ط
الشعر والأدب

جودى .زقصة بقلم الكاتبة / دعاء أحمد

دعاء احمد
وجهها لوحة هادئة ، يروق له الذهن ، وتصفو الروح عند النظر إليه ، وجسدها منحوتٌ بدقةٍ ، كما لو كان قد صبه فنانٌ أبدع في نحته وتقاسيمه ، هذه الفلتة الفنية تدعى جودي ، كل يوم بعد أن تنتهي من أعمال المنزل ، تذهب إلى قصر السيد الأمين،لتساعد والدها البستاني العجوز،شبابه أنهك وهو يجرى في سباق العمر حتى كبر و تعب ووهنت حركته ، فاتكأ على ابنته جودي سنده و ثمرة تعبه وكده.

وذات يوم أثناء سيرها في طريقها لأبيها ، تتبع سيرها ذئب بشرى ، وخطط لاغتصابها والانقضاض عليها ، وبعد مرور ساعتين وجدوه جثة هامدة مشوهة ، وقف أبيها وسط الزحام ليعرف ماذا حدث، فجذبته جودي برفق و قالت : – هيا يا أبى دع الخلق للخالق، فقال والدها : – أنت هكذا دائمًا ، لا يعنيك أمر الناس من حولك ، لا يصح أن ننعزل عن العالم يا جودي .
في نفس القرية كان يوجد شابٌ دميمٌ ، ترفض كل فتيات القرية الزواج منه ، وتنفر منه ، وزادت دمامته بسوء خلقه ، في المساء دق شباك جودي الحديدي بالدورالأرضي حيث كانت جالسة خلفه تناجى ربها، أفزع خلوتها بطلته الشيطانية ، وبصوت خافت قال : – هذا الصباح كنت أطارد أرنبة ،حاولت الإمساك بها ، لكنها اختبأت وسط الأشجار الكثيفة ، و لكني عثرت على صيد أثمن لن أضيعه من يدي ، رأيتك تنهضين من جوار ذلك الرجل التي وجدوا جثته مشوهة ، و كنت تنسقين ملابسك وتنفضي التراب عنك ، ماذا كنت تفعلين معه ، لابد أنك استدرجته بجمالك وسرقتِ نقوده ثم قتلته ، ثم راح يلعق بلسانه كحيوان قذر قبل أن يكمل – لم أرد الشوشرة حينها ، وسترت عليك لحين يستوي صيدي وأتناوله بهدوء.
– اخرس .
– تزوجيني وأخرسيني .
و بالفعل تزوج من جودي ، وبعد أن اختلى بها بغرفتها في بيت أبيها حاول الاقتراب منها فرفضت بشدة ، فكرر عليها رواية ما رآه وزاد عليه ، فصرخت في وجهه :
– اخرس .
– متعيني وأخرسيني.
لم يمر الكثير من الوقت حتى فر الدميم كالمجذوب وسقط ميتا.
ثرثرت زوجة أبيها حين رأت الدميم يهرع من بيتهم ، وزادت عليه وراحت تلحن مؤلفاتها وتذيع بنشاز صوتها في كل مكان أن ست الحسن تزوجت من الدميم لتخفى فضحيتها ، فهرب من الفضيحة حين اكتشفها ولم يتحمل الصدمة فسقط ميتا.
صارت لبانة في فم الجميع حتى ساءت سمعتها، فحبسها أبوها بالمنزل ، رغم حزنه لحالها ، فهو يحبها ويثق بها ويعززها ، لكن ما بيده حيلة (( الزن على الودان أمَّر من السحر)) .
غربت الشمس عن قصر السيد الأمين ، بغياب جودى وبدأ يشعره باختناق وخلل ، حُرِم من طلَّتها بوجهها الملائكي ،اشتاق الغوص بأعماق عينيها ، حتى أركان قصره تخفت أنواره راسمةً حروف اسمها حوله، كلما طال غيابها توشحت أيامه بالسواد ، دق القلب وظهر ما كان خافيا ، ظهر حبه لها ، طلبها للزواج معرضًا عن ثرثرتهم ، لم يبال إلا بصوت قلبه .
تزوجها ، وبسعادة غامرة فاح لسانه العطر قائلا – وجه الشمس أمسى ينير ليلى كما أنار صباحاتي ، لكن شمسك الحزينة تحرقني مولاتي .
يا سيدي ، لا تقترب منى وإلا أصبحت من الأموات.
في الصباح ، كانت كل القرية تترقبهما وينتظرون حديث قصره ، و بخروجهما خرجت الألسن من جحورها تثرثر وتخدش وتضرب بسوطها عرض جودي ، و عندما وصلا أخيرا إلى نهر الهلاك ، شهقت الأصوات ، وحدقت الأعين وعلا صوت الجاحدين الحاسدين بدون حياء : سلمت أيها السيد الأمين ، اغسل عارك ، ألق بتلك الفاجرة .
اندهش الجميع حين أمرها السيد الأمير برمي طرف الساري في النهر ، ما أطوله من ساري ، راحت المياه تكر بثوبها حتى كشفت عن ثعابين تكسو جسدها وتكر معها تلك الثعابين كحلقاتٍ سلسلةٍ ، يتشبث كل ثعبانٍ بذيل الآخر ، وكأن الثعابين مخدرة وخاضعة لأمر النهر ، و إذ بآخر ثعبان ينحل من جسد جودي لتجذبه الماء ،وبسرعةٍ ولهفةٍ سترها السيد الأمين بحضنه ودثرها بعبائته الفضفاضة .
قال السيد الأمين بهيبة طلته و بصوته القوى : – وهكذا تخلصت جودي من تعويذة الثعابين التي ألقتها جددتها عليها كحرز يحمى جمالها وشرفها ، ويلتهم من يضرها أو يمسها ، و هو ما حدث للذئب البشرى حين أغمى عينيها من خلفها و جذبها بعنف بين الأشجار، و قبل أن ينقض عليها قضت عليه ثعابين التعويذة وألقت به جثةً مشوهةً ،و كما رآها الدميم وهلع حين كشفت جودي عن جسدها فهرع وسقط ميتا من شدة خوفه،ثم أكمل ساخرا
أو كما يبدو أن الثعابين لم تشتهيه فتركته ، و حين حكت لي جودي مأساتها ليلة أمس ، تذكرت ما كانت تحكيه لى جدتي ، فهي قد حضرت ولادة طفلة جميلة ، و كانت جدتها تحفظ الكثير من التعويذات ، فحصنت شرفها بتعويذة تحفظها من الذئاب البشرية لا تفك إلا أن صان شرفها رجل تعشقه حفيدتها بشدة كما يعشقها ، ويسترها ويقف بجوارها أمام نهر الهلاك ، حينها سيلتهم طرف ثوبها ويخلصها من الثعابين ، كم كنت أود أن تلتهم ألسنة الحيات والثعابين البشرية التي خدشت والتهمت شرف جودي ، عذرًا للثعابين ، فقد أهنتها حين وصفتها بهم ، فالثعابين معروف مرادها ، غايتها واضحة حتى حين تضر ، أما الثعابين البشرية اللهم كفنهم فى جحورهم،واكفنا شر خبايا بنى آدم.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى