تونس من / الشاعرة أمان الله الغربي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأدب الوجيز خيار العصر،
الأدب الوجيز هو التعبير عن عديد المعاني بالقول القليل مستعملا تقنية التكثيف. فالبلاغة في الإيجاز. وخير الكلام ما قلّ ودلّ يغنيك قليله عن كثيره، والبليغ هو الوجيز أي من بلغ مقصده فتمكن من استمالة غيره دون أن يطيل حتّى لا يملّه السامعون. وهو أدب يساير حركة عصره إذ لا يأخذ من القارئ إلاّ دقائق معدودات لكنّه في المقابل يترك أثرا بالغا ومعاني متوالدة في نفسه قد تلازمه أيّاما وفي كلّ مكان. ولأنّه زمن السّرعة وزمن البحث عن الإنسان وعن وجوده، برز الأدب الوجيز أدبًا جديدًا فرض نفسه حلّا كي لا تموت القصيدة والأنواع الأدبيّة ذات الأطول والأحجام الكبيرة والعاجزة عن التّفاعل مع متطلّبات المرحلة.
حركة الأدب الوجيز التجاوزيّة، نشأتها ومؤسّسها،
الأدب الوجيز حركةٌ أدبيّة نقديّة، تجاوزيّةٌ. تأسّست في لبنان عام 2016. وانطلق تأسيسها مع الشّاعر الراحل أمين الذيب مع أعضاء ملتقى الأدب الوجيز ببيروت من إيمانهم بضرورة مواكبة التّقدّم الإنسانيّ، ونقل النّصّ الأدبيّ إلى شكلٍ جديد، ويعني ذلك الاختزال اللّغويّ من حيث الشّكل، والتّكثيف من حيث المضمون. واتّسعت دائرة هذه الحركة لتشمل دول المشرق العربيّ، العراق، وسوريا، والأردن، ولبنان، وفلسطين المحتلّة. وصار لها امتدادٌ أيضًا في دول المغرب العربيّ، وهي تونس، والجزائر، والمغرب، إضافةً إلى ليبيا. وعُدّت هذه الحركة تجاوزيّة لأنّها ترتكز على مُنطلقات فكريّة جديدة لتؤسّس نوعًا أدبيًّا جديدًا، يقوم على مقوّمات فنّية تجعل منه جنسا، على غرار الإيجاز والتكثيف والدهشة والمفارقة، الرّمز، التوظيف الأسطوري البعد الفلسفي، الاستشراف، الإيقاع الداخلي.. وقبل رحيل الديب نجح في خلق روحيّة العمل الجماعي وتظافر الجهود بين كلّ المهتمّين بالأدب الوجيز من منظّرين ومبدعين ومتابعين من العرب. لم يكن أمين الذيب ذاتيّ النزعة في هذه الحركة بل آمن بروح الجماعة في تأسيس المشروع وسعى جاهدا إلى التنسيق بين مختلف الجهود مشرقا ومغربا وهو ما بوّأه هذه المكانة الرمزية في هذه الحركة لما يحتلّه هذا الرجل من مكانة الرّيادة في حركة الأدب الوجيز عربيّا. ومعظم المقالات النقدية للمنتمين إلى هذه الحركة منشورة في جريدة البناء اللّبنانيّة.
ومن المهمّ جدّا أن نبحث في جانب التكامل بين جميع الفنون وجمال التعالق بينها دون أن نقع في مغبّة المقارنة والمفاضلة العبثيّة بينها. فالحركة الأدبيّة السليمة شأنها كشأن الحركات العلميّة لا تعصف بالقديم بل تبني مع الماضي وتسعى إلى تطويره فتكون دائما للمبدع المعاصر مزيّة الاستكمال.
صالون “الأدب الوجيز بسوسة” وأهدافه،
الأدب التونسيّ يسعى اليوم إلى الانفتاح الإيجابي على الثقافات الأخرى رافعا شعار التعدّد والتنوّع والتكامل،
وفي إطار هذا التكامل وانخراطا في حركة الأدب الوجيز التجاوزية، جاء صالون “الأدب الوجيز ” الذي تعود فكرة إنشائه إلى الأستاذة الروائية إلهام بوصفارة مسيوغة التي حرصت على تشكيل هيئة مع مجموعة من الأساتذة والمبدعين المهتمّين بحركة الأدب الوجيز وهم الأساتذة سهام شكيوة، جمال مسيوغة، زهرة النابلي ثابت، عفاف الشتيوي، وبدعم من المندوب الجهوي للشؤون الثقافية بسوسة، تمّ افتتاح الصالون يوم 08 نوفمبر 2019 حيث انطلقت الهيئة في إنجاز ورشات نقديّة تتناول النصوص الوجيزة شعرا وسردا بالنقد، وصولا إلى تنظيم ملتقى علميّ دوليّ في الأدب الوجيز يومي 25 و26 فيفري 2023، ملتقى سيرتقي بالمشهد الإبداعي في آفاق أكاديميّة وعلميّة رحبة في ولاية سوسة وخارجها. ولأنّ الشاعر الراحل “أمين الذيب” كان خير داعم لأنشطة الصالون وورشاته النقديّة تمّ الإعلان عن التوأمة الأدبيّة والثقافية بين صالون الأدب الوجيز بسوسة وملتقى الأدب الوجيز ببيروت.
وقد ارتبط هذا الصالون بعدّة أهداف نروم منها المساهمة في تأصيل حركة الأدب الوجيز وتوجّهاتها وطموحاتها والتنسيق بين الجهود العاملة على الأدب الوجيز مشرقا ومغربا للالتفاف حول حركة الأدب الوجيز ودعمها بتعميق تجربة مُطْلِقها الأستاذ أمين الذّيب وتعميمها والانطلاق من خلالها لتأسيس ملتقيات للأدب الوجيز في البلدان العربيّة، وتنظيم مؤتمراتٍ تؤسّس لنظريّةٍ نقديّةٍ ولنقل لمذهب أدبيّ يتناول الأدب الوجيز من حيث المصطلحُ وخصائصه المميّزة له كالتّكثيف والاستشراف والدّهشة والمفارقة الشّعريّة، والتقنيّات والخصائص والحدود الفاصلة بين الأجناس الأدبيّة استنادًا إلى مفاهيم النّقد الجديد وآليّاته. ويطمح الصالون أن يجد الأدب الوجيز مساحةً ومجالا في الدراسات والبحوث الجامعيّة مستقبلًا.
• تنظيم ورشات نقدية بمساهمة نقّاد من الوطن العربي حرصا على الانتماء إلى هذه الحركة الأدبية الجديدة
• التعريف بأهمّ الإصدارات الأدبيّة الحديثة في هذا النوع من الأدب وتقديمها بقراءتها ونقدها
• تنظيم ندوات ومعارض للإصدارات الأدبيّة الجديرة بالاهتمام
• تنظيم ملتقيات وطنية ودولية
• تنظيم مسابقة وطنيّة في الأدب الوجيز تمّ إطلاقها في دورتها الأولى 2023،
• تنسيق الجهود العاملة على الأدب الوجيز مشرقا ومغربا لإنجاز موسوعة اصطلاحيّة ضخمة خاصّة بهذا الأدب الجديد تضمّ مفاهيمه ومصطلحاته المستحدثة فيتمّ حصرها لتوحيدها
• العمل على إنشاء كتاب جماعي نقدي مختصّ في الوجيز يتضمّن المقالات والمداخلات العلميّة التي أثّثت الورشات النقدية داخل الصالون والملتقى العلمي الدولي في الأدب الوجيز في كلّ دورة. ومن المهمّ ان نشير إلى صدور أوّل كتاب جماعي عن حركة الأدب الوجيز بعنوان (الأدب الوجيز هويّة تجاوزية جديدة) عن دار جليس الزمان للطباعة والنشر. عمان. الاردن. وفيه دراسات نقدية لعدد من الأساتذة الدكاترة النقاد العرب، من لبنان وسوريا والأردن وفلسطين والعراق وتونس والمغرب، شاركوا في (مؤتمر الأدب الوحيز) الذي عقد في بيروت في شهر جوان 2019 برئاسة الشاعر الراحل أمين الذيب.
حول الملتقى العلمي الدولي والمسابقة الوطنية في الأدب الوجيز دورة 2023،
كان الصالون يعتزم تنظيم هذا الملتقى الدولي في 28 و29
أمان الله
أمان الله الغربي
مارس 2020 وتمّ تأجيل هذا الملتقى بسبب الكوفيد إلى يومي 25 و26 فيفري 2023 بالتعاون مع الجمعيّة التونسيّة الإنجليزية للتربية والسياحة So CuTe ورئيستها السيدة روضة بن هنيّة حسيون، وكنّا قد أعلنّا عن المشاركة في هذا الملتقى منذ نوفمبر، فوردت على إدارة الملتقى 33 بحثا علميّا حول الأدب الوجيز وإشكاليّة التجنيس، تمّ تحكيمها لاختيار 15 بحثا فقط من 5 دول دول عربيّة.
هذا الملتقى سيرتقي بالمشهد الإبداعي في آفاق أكاديميّة وعلميّة رحبة في ولاية سوسة وخارجها. سينعقد بحضور مجموعة من المبدعين والنقاد التونسيين والعرب المهتمّين بهذا الفن الوجيز من لبنان والجزائر والمغرب وليبيا وسوريا ليجتمع أهل المشرق مع أهل المغرب إيمانا بضرورة التّلاقي والتّفاعل بين الثّقافتين المشرقيّة والمغربيّة ما يساعد على تشكيل حركةٍ أدبيّةٍ فاعلةٍ تستفيد من التّجارب المتنوّعة للخروج من حالة التفرّق والجمود الفكري والأدبي والحضاريّ لأنّنا نحتاج إلى تأصيل هذا النوع من الكتابة الوجيزة بتراكم النصوص وتكوين مدوّنة جيدة وجهاز اصطلاحي نقدي يخوّل لنا التمييز بين الغث والسمين من هذه الكتابات.
أمّا المسابقة الوطنيّة فقد تمّ إطلاقها في دورتها الأولى ضمن فعاليات الملتقى العلمي2023، برعاية منتدى حلم الأرز التونسي اللّبناني، تشجيعا للكتّاب في الأدب الوجيز، ودعما للمبادرات الإبداعية الفرديّة، وحرصا على مواكبة الإنتاجات الإبداعيّة الوجيزة وتوجيهها، وإرساء معايير نقديّة عمليّة. وحركة الأدب الوجيز تؤمن بدور النّقد في تصويب مسار هذا الأدب الجديد، لتفادي الهفوات وغربلة الإنتاجات الحديثة.. وقد خصّصت هذه الدورة للقصّة الوجيزة (القصة القصيرة جدا) وفق شروط مذكورة في بيان المسابقة، وشارك 55 متسابق من مختلف الجهات، وأرسلت النصوص إلى لجنة التحكيم مرقّمة دون أسماء ولا جهات ضمانا للمصداقيّة. وأعلنّا عن القائمة القصيرة المتكوّنة من 10 نصوص استدعينا أصحابها لمناقشة نصوصهم ضمن أشغال لجنة التحكيم في الملتقى قبل الإعلان عن النصوص الثلاثة الفائزة يوم 26 فيفري.
الأدب الوجيز وإشكاليّاته،
ما من منكر أنّ الأدب الوجيز في مرحلة مخاض وعسر ولادة: هذا العسر طبيعي وسابق لكلّ تيّار جديد أو ظهور جنس جديد يريد أن يصبح موضوعا للدراسة (التذكير بالمسار الذي مرّت به قصيدة النثر في الشعر والأقصوصة في النثر)
والأدب الوجيز هو ليس فقط مجاراة للعصر بقدر ما هو حالةٌ معرفيّةٌ مُكثّفةٌ وقوّةٌ فكريّةٌ وفلسفيّةٌ تطبع المجتمع وآدابه. والتكثيف فيه دليل بلوغٍ معرفيٍّ يُتقن التّواصل بين الشّاعر والذات والحياة، بأقلّ الكلمات وأوسع المعاني فكان “أدب المعرفة بامتياز” كما يقول أمين الذيب لأنّه يعتمد التلميح والاقتضاب ويجنح نحو التجريب والتصوير البلاغيّ. ومن هنا يقرّ النقاد بصعوبة الكتابة في هذا الجنس لأنّه أدب المعرفة يختزن في نصوصه عصارة التجربة الثقافية والفلسفيّة واللّغوية الجماليّة للكاتب شعرا أو سردا.
يقول البعض إنّ الأدب الوجيز أدب نخبويّ. لكن لا يجب أن يُفهم، في هذا السياق، أنّ الأدب الوجيز يتعالى ويستغلق على قارئه. كلاّ، الأدب الوجيز يُنادي بالتعالي لكنّه لا يتعالى، إذ يؤمن كتّاب الوجيز بأنّ المتلقّي على درجة من الإبداع مثل الكاتب، والارتقاء بالشّعر إلى مصاف التّخيّل المحض والابتكار الصّرف والرّمز المغري المشترك بين الكاتب والقارئ، من شأنه أن ينهض بالمجتمع الذي يُعاني وطأة التسطيح إلى جانب ما يُعانيه من الجهل والتّخلّف والرجعيّة.
ولم يسلم الأدب الوجيز ممّا أصاب الفنون الأخرى من استسهال وإسهال فيتراءى لغير الفاهم أنّها كتابات وجيزة سهلة الصناعة والإنشاء. لذا يحتاج هذا الأدب الجديد الوجيز أن ينظّر له النّقد الحديث وأن يواكب هذه الإنتاجات الإبداعيّة المعاصرة وأن يرسي لها مناهج نقديّة عمليّة. وحركة الأدب الوجيز يؤمن بدور النّقد في تصويب مسار هذا الأدب الجديد، لتفادي الهفوات وغربلة الإنتاجات الحديثة.
إذ أنّ بعض المهتمّين وجدها نصوصا ضئيلة، محدودة الأسطر، فراح ينشئ في اليوم أكثر من نص!!! فهل هذا فخر أم شرّ؟ وخاصّة أنّ المدوّنات والمواقع الالكترونية المتعدّدة والمتنوعة فسحت مجالا فسيحاً للكتابة والنّشر السريع فظهر الغَثّ والسّمين وساعدت على الإنتاج الرّديء. وأفضى كلّ ذلك إلى فوضى في الإنتاج، الذي لا تحكمه قواعد أو تضبطه سنن. فكتابة الوجيز عملية صعبة، لا ينبغي استسهالها بالشّكل الذي تُعرض به في مختلف المنتديات الأدبية عبر النّت أو حتّى في بعض الكتب المنشورة.
طبعاً إنّ غياب النقد أو عدم قدرة النقد على تطوير مفاهيمه انعكس على معظم إنتاجنا الأدبي وأبقاه في حالة من السكون والركون واجترار الأفكار. فمعظم كتاباتنا إعادة صياغة لما سبق وكأنّنا مفصولون عن حركة العصر ومفاهيمه وقيمه الجديدة. وبعبارة أخرى، المشكلة لا تكمن في المتلقي بقدر ما تكمن فيما يُقدَّم له. ونحن نرى أنّه من واجبنا في هذه المرحلة التي بلغت فيها مجتمعاتنا أن نعيد إحياء الحركة النقدية الفاعلة التي مثّلتها أسماء رفيعة حال الجاحظ والجرجاني وطه حسين والعقّاد وخليل حاوي وغيرهم.
وما يجدر الإشارة إليه هو الدور الفعال الذي يقوم به المبدع ويثابر بشتى الوسائل في دفع عجلة هذه الحركة والخروج بها من مساحتها الضيقة إلى شساعة الساحة الثقافية حتى يصبح مفهوم ومصطلح الأدب الوجيز محور الأدب الحديث، وهذا ما يحرّك تفاعل المنظرين الاكادميين والنقاد للاهتمام بهذا النوع من الأدب
عن صالون الأدب الوجيز
سوسة /تونس
مكتب تونس الشاعرة