ط
مسابقة القصة القصيرة

حـب افتراضي…مسابقة القصة القصيرة بقلم / رشيرد دحمون من الجزائر

الاسم و اللقب: رشيد دحمون
البلد: الجزائر.
رقم الهاتف: 00213776272149
البريد الإلكتروني: [email protected]
قصة قصيرة: حبّ افتراضي.

ــــــــ

حـب افتراضي…

حل المساء و أسدل الليل ستائره السوداء على تلك المدينة المحرومة, أما “نبيل” فقد كان بشوق يترقب تلك اللحظات القليلة التي تفصله عن بزوغ أشعة شمسه الجديدة, شمس ألف إشراقتها المتميزة من أفق شاشة حاسوبه الصغير, ينتظرها بلهف كبير كي يدفئ قلبه المتجمد بعذوبة كلماتها, عبر لوحة المفاتيح تلك كان يرسل لها أرق العبارات و أصدق الأحاسيس.
صار مدمنا على مواقع التواصل الاجتماعي, أو بالأحرى مدمنا على الإبحار و إياها في أعماق الليل عبر قوارب الجنون و مجاذف الحب, يتبادلان أشهى أطباق الغزل المحشوة بشكولاطا الأشعار و الأحلام, بريشة الكلمات رسما لوحة المستقبل السعيد و لوناها بأبهى ألوان التفاؤل و البساطة و الجمال, خططا لكل شيء حتى التفاصيل المملة منها, غرفة النوم, عدد الأولاد, أسماؤهم, بل و راح يردد على مسامعها طريقة تربيتهم و تعليمهم و …
أنسته هلوسات الحب أنه لا يملك في جيبه حتى ما يكفيه كي يبتاع سجائرا يؤنس بها اشتياقه و حنينه لها.
اتفقا على كل شيء و شيدا ملامح مستقبلهما بكل حيثياتها و لم يبق إلا الشيء الأهم و الخطوة الأصعب, إنه اللقاء… لقد تردد كثيرا في عرض الفكرة عليها, كان يخشى من أن تصدمه ردة فعلها بعد أن ألفها و جن بها, لكن سرعان ما شجع نفسه و تخلص من نوبات خوفه و تردده و قرر أن يصارحها بطلبه.
كانت عواصف شوقه لهاته الأمسية أعظم و أشد, يجلس قرب شاشة حاسوبه و ينتظر بلهفة متى تفتح حسابها و تشفي غليان قلبه المنصهر لمحادثتها, ما إن فتحت حسابها حتى بادر كعادته بالحديث معها, و لكنه اليوم ما أراد أن يضيع الوقت في الكلمات المعسولة و العبارات المنمقة, بل راح مباشرة في تحديد موعد اللقاء بحجة التعرف على بعضهما أكثر, تفاجأ في أنها استحسنت الفكرة و تقبلتها دون أي تردد أو عناد, تصرفها هذا جعله يشك في طريقة ردة فعلها, و يتمتم مع نفسه قائلا : “ربما هي ليست بجميلة كما كان تصف لي نفسها بل فقط لفقت كل هذا كي أقع في شباك حبها, و لكن ما الذي سأخسره أنا؟ سأقابلها فإن لم يعجبني شكلها فسأتخلى عنها كما يفعل الكثير من أشباه العشاق”.
يقول هذا في نفسه و هو موقن أنه قد تعلق بجمال روحها و طيبة قلبها أكثر مما قد يتعلق بفتانة و جاذبية جسدها.
مكان اللقاء, اليوم, الساعة, اتفقا على كل شيء و لم يبق سوى ذلك اليوم الموعود الذي كان ينتظره منذ أول لحظة تعرف عليها.
ما ذاقت أجفانه طعم النوم أبدا فقد بات يتقلب بين حلم و آخر, أحيانا يرسمها بفستان أحمر و أحيانا بآخر وردي و كلاهما يسكبان الشوق على نيران قلبه التي صارت تأتي على الأخضر و اليابس, قضى تلك الليلة مبحرا و متنقلا بين أحلام يقظته حتى حل ذلك الصباح المنتظر.
تعجبت الأم حين رأته مبكرا على غير عادته, مرتديا أبهى و أغلى ما يملك من الملابس, أول ما فكرت فيه المسكينة أنه قد خضع للأمر الواقع و وجد عملا يسد به رمق حرمانه.
إنها الساعة و الحديقة المتفق عليها, توجه نحو ذلك الكرسي الذي يتوسطها و أخذ مكانا في طرفه تاركا لها الجانب الآخر منه, تتسابق الثواني و هو يطوف بعينيه بين أرجاء الحديقة لربما يرى ثوبا أحمرا أو ورديا يقترب منه.
مرت الدقائق بعد الدقائق حتى بدأ الظن يتسلل إلى قلبه, و يبعث في داخله الكثير من التساؤلات : “ربما تلاعبت بي و لن تأتي أبدا, أو ربما قد أبصرتني من بعيد فلم يعجبها شكلي فقررت أن تنسحب و ترحل, آه من كيدكن يا بنات حواء”, و بينما هو سارح في سماء أفكاره القاتلة حتى فاجأته باقة ورد تقذف على رأسه و يليها صوت مألوف ينفجر خلفه ضاحكا!
إنه صديقه “خالـــد” يقهقه و يردد ساخرا: قم أيها العاشق الغبي… تريد أن تتزوج و أنت تقترض مني كي تبتاع “الشمة” و السجائر…!

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى