ط
مسابقة القصة القصيرة

خير من استأجرت. مسابقة القصة القصيرة بقلم /زهرة الراسبي

زهرة الراسبي
سلطنة عمان،محافظة جنوب الشرقية
96128071+
أسم المشاركة : خير من استأجرت…قصة قصيرة

==================================================================
خير من استأجرت
برؤية مشوشة يغشاها البياض حاولت قياس مسافة الوصول بعينيها الذابلتين، وبِصعوبة رسمت ابتسامة فرح باهتة، بعدما قَدَّرت مسافة الوصول وزمنه حسب سرعتها الحالية فإذا به قريباً جداً.
في تلك اللحظة كان جناحاها يصفقان بقوة وبصوت مسموع ،كمحاولة منها للحفاظ على مستوى السرعة، بعدما أنهكهما التعب، فلا يستطيعان الطيران بسلاسة بوضعهما الحالي، كما أن أجزاء الريش المنفوش بدأت تتناثر من جسدها كثلج متساقط من شجرة تم هزها بقوة .
كما تناثرت الجروح على جسمها،بشكل يحكي لنا ما عانته حمامتنا من مصاعب جَمة في طريق السباق،فقد تم تسليم بطاقات أماكن السباق في البداية من قِبل المحكمين، وقد تلى التسليم تعالي هديل الاستنكار من قبل الحمامات المشاركات في السباق، فلم يعرفن سباقاً من قبل ، يتم فيه التحدي بأماكن مختلفة،وظروف متباينة، إذ يكون للسباق في العادة، نقطة بداية ونهاية واحدة،دون تحديد مسارات الطيران لكل حمامة ! ومع ذلك فإنه ليس بالأمر الغريب على هذا السباق، اذ سيتم فيه اختيار “الحمامة الملكية” لنقل البريد الملكي.
لم تكن المسارات متكافئة في درجة الصعوبة والخطورة، فمسار سرب الحمامة الرمادية كان خطيراً، لأنه يقطع البحر لمسافات طويلة لا يتيح للحمام فرصة للراحة، وهذا شيء ضروري في الطيران، مما اضطر البعض للاستسلام بالسقوط مغشياً عليهم بالقرب من صخور الشاطئ من شدة التعب، وهم مبللون بدموع الحزن على بقية السرب إذ بتلعتهم مياه البحر بعدما خارت قواهم.
أما ذلك السرب، الذي كان عليه أن يقطع منطقة جبلية، فقد تراوحت درجة صعوبة الطيران فيه بين العالي والمنخفض ،إذ توجد أماكن للراحة بين الشجيرات المتمسكة بالصخور الجبلية، ومصادر للمياه في الشلالات المتساقطة من أعالي الجبال،لتروي عطش الحمام اللاهث، إلا أن النسور المهيمنة على المنطقة الجبلية، لم تدع أي فرصة لبعض أفراد السرب للمرور بسلام خلال المنطقة الجبلية، إذ تم اقتناص البعض،وتقديمه طازجاً لفراخ النسور، أما البعض الآخر فقد فضل الاختباء في الجحور، وبين أغصان الشجيرات النادرة هناك، في أعالي الجبال، أما الناجي من تلك المنطقة،فهي مجموعة من الحمامات المتمرسة، إذ فضلت الطيران على ارتفاعات منخفضة، حفظا للطاقة، وتجنبا لمسارات طيران الجوارح المرتفعة، كما فضلت الطيران أيضاً بالقرب من حواف الجبل، اذ يتسنى لها فرصه الاختباء بسرعة في حالة العثور عليها من قبل النسور.
أما حمامات السرب الثالث فكان مسارها يمر عبر منطقة زراعية في الأرياف القريبة من المدينة، وقد تفاجأ الأهالي من ذلك السرب المسرع من الحمامات، إلا إنه بعد ذلك سقطت العديد من حمامات السرب الواحدة تلو الأخرى، إثر تلقيها رصاصات قاتلة من الصيادين، وذلك عكس السرب الذي سلك مسار المدينة إذ مر خلال سمائها بسلام، فقد كان البشر فيها يركضون بجنون وراء أعمالهم ، و البعض منهم تطور من صيد الطيور إلى صيد البشر، فلم تواجه صعوبة في المدينة إلا قذارة تلك المناظر أو تلوث الهواء.
بيد أن الحمامة الأكثر حظاً في السباق، تلك الفضية اللامعة، فقد كان السباق بالنسبة لها رحله تنزه، فمسارها يمر بسهل رسوبي،إضافة الى أنه سهل بالقرب من النهر ويعم الهدوء والسكينة فيه، ولا يشوبه إلا ثغاء الماعز، وصفارة الرعاة، وغير ذلك فإن الحشرات الطائرة حول النهر كانت مصدر غذاء إلى جانب النهر كمورد للماء.
أما إذا اتجهت من النهر ذاته وتوغلت قليلاً إلى الجنوب، فستتوغل في غابة مسنة، شديدة الكثافة، ونباح كلاب الصيد يخربش جوها العام.
في هذه الغابة تتعانق الأشجار من الأعلى، بحيث بصعب على الحمامات الطيران، وتتراص الأعشاب في الأسفل فيصعب عليك المشي أيضا، السبب الذي جعل هذه الغابة وكرا للكثير من الوحوش، ومأوى للعديد من الحيوانات، لذا فهي مكان خصب للصيادين وكلابهم النباحة.
حمامتنا كانت تتخبط هنا، فقد قَدرت اللجنة ان مسارها يقطع هذه الغابة، فلم تدرِ أتهرب من نباح الكلاب الواشية؟، أم تصطدم بفروع الاشجار المتعانقة؟، أم تحاول التخلص من لفلفة بعض الغصون المتشابكة؟، كل هذه المحن انهكت كل قواها إلا قوة العزيمة، فقد رافقتها طوال الرحلة، ولم يكن الليل احسن حالا من الصباح، فقد كانت حمامتنا ترتجف خائفة، بين الجذوع الملتفة لئلا تجدها البومة المتربصة ليلا ، أو يهجم عليها الذئب الباحث عن اللحم الطري بشراسة، كان التعب ينهيها والعزيمة تشد من عزمها ، حتى جرعت من كل محن الغابة، فخرجت منتصرة، وها هي ترمق اشارة النهاية بسعادة غامرة، بجروحها المرعبة، وريشها المبعثر في جسمها، وجناحها الدامي بكسوره الكثيرة، وبصعوبة تحاول مواصلة الطيران، كاد قلبها الصغير يتفجر من شدة الضغط، فقد تحمل اكبر من طاقته الفعلية، كما أن الإغماء يناديها بقوة، لولا العزيمة التي كانت تطرده بأقوى من قوته ،حتى ظهر فجأة لمعان فضي ساطع من خلفها، فالتفتت مستغربة فاذا بالحمامة الفضية ذات المسار السهلي فصرخت من داخلها لا لن أُهزم بمجرد حمامة لم تجرب الصعب لن أُهزم من حمامة ضعيفة لم تغسلها المحن أو يهذبها العذاب نعم إنك حظيت بمسار سهل، وحظ وافر،لكني عدت محملة بالمزيد من القوة والمزيد من الخبرة ،فقد تعلمت من الذئاب الحذر ومن الظلام الوحدة ومن تلاحم الاشجار مرونة الطيران وانتِ ماذا تعلمتي؟ وفي كل الاحوال فانا التي تستحق لقب الحمامة الملكية لنقل البريد الملكي ” إن خير من استأجرت القوي الأمين ” لحظات حتى وصلت حمامتنا المنهكة الى خط النهاية وتبعتها بثوانٍ الفضية، لتستقر الحمامتان في ايدي الحكام وبدأوا بالتشاور:
الاول: غريب أن تخرج هذه الحمامة المسالمة من تلك الغابة الموحشة.
الثاني: تستحق وسام الشجاعة والقوة.
الثالث: نعم ولكن الجائزة هنا هي لقب و وظيفة نقل البريد الملكي والملك ينتظر الحمامة.
الاول بخبث: ولكن انظروا اليها كيف سنقدمها للملك وهي بهذا المنظر.
الثاني: منظرها يدل على عزيمتها وتعبها.
الثالث: نعم ولكن لا يدل على الشكل الملكي في القصور.
الثلاثة يضحكون بصوت عالٍ ودموع عيونهم الضاحكة تفجر علامات الاستغراب في الحمامة المجروحة .
وفي المساء حيث التكريم في القصر كانت الحمامة الفضية في كتف الملك تنتظر الاوامر وفي يده ورك مشوي للحمامة الفائزة ينهشه بشراهة…………. وهكذا دواليك.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى