ط
مسابقة القصة

دماء علي ثوب أبيض.مسابقة الرواية ( فصل أول) بقلم / نسمة أبو النصر علي أبو هاني من مصر

الاسم/ نسمة أبو النصر علي أبو هاني

المسابقة/ همسة للآداب والفنون
نوع المسابقة/ رواية
مصر – البحيرة
الايميل/[email protected]

الرواية بعنوان/ “دماء علي ثوب أبيض”
الفصل الأول بعنوان “حبات العقد المنثور”
اقترب النهار من الرحيل وكادت الشمس أن تلملم آشعتها تأهبا لترك ساحة السماء للنجوم , ونافذة الحجرة ما زالت مفتوحة علي غير عادتها تنظر إلي الشارع وكأنها تنتظر عودة غائب , وفجأة يدق جرس الباب فتترك هدي النافذة مسرعة تجاه الباب في خوف وترقب.
_تُري من الطارق ؟
_هل عادت حقا ؟!
ولكن إن كانت هي فلماذا لم تأخذ المفتاح معها ؟!
وفي غمرة حيرتها وجدتها هي بالفعل متصلبة أمامها فاقتربت هدى مهرولة لترتمي في أحضانها وعكس ما توقعت هدي الطفلة البريئة فقد زجرتها وطرحتها أرضا لتتناثر حبات العُقد الصغير الذي طالما حملته في صدرها ليكون قريبا من قلبها فلم تخلعه أبدا منذ مجيئه حتي تلك اللحظة القاسية التي افترقت فيها حباته بعد أكثر من عام علي حمله في رقبتها الصغيرة ؛ وبدلا من أن ترتمي هدي في أحضان أمها ارتمت في أحضان الأرض وظلت تبكي وتلملم حبات عقدها ولم يحن قلب الأم لها بل ظلت تُلقي بكلمات غير مفهومة وتلعن الأيام والسنين والأكثر من هذا فقد تقدمت يداها بقسوة لتحصل علي حبات العقد من أيدى الصغيرة بعد أن جمعته لتقول لها :_سيقتلكِ هذا ..اتركي ..لا تحملي هذا العُقد مرة أخري
لم تفهم هدي المسكينة لماذا أخذت الأم قلبها بعد أن ألقت به علي الأرض..نعم فالعُقد بمثابة قلبها لأنه الذكري الوحيدة التي بقيت لها من والدها.
هدي كانت طفلة مُطيعة فأبت أن تقف أمام أمها وتدخل معها في دائرة عناد واكتفت بالدموع التي تنهمر علي خديها واقتربت قليلا من أمها وقالت بصوت مكتوم يملؤه الألم :
_لماذا يا أمي أنتي غاضبة؟هل فعلت شيئا أزعجك؟
ثم نظرت إلي الأرض وقالت :
_انني أحب هذا العُقد كثيرا…
نهرتها الأم بكل قسوة قائلة :
_الحب قد مات كما مات والدك
وقعت الكلمات علي هدي التي لم تبلغ العاشرة من عمرها وكأنها نيران إلتهمت جسدها الصغير وظلت تصرخ وتصرخ :
_ماذا ؟ماذا يا أمي ؟! هل مات أبي حقا ؟كيف ..كيف يا أمي ؟
لم تُجب الأم بل تركتها غارقة في دموعها ودخلت حجرتها.
ظلت هدى تفكر في أمر أبيها وكيف ومتي مات وهي تنتظره كل صباح كما كان يقول لها في رسائله :”انتظريني يا حبيبتي الصغيرة قد تصل طائرتي صباحا”.
تتذكر هدي رسالته باكية وهي تحدث نفسها :”قد جاء الصباح يا أبي وبعده المساء وتغيرت الأيام والسنون وأنت لم تأت ..لماذا رحلت قبل أن أراك يا أبي؟ فكم حلمت أن تأتي لتغير حياتي يا أبي”
ظلت هدي غارقة في دموعها ولم تذق جفونها طعم النوم وفي الوقت الذي شعرت أن أمها قد أخذها النوم تحسست حجرتها باحثة عن حبات العُقد وفتشّت هنا وهناك وقد امتلأ قلبها بالخوف فلم تجده وظلت حائرة في مكانها :”تُري أين وضعت أمي حبات العقد؟!!”
وفجأة استيقظت أمها لتجدها تفتح دولابها :
_ماذا تفعلين ؟
ثم نهضت الأم من سريرها لتنهر هدي وتوبخها بأفظع العبارات التي أفزعت قلب الصغيرة وتستطرد الأم سلسلة عباراتها اللاذعة قائلة :
_فأنتِ مثل أبيكِ دائما تبحثين عن الأشياء الدنيئة.
خرجت هدي وهي تشد أذيال الهزيمة وراءها والحيرة قد ملأت قلبها وعقلها عن سوء معاملة أمها لها وهي تقول :كيف يموت أبي وتنهرني أمي هكذا بدلا من أن تحتضنني وتسب أبي بدلا من أن تطلب له الرحمة ؟!!
الفصل الثاني بعنوان :” دموع بين السطور”

مضت الليلة ثقيلة بلا قمر ولا نجوم فمرت علي الصغيرة هدي وكأنها أعوام مليئة بالحسرة والآسي ,وفي الصباح الباكر أعدت نفسها للذهاب إلي المدرسة وخرجت دون أن تحدث أمها بأي كلمة ومضت في طريقها حزينة حائرة إلي أن وصلت إلي مدرستها فقابلت زميلاتها والدموع تسكن عينيها ولم تلق عليهن السلام كما اعتادت من قبل فاقتربت منها إحداهن قائلة :
_صباح الخير يا هدي
لم ترد هدي عليها ولكنها ظلت صامتة تنظر هنا وهناك وكأنها لم تسمع صوت زميلتها التي حاولت أن تعرف سر حزن هدى وصمتها فأسرعت قائلة :
_ماذا بكِ يا هدي ؟ هل أصابكِ سوء ؟
هنا انهارت هدي ؛ حقا لقد أصابها سوء عظيم ولكنها لم تنطق سوى بالبكاء الشديد وجاء موعد دخول المدرسة فدق الجرس واستقبل الفناء التلاميذ ببهجة الصباح المنير ولكن قلب الصغيرة ارتسم بظلمة الليل وبرودة الشتاء.
دخلت هدي الفصل مع زميلاتها اللاتي ظللن يتغامزن بأمرها , فصغر سنهن لم يمنعهن من التلامز علي زميلتهن الطفلة البريئة التي اقتحمت مدرستهن منذ عام واحد فقط ولقد شعر الجميع خلال ذلك العام بأن هدي طفلة منطوية علي نفسها دائما شاردة وحزينة ولكن من بين حزنها كانت تخرج الابتسامة الصامتة في وجه الجميع وعلي الرغم من بعدها عنهن كانت متفوقة عليهن في الدراسة مما جعل كل من في المدرسة يتعلق بتلك الفتاة لحُسن خلقها وذكاءها , ولكن لا يمحو الحب الغيرة من قلوب الصغيرات.
_ماذا بكِ يا صديقتي ؟
صوت استفاقت عليه هدي ولكن لم ينسها همومها , كان صوتا حنونا قريبا لقلب هدي إنها الصديقة المُقربة لقلبها “نورا” التي اندهشت من الحالة السيئة التي بدت عليها هدي فأكملت حديثها :
_أنتِ لم تنتظريني مثل كل صباح كي نأتي سويا ..هل أزعجتك ِفي شئ؟
تدخل المُدرسة الفصل فتقطع حديث نورا ويلتزم الجميع الصمت وتبدأ حصة جديدة مع أبلة “سميحة” ذات الوجه الجميل والعيون التي تُشبه آشعة الشمس في بريقها , وتبدأ هدي بمصاحبة قلمها بالكتابة علي أوراق كراستها.
لم تكن هدي تكتب درس اليوم في اللغة العربية ولكنها كانت تخطط بعض أحزانها وتُعزي نفسها بتلك الحبة الزرقاء التي استطاعت أن تحصل عليها من العقد حينما وقع علي الأرض دون أن تدري أمها بذلك.
لاحظت المُدرسة أن هدي شاردة مشغولة عنها بهموم تبدو علي وجهها وقلم يخطط أحزانها علي الورق فاقتربت منها أبلة سميحة في خطوات من الحب والحذر , فكم هي رقيقة وحساسة تلك الطفلة ولكم تحبها أبلة سميحة التي عانقت أنفاسها أنفاس هدي قائلة في شئ من الحنان :
_ماذا بكِ يا صغيرتي ؟ هل فهمتي ما طرحته في درس اليوم؟
تنظر هدي إليها بعينين دامعتين سارحتين في دنيا من الشجن :
_ماذا؟ درس اليوم..نعم ..لا..نعم…
فكان لاضطراب هدي وتلجلجها وقْعٌ حزين في نفْسْ أبلة سميحة حيث أنها تعلم الكثير عن الحالة الاجتماعية البائسة لتلك الطفلة البريئة المتفوقة حيث أنها تهتم بأخبار المتفوقين دائما فدعتها بعد انتهاء الحصة إلي حجرة المُدرسات ثم مازحتها قائلة :
_هل أعددتِ شيئا لحفل عيد الأم القادم؟
وإلا سنلغي عيد الأم من أجلكِ يا صغيرتي…
نكسّت هدي رأسها في الأرض ثم قالت بصوت مختنق :
_ لن أستطيع المشاركة في هذا الحفل
أسرعت أبلة سميحة :
_ لماذا يا عزيزتي ؟ أنتِ أهم شخصية في الحفل لأنكِ ممتازة في فن الإلقاء والخطابة ولا يوجد بديل
_ربما لأنني مريضة الآن ولكن إذا تحسنت صحتي سأشارك بإذن الله
أدركت المُدرسة أنها تهرب من شئ ما فحاولت أن تستدرج عواطفها لتخفف عنها بعض الشئ فقالت:
_ماذا كنتِ تكتبين أثناء الحصة ؟ هل يمكنني أن أعرف لأنني قد لمحت بعض الكلمات ورأيت انشغالك عن الحصة ؟
انكبت الدموع من عين الصغيرة وقالت :
_ كنت أكتب مآساتي فقد مات والدي في الغربة
حينها هرولت أبلة سميحة ناحيتها واحتضنتها بعمق قائلة : “إنا لله وإنا إليه راجعون”
فانهمرت الدموع من عيون هدي وكأنها السيول التي تتساقط من السماء لتملأ البحور وكلما زاد عناق مُدرستها ازدادت معها السيول علي وجهها.
_”كم كنت أحتاج هذا الحضن الدافئ” هدي تحدث نفسها
وأخذت المُدرسة تحدثها بأنه قضاء الله وقدره ولابد أن يرضي كل انسان بما قد قسمه الله تعالي له فاستجابت هدي لحديث أبلة سميحة وذابت في حنانها المعهود وراحت تقص عليها ما فعلته معها أمها وحاولت المُدرسة أن تهدأ من روعها وتخبرها بأن أمها لابد وأنها كانت في ضيقة وألم مما حدث ففعلت ذلك دون قصد بأن تجرحها , ومضي يوم هدي بين دموعها التي انكبت فوق السطور وبين أحضان مُدرستها.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى