ط
كتاب همسة

جدلية العلاقة بين الفن والمجتمع وقضايانا المعاصرة . بقلم د. عادل القليعي ..أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان.

عادل القليعي يكتب.
.
أبدأ معالجتي لهذه الإشكالية بطرح تساؤل مهم
هل ثمة علاقة بين الفن والمجتمع؟!، وإذا كان ذلك كذلك فعلى أي شكل من الأشكال تكون هذه العلاقة؟، وأى فن من الفنون نقصده؟، وهل للفن دور فاعل ومؤثر في بناء المجتمعات إيجابا؟، وهل له دور في هدم أركانه وأسسه سلبا؟
أولا لابد من تعريف مصطلح جدلية، الجدلية تعني المحاورة، أو الحوار البناء الذي نخرج من خلاله بنتيجة، عن طريق حوار منطقي نستخدمه خلال منهج جدلي بناء نخرج منه بعلاج ناجع للقضية محل الحوار والنقاش.
وإلا سيخرج حوارا عقيما لا يسمن ولا يغني من جوع، وهذا ما لا نتمناه أبدا لمناقشاتنا.
حري بنا أن نقدم تعريفا لغويا وإصطلاحيا لكلا المصطلحين،فنبدأ بالفن.
الفن لغة وإصطلاحا
الفن لغة :جاءت كلمة فن فى كثير من المعاجم اللغوية القديمة والحديثة، وقد جاء فى مختار الصحاح، أن الفن هو واحد الفنون أي الأنواع، كما ورد عند حسن الصغاني فى معجم التكملة عدد من المعانى المختلفة لكلمة فن
فمثلا كان العرب يقولون فننته، أي زينته، وهو فن علم أى حسن القيام به.
أما فى لسان العرب لابن منظور، فقد عرف كلمة الفن على أنه الحال وهو الضرب من الشيئ ، وجمعه فنون وأفنان.
فى حين عرفه الفيروز ابادي على أنه التزيين والتجميل .

فيقال فن الشيئ أى زينه ، وتزيين الشيئ أى تنوعت فنون ، وزين الحديث أى حسن أسلوبه فى الكلام ونمقه.
وجاء في المعجم الوسيط ، هو التطبيق العملي للنظريات العلمية عن طريق استخدام الوسائل التى تحققها، ويتم اكتساب الفن عن طريق الدراسة والتمرين عليه.
كما جاء إنه مجموعة الوسائل التي يستخدمها الفرد لإثارة المشاعر والعواطف بما فيها عاطفة الجمال، عن طريق التصوير والموسيقى والشعر
كما أنه مهارة يحكمها الذوق ومواهب الإنسان . وعليه فإن المعانى اللغوية للفن تشتمل على أنه هو التزيين أو الزينة وهو الأسلوب الجميل والمهارة في الشيئ وإتقانه.
فالفن هو الإبداع وخلق أشياء ممتعة والإتيان بكل ماهو جديد.
تعريف الفن اصطلاحا :

الفن له معنيان ، معنى عام
وهو الذى ينظر للفن من خلاله على أنه التطبيق العملي للنظريات العلمية أو ما يعرف بالعلوم التطبيقية .
معنى خاص ، وهو الذى ينظر للفن على أنه مهارة شخصية يمتلكها صاحب صنعة ، وهو ما يسمى بالفنون التطبيقية و التى تشتمل على الفنون اليدوية المعتمدة على مهارة الإنسان في تقديم أمور نافعة ومفيدة .
معنى أكثر خصوصية وهو الذى ينظر للفن على أنه عمل جميل يثير مشاعر السرور والفرح والبهجة في الناس وهو ما يسمى بالفنون الجميلة الهادفة لتمثيل وتصوير الجمال ومن أجل اللذة البعيدة عن كل منفعة أو مصلحة ( السعادة).
ويقسم الفن إلى الفنون البصرية وتشتمل على الرسم والنحت وفنون العمارة وفنون الجرافيك والفنون التشكيلية ، والفنون الأدبية كالدراما والقصة والشعر وفنون الأداء كالموسيقى والمسرح والرقص .
وكفن الطهى والفنون اللغوية.
المجتمع لغة وإصطلاحا
تعريف المجتمع لغة، كلمة مشتقة من الفعل جمع، أى إجتماع الناس على شكل جماعة.

ويعرف إصطلاحا على أنه مجموعة من الناس يرتبطون معا بالعادات والتقاليد والأحكام الأخلاقية ويحترمون بعضهم البعض ويشكلون في الحي أو القرية أو المدينة التى يعيشون فيها جزءا من أجزاء الحياة الاجتماعية، بل وتربط بينهم مجموعة من الأفكار التى تتعلق بالعديد من مجالات الحياة السياسية والإقتصادية والثقافية.
أما عناصره فهى، الأفراد وهم العنصر الفعال فى المجتمع، والمؤسسات، والبيئة وهى العناصر والمكونات المادية والطبيعية و التى تحيط بالأفراد، والمؤسسات التى توجد داخل مجتمع واحد.
من خلال هذه التعريفات التي قدمناها لهذين المصطلحين، وبالبداهة المنطقية، سنجد أن خيطا دقيقا يربط الفن بالمجتمع ولا يمكن بحال من الأحوال أن ينفصلا عن بعضهما، لماذا؟!.
لأن الفن هو المجتمع والمجتمع هو الفن، فثم علاقة وطيدة بينهما فمما يستقي الفنان فنه، من المجتمع، ولمن يقدمه، للمجتمع، إذن ثم علاقة تبادلية بينهما، لكن لازلنا حيال المشكل هل للفن دور في الإرتقاء بالمجتمع، نعم إذا كان دوره فعال، ليس لمجرد الترفيه فقط، وإنما له دور في بناء خطاب توعوي يعالج قضايا أفراد المجتمع سواء القضايا الإقتصادية أو الإجتماعية، أو الدينية، أو الثقافية مستخدما في ذلك أدواته كل حسب مهارته وإبداعاته التي برع فيها، كفن كتابة المقال، فلهذا الفن سحر يفوق سحر السحرة فصياغة الكلمة والتعبير عن الفكرة لها وقع السحر على المجتمع وأفراده، خصوصا إذا كان صاحب الكلمة مهموم بجد بقضايا مجتمعه، وكذلك كالشعراء والأدباء الذين يقدمون ملاحم شعرية، وقصص أدبية تعالج مشكلات بعينها يحياها المواطن وتعيشها البلاد، كمثلا الأوبرتات والحفلات التي كانت تقدم وتشحذ الهمم وتشجع على المضي قدما لاسترداد أراضينا المحتلة في عام ٦٧، والنتيجة حدث شحن معنوي للشعب وللجنود وتم الإنتصار في حروب الإستنزاف التي مهدت للملحمة الخالدة إنتصار أكتوبر الخالد٧٣ ، ليس هذا وحسب، بل واستلهام روح أكتوبر الآن للعبور إلي نهضة تنموية وإنجاز مشروعات عملاقة ننطلق منها إلى تنمية مستدامة نحقق من خلالها ما نصبو إليه ألا وهو جمهورية جديدة، هذا هو شكل من أشكال الفن.

كذلك فنون الزخارف والعمارة، والموسيقى ، والغناء، والتمثيل، وفنون المسرح التي تتبنى قضايا بعينها، فنجد مثلاً فنون العمارة والزخارف تقدم لنا تحف معمارية تحفظ لنا تراثنا ومتاحفنا وتجعلها بهيجة تسر الناظرين وتجعل من يرآها يشهد ويقر بحضارتنا وبتاريخنا.
كذلك فن الموسيقى الراقية سواء كانت شرقية أو غربية التي تحلق بالإنسان في فضاء يسوده الجمال، يسمو به وبروحه.
وأيضا التمثيل الذي يجسد لنا أعمالا درامية مهمة تخلد ذكرى أبطالنا وتذكر سيرهم العطرة بما قدموه لأوطاننا من تضحيات، ولنا في شخصيات تاريخية قدمتها الإذاعة والتلفزيون المصري، وقدمتها السينما المصرية والعالمية كالناصر صلاح الدين، وعمر المختار، وناصر ٥٦، وأيام السادات، وآخرها مسلسل الإختيار ٣، هذا العمل المعتبر الذي كرث لفترة مهمة من فترات التاريخ المصري المعاصر وأبرز لنا كيف هي التضحيات من أجل الوصول بالوطن إلى بر الأمان.

كذلك لعبت الدراما السينمائية والتليفزيونية دور كبير في تشريع قوانين الأسرة وقوانين الزواج والطلاق وإثبات النسب، بل وأبرزت قضايا لا يمكن بحال من الأحوال السكوت عنها كمشكلات الإغتصاب والتحرش والإدمان، وأطفال الشوارع، وزواج القاصرات (زواج المتعة المحرم دينيا)، كما أبرزت مشكلات الفقر والبطالة والحفاظ على الأرض التي هي العرض، وليس فيلم الأرض منا ببعيد.
وفنون المسرح التي ناقشت قضايا حيوية الكوميديا السياسية الساخرة وكيف تصدت المسارح للإحتلال الفرنسي والإنجليزي، كمسرح سيد درويش، ومسرح الريحاني، ومسرح الكسار ويوسف بك وهبي وجلال الشرقاوي ومن قبلهم مسرح زكي طليمات، ومن بعدهم مسرح المبدع محمد صبحي، ومسرح الطليعة، وغيرهم.
نعم الفن بكل أشكاله وصوره له دور مهم لا يمكن تجاهله أو إنكاره، في تقدم المجتمعات إذا ما استخدم إستخداما حقيقيا صحيحا، بعيدا عن العبث والفوضى التي نراها الآن ونسمعها فتشمئز منها الأنفس قبل الأعين، وتصم عند سماعها القلوب والأفئدة قبل الأذن.

أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى