ط
كتاب همسة

حكايات من على مقهى شارع الكاركاتير عرض وتقديم / فاتن التهامى

 

ونكمل الحكايات عن حجازى هرم الكاركاتير حكى

لويس جريس فى  صباح الخير يوم 01 – 11 – 2011.

لست أدرى إن كانت ابنتنا المذيعة المعروفة بقناة النيل للأخبار «سنار سعيد» وزميلتها المخرجة «نوران صلاح الدين» قد فكرتا فى تقديم برنامجهما الجديد «سيساتير» بعد إعلان نبأ وفاة هرم الكاريكاتير المصرى الفنان أحمد إبراهيم حجازى الشهير باسم الرسام حجازى أم قبل ذلك بقليل.. وسنار ونوران من تلاميذى فى كلية الإعلام… جامعة القاهرة. 
ولا أستطيع أن أحدد إن كانت الفكرة لهما، أم هى فكرة المعد الذى لم ألتقط اسمه فى الحلقة الأولى التى أذيعت مساء الخميس الماضى.. على أية حال فقد واكب مولد برنامج «سيساتير» وفاة واحد من أهم فرسان الكاريكاتير الذين ظهروا وأبدعوا مع ظهور مجلة صباح الخير فى منتصف الستينيات.
قال لى أستاذنا وأستاذ جيل بأكمله من المحررين والكتاب والرسامين الفنان التشكيلى حسن فؤاد، الذى اكتشفته مجلة روزاليوسف وصاحبتها السيدة فاطمة اليوسف فى بداية الخمسينيات: حجازى ده فلتة من فلتات الزمن!
كان الفنان التشكيلى الموهوب حسن فؤاد يرسم قصة الكاتب والشاعر الكبير عبدالرحمن الشرقاوى «الأرض» والتى تنشر مسلسلة فى جريدة المصرى الناطقة بلسان حزب الوفد الذى أسسه سعد زغلول.
وكانت الرواية المسلسلة تحتل الصفحة الأخيرة من جريدة المصرى أو إن شئت الدقة جريدة الوفد وتكتب صغيرة ثم المصرى وتكتب كبيرة.
الفصل المنشور من الرواية يحتل الصحفة الأخيرة ولكن أبرز ما فى الصفحة الرسم المصاحب لها والمعبر عن معانى كلمات الرواية وأحداثها بريشة أبيض وأسود خطوطها حادة وصريحة وواضحة ليقدم لنا عبدالرحمن الشرقاوى وحسن فؤاد ملحمة الفلاح المصرى صاحب الأرض وأسيرها، بطلها وضحيتها، زارعها وراويها وحاصدها والمدفون فيها!!
وتشاء الأقدار أن يكون حسن فؤاد هو أيضا واضع السيناريو للفيلم المأخوذ عن رواية الأرض إخراج يوسف شاهين وبطولة عزت العلايلى ونجوى إبراهيم المذيعة التليفزيونية التى اختارها يوسف شاهين لتلعب دور البطولة، أمام محمود المليجى وعبدالرحمن الخميسى.. دور صفية ابنة الفلاح محمود المليجى وخطيبة عزت العلايلى.
استطردت فى الحديث عن حسن فؤاد لأذكر القارئ بحجمه الكبير رغم صغر سنه.
فقد رسم الأرض واكتشف جيلا بأكمله من الرسامين والكتاب والصحفيين ولم يكن قد جاوز الثامنة والعشرين من عمره.
كان حسن فؤاد يرسم ويكتب عمودا فى مجلة روزاليوسف بعنوان «الفن للحياة».
وحول هذا العمود تجمعنا من بلدان كثيرة فى الصعيد والدلتا ليكتشفنا حسن فؤاد ويقدمنا للصفحافة المصرية.
كاتب هذه السطور واحد من تلاميذ حسن فؤاد وحجازى أيضا الوافد من طنطا.
وكما سبق وذكرت نبهنى حسن فؤاد إلى حجازى الفلتة التى لا يجود الزمان بمثلها إلا فى أزمنة محددة.
كان حسن فؤاد وهو يستعد لإخراج مجلة صباح الخير يعتمد على عنصر أساسى وهو الكاريكاتير.
وكان أحمد بهاء الدين هو المفكر الذى وضع الشعار «للقلوب الشابة والعقول المتحررة» ولم يشأ أن يستعين بمحررين جاهزين أو كتاب معروفين، لكنه ذهب إلى كلية الآداب فى جامعة القاهرة وبالتحديد إلى القسم الوليد، قسم صحافة، برئاسة الدكتور عبداللطيف حمزة ودعا الطلبة والطالبات لكى يلتحقوا بالمجلة الجديدة التى تصدرها مؤسسة روزاليوسف واسمها صباح الخير.
ولم يشأ حسن فؤاد الاستعانة بالرسامين المعروفين فى مجلة روزاليوسف وما أكثرهم، ولكنه حرص على أن يكون للمجلة الوليدة رسامون فى فن الكاريكاتير يبدأون معها ويكبرون بها ومعها.
اعتمد حسن فؤاد على شاب «تخين» لم يكن أحد يشعر به إلا وهو يسير متنقلا بين حجرة حسن فؤاد وحجرة الرسامين حيث يجلس جمال كامل وهبة عنايت ومأمون وزهدى وجورج البهجورى وبهجت عثمان، وحجرة عبدالغنى أبوالعينين زميل حسن فؤاد وجمال كامل وحسن عثمان فى الفنون الجميلة والمشرف الفنى لمجلة روزاليوسف، وفيما بعد مصمم ملابس فرقة الفنون الشعبية للرقص.
كان صلاح جاهين يسير مقطب الجبين وتشعر أنه غاضب من شىء، ولكنى فيما بعد اكتشفت أن تقطيبة الجبين والتكشيرة ليست غضبا، ولكنها تركيز للحوار الداخلى فى ذهن الرسام العبقرى!
وكان صلاح جاهين يتوقف قليلا عند حجازى، ويتأمل رسوماته، وحجازى لا يهتم ولا يتبادل الحديث إلا إذا بادره صلاح جاهين قائلا: حلوة قوى البنت المقلوظة اللى أنت رسمتها على الغلاف، فيقهقه حجازى ثم يهرب إلى الصمت والانهماك فى العمل!
وكان حسن فؤاد أحيانا يطلب منى إحضار حجازى، فنذهب سويا ونجلس أمام حسن فؤاد فيرحب بنا ثم يلتفت نحو حجازى ويقول له: أنت من طنطا وهو من الصعيد والواحد ما يقدرش يفرق بينكم إلا لما يسمع كلامكم.
ويبادره حجازى: عم حسن عاوزنا فى حاجة؟
فيقول له حسن فؤاد: صبرك عليا يا عم حجازى، ثم يقلب دوسيه الموضوعات ويخرج موضوعا.. ويقول لحجازى: خد اقرا الموضوع ده وعايزك تشخلعه بالرسم وتحط لى معاه كام نكتة على عمودين أو على عمود على مزاجك الرايق يا عم حجازى.. ولو عملت لى شوية موتيفات ألعب بيهم فى الصفحات أكون شاكر لك يا عم حجازى!
وهكذا كان عمنا الكبير حسن فؤاد.. يكلف الواحد منا بالعمل دون تدخل ودون قواعد ويترك للمحرر أو الرسام الحرية الكاملة فى اختيار ما يراه مناسبا لتغطية الموضوع أو رسومات تناسب ما جاء فى الموضوع، وأحيانا يكون الموضوع حاجة والرسومات أو الكاريكاتير المصاحب بعيداً كل البعد عن الموضوع.. عم حسن كان حريصا على احتفاظ المحرر بشخصيته وفكره، واحتفاظ الرسام بوجهة نظره ورأيه وإن تعارضت مع الموضوع وهذا هو السبب فى أن الجيل الأول من المحررين والرسامين فى صباح الخير تكونت شخصياتهم وأفكارهم من خلال حرية ممارسة العمل وليس التوجيه.
من هنا تجاور الإبداع والنبوغ وأصبح التنافس على الوصول إلى فكر وقلب القارئ، وليس إرضاء المسئول أو صاحب النفوذ أو صاحب المجلة.
وتجاورت أيضا القمم، وأصبح القارئ متفاعلا مع الفكرة، ومع الرسم، ومستوعبا لفن الكاريكاتير ومتذوقا له.
والتنافس الحقيقى بين رسامى الكاريكاتير كان فى إنتاج رسومات بدون تعليق أى أن يقول الرسم والخطوط كل المعانى التى يريد الرسام إيصالها إلى القارئ.
كان ذلك هو العصر الذى عشنا وتربينا فيه، حرصت على تصويره بالكلمات حتى يستطيع القارئ متابعة ما سوف أتذكره من حكايات وأحداث ومواقف الفنان الرائع أحمد إبراهيم حجازى.
وأبادر بتكرار ما سبق وذكرته فى العدد الماضى وهو أن كل الذين يكتبون عن حجازى وحياته إنما يقدمون جانبا وطرفا من عالم كبير واسع وضخم ومتعدد الجوانب والملامح لإنسان عاش بيننا ولم نفهمه.. بل لم نعرفه المعرفة الحقة، ولم نسبر أغواره، ولا عرفنا حقيقة ما يدور فى ذهنه أو خلده.
لا أحد يستطيع أن يحدد كيف كان يفكر حجازى أو كيف كان يعيش حجازى؟ أو يصل إلى تخيل الحوار الداخلى الذى يجرى فى تلافيف مخ حجازى الرسام.. لا أحد يعرف ولا أحد يستطيع أن يعرف، ذلك أن حجازى شخصيا لم يبح لأحد بسره!
