسطى، احترتُ معكَ أيُّها القلمُ!!!”

فكما هو يعلم أنَّنى فى التوِّ انتهيتُ من الأعمالِ الإداريةِ المملة التى تركض ورائى بآلاف الكيلومترات؛ لتنهش جسدى فى خدمة وطن تحدّه هالة الخيبات الكوميدية الإدارية، ومن مشاكسات الطلبة والطالبات فى حلبة استعراض المعلومات، ما بين عيونٍ تائهة تنظر من أوراق الإجابات ولا تعرف مصيرها ،وما بين عيونٍ تُخرج نارًا من التحدى كعادةِ المصريين، إنها أول مرة يعاملنى قلمى فيها بجفافٍ كالحطبِ فى ناره.

بينما أفكّر فى مبرره قبل اتخاذِ أيةِ خطوةٍ فعليةٍ فى حكمى على عناده، أجده يعلن عن ثورته ويقول لى :”هذا لأسباب عدة، فتعنتك الدائم باعتبارى عنصر غير أساسى فى رسم خارطة الوطن فى قلبى معكِ، بالإضافة إلى أنكِ ستكتبين عن الوطن فى يوم لا أحبُّه فى تاريخه، إن الوطن يسكن قلبى الجامد القابع فى أنبوبة لا تتعدَّ الـ (12) سم، وشرايين نيله تسرى بداخلى لتكتبي بِنَدَاهِ أغلى كلماتٍ فى حبه، ألم تسألى نفسك لماذا لم أكتب يومها؟!! يومها كنت أتعمّد إصابتى بالسكتةِ الكتابيةِ لتتعثرى فى كتابة أية قصيدة لتمجيد هذا اليوم، كم أمقته!! أتعتقدين أن هذا اليوم كان بمثابة انتصارٍ على الفساد والظلم؟! أكان الرئيس هو من يُمثل الفرعون؟! معظمكم أيها المصريون تنسون الخير فى لحظة شر غير مقصودة، على العموم لن أتجادل معكِ لأن مصر أعظم من أى نقاش”.

فإذا به يقذف حبرَه خارج أنبوبته وكأنه يتغيّر من شرايينه ويُنهى دورته الدموية؛ ليطفح ويفيض على يدى دمعًا مؤثرا فأصرخ معترضة على قراره ذلك، ثورته تلك لم تكن سوى انتحارًا له فى خِضَم عشق الجماد لوطن أصيل، فهو لم يكن منصفًا مثلى فى حكمه وتأنّيه فى علاقته معى، فنحن لم نكن عشاقا بل كنا نعيش فى دوامة سحر العشق للوطن.

قصة (ثورة قلم) بقلمى / نهال خيرى

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى