أُحَبُّ السَّيْرَ بِمُفْرَدِي فِي الْمَسَاءِ عِنْدَ الْغُرُوبِ اسْتَنْشَقَ النَّسِيمُ الْعَلِيلَ وَعَبْقَ الزُّهُورِ. أُحِبُّ أَنْ أَرَى الشَّمْسَ وَهِيَ تَمِيلُ خَلْفَ الْأُفُقِ.
انْتَظَرَ النُّجُومُ تَتَهَادَى مَعَ قَافِلَةِ اللَّيْلِ تَلْمَعُ بِصَمْتٍ. .
يَقُولُونَ إِنَّنِي رَجُلٌ يَعْشَقُ الْوَحْدَةَ وَاسْتَسْلَمَ لِلْحُزْنِ وَالْيَأْسِ.
رُبَّمَا كَانَ الْغُبَارُ قَدْ غَطَّى ضَوْءَ الشَّمْسِ، أَوْ رُبَّمَا كَانَ أَوْضَحَ مَكَانٍ فِي قَلْبِي مُلَطَّخًا بِالْغُبَارِ.
يُفَكِّرُ النَّاسُ دَائِمًا فِي الطَّرِيقِ الَّذِي سَلَكُوهُ عِنْدَمَا يَكُونُونَ أَكْثَرَ اكْتِئَابًا. قَدْ يَكُونُ مُجَرَّدَ أَصْدَاءِ حُنَيْنٍ مُنْبَعِثَةٍ مِنْ الْمَاضِي، أَوْ قَدْ يَكُونُ نَوَافِذُ الذَّاكِرَةِ مَفْتُوحَةً عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ. يُرَاجِعُونَ أَقْدَارَهُمْ وَحَوَادِثَ مَرَّتْ بِهِمْ. وَعَلَاقَاتٍ إِنْسَانِيَّةٌ مَعَ شَخْصٍ مُرَائِيٍّ زَائِفٍ أَوْ صَادِقٍ دَافِئٍ، أَوْ مَنْ تَرْكِ فَجْوَةً لَنْ يَرْدِمَهَا طَمِيُ النِّيلِ. وَأَرْوَاحٌ تَدُورُ فِي دَوَّامَةٍ لَا يُمْكِنُ الْخُرُوجُ مِنْهَا. وَقُلُوبٍ مُشَرَّعَةٍ أَبْوَابُهَا صُدِئَتْ مِنْ عُفُونَةِ النِّفَاقِ.
فِي طَرِيقِ الْحَيَاةِ ، نَنْظُرُ إِلَى الْوَرَاءِ بِشَكْلٍ مُتَكَرِّرٍ، نَرْنُو إِلَى الْحُشُودِ الَّتِي ضَاعَتْ أَوْ فَقَدْنَاهَا عَنْ سَابِقِ إِصْرَارٍ، مَنْ تَبَقَّى مَعَنَا. وَمَنْ غَادَرْنَا مَنْ صَعِدَ عَلَى مَتْنِ قَارِبِنَا وَبَقِيَ وَفِيًّا لِوَعْدِهِ وَعَهْدِهِ رَغْمَ أَهْوَالِ الْبِحَارِ ، وَمَنْ لَمَسَ أَيْدِيَنَا عَنْ طَرِيقِ الْخَطَأِ وَظَلَّ عَابِرٌ فِي سَبِيلِهِ ، مَنْ وَدَخَلَ قُلُوبَنَا وَاسْتَوْطَنَ بِهَا. وَإِنْ حَاوَلْنَا إِخْرَاجَهُ لَا بُدَّ خَارِجَةَ الرُّوحِ مَعَه.
نَلْتَقِي وَنَفْتَرِقُ هِيَ سُنَّةُ هَذَا الْكَوْنِ الْمُتَرَامِي الْأَطْرَافِ، كَمَا الْأَزْهَارُ تَمُوتُ فِي الشِّتَاءِ وَتَحْيَا فِي الرَّبِيعِ وَكَذَلِكَ نَحْنُ نَمُوتُ وَنَحْيَا عَبْرَ فُصُولِ الْحَيَاةِ.
الْحُزْنِ وَالْكَرْبُ يَتْرُكُ الرُّوحَ بِفَرَاغٍ، نَقْنِّطُ نَعِيشُ بِخُمُولٍ نَسْتَجْدِي بِالدُّعَاءِ مَا نَرْغَبُ، نَنْسَى أَنَّنَا إِنْ كُنَّا نَحْتَفِظُ بِالْقَلِيلِ وَلَمْ نَخْسَرْ كُلَّ الْأَشْيَاءِ بَعْدُ. فَنَحْنُ فِي انْتِصَارٍ دَائِمٍ.
لَنْ نَنْتَظِرَ أَنْ تَنْبُتَ أَزْهَارُ السَّعَادَةِ بِلَا عَنَاءٍ أَوْ تَهْطِلَ عَلَيْنَا أَسَارِيرُ السُّرُورِ مِنْ السَّمَاءِ.
قَدْ نَئِنَ مِنْ عَذَابٍ، وَ نَعِيشُ فِي غُرَفٍ بَائِسَةٍ مُظْلِمَةٍ غَافِلِينَ مَذْعُورِينَ. لَا نَرَى تَبَاشِيرَ الْأَمَلِ.
بِلَمْحَ بَصَرٍ تَنْتَشِرُ شَرَارَاتُ الرُّوحِ الدَّافِئَةِ يَخْتَرِقُ نُورُهَا الظِّلَالَ الْكَئِيبَةَ. وَتَحْرِقُ خُيُوطٌ حَاكَهَا الْحُزْنُ شُبَاكًا فَوْقَ أَحْلَامِنَا.
نَقِفُ بِقُوَّةِ الِابْتِسَامَةِ شَامِخِينَ غَيْرُ مُحْبِطِينَ نَنْفُضُ الْغُبَارَ عَنْ قُلُوبِنَا الْمُتْرَّبَةِ، وَبِسِحْرِ الْكَلِمَاتِ نَدَاوِي كُلُّ نَفْسٍ عَلِيلَةٍ.