كلنا عرفنا رسوماته وعرفنا أفكاره التى سجلها على الورق ونشرت سواء فى صباح الخير أو روزاليوسف، أو أخبار اليوم أو مجلة كاريكاتير أو جريدة الدستور، أو جريدة العربى، وآلاف القصص والحكايات التى رسمها للأطفال.. وكانت تلك الرسومات هى التى تسعده وتعجبه، وكان يعتنى جدا برسمها على ورق فاخر وبألوان صريحة وواضحة ولا يبخل على شراء الألوان والفرش وأدوات الرسم.. بل إنه يشتريها بكميات، ويجلس ليفكر ويرسم ثقم يدفع بها إلى المطابع لتصدر فى صورة رسومات لمواضيع أو قصص للأطفال أو كاريكاتير سياسى أو اجتماعى أو مجرد شىء ضاحك.. مبتسم.. جذاب ويتميز بالذكاء وبالعمق وفى الوصول إلى بعض الحقائق السياسية الراصدة للأحوال والناقدة للواقع المر الأليم والرافضة للحال المايل والأمور المعوجة فى شتى المجالات سياسية واجتماعية واقتصادية.
وعين الرسام دائما وأبداً على الأسرة المصرية الفقيرة التى لا تجد قوت يومها وإذا حصلت عليه فإنه لا يشبعها لأنه بالكاد لا يكفى كثرة العيال وهموم الفقراء.
ولقد تجاوز تأثير حجازى ورسالته الاجتماعية حول أهمية علاج المشاكل بالفكاهة – وهى عادة مصرية صميمة – قارئ صباح الخير فى مصر إلى البلاد العربية وتجاوز القراء إلى بعض المؤسسات الفنية.
ويجىء فى مقدمة الذين تأثروا بمدرسة حجازى فى الكاريكاتير المسرحيات التى قدمها الكاتب المسرحى الساخر بهجت قمر.
قال لى بهجت قمر: على فكرة يا لويس وكنت يومها مديرا لتحرير مجلة صباح الخير أنا وجيلى من كتاب الفكاهة المسرحية تأثرنا بفكر حجازى الرسام، كنا ننتظر صباح الخير كل أسبوع ونذهب إلى محطة السكة الحديد فى باب الحديد لكى نحصل على المجلة قبل نزولها السوق فى صباح اليوم التالى واستطرد الكاتب المسرحى بهجت قمر قائلا: كنت أذهب محطة مصر لأشترى صباح الخير وأجلس على مقهى محطة السكة الحديد لأتصفح كاريكاتير حجازى بالتحديد.. بالطبع لا أخفى أن صلاح جاهين يأتى فى المقدمة ولكنه ترك صباح الخير وذهب إلى الأهرام.. صحيح له كاريكاتير واحد كل يوم، ولكن حجازى قدم لى صفحات وصفحات من الكاريكاتير فى صباح الخير.
ثم ضحك بهجت قمر وقال لى: ولا لما كان يكتب تلك السطور القليلة التى كانت تصاحب رسوماته فى مناسبات مهرجانات السينما أو الإذاعة والتليفزيون.. كلمات قليلة ولكن معانيها فى الصميم.. ياسلام على حجازى يا عم لويس.
فعلا أثر حجازى الرسام فى المسرح الكوميدى المصرى، وأحسست بهذا وأنا أشاهد بعض المسرحيات أو أتابع بعض المسلسلات الفكاهية فى التليفزيون.
حجازى الرسام له مدرسة فى الكاريكاتير هو مؤسسها وناظرها ومديرها ولقد تركت آثارا كبيرة وعميقة فى جميع أرجاء العالم العربى.
أما حياة حجازى الرسام فقد تركت آثارها فى كل من عرفوه أو التقوا به ومواقف حجازى الرسام أيضا كانت مواقف تستحق الرصد والتأمل، وتجىء فى ظروف وأحوال هو وحده الذى حددها، وكان محقا فى كل تلك القرارات الصادمة التى لم يعرفها أو يدركها أحد من أهله أو أحد ممن يعتقدون أنهم أصدقاؤه.
يكذب من يقول إنه عرف حجازى حق المعرفة.
ويكذب من يقول إن حجازى صديقه.
ويكذب من يقول إنه عرف سرا من أسرار حجازى.

      ونكمل الحكايات من على مقهى شارع الكاركاتير فى الحلقات القادمة .

                    ترصد الحكايات

                    الخبير الإعلامى

                     فاتن التهامى

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى