رثاء …… قصة قصيرة >>>> خاص بالمسابقة
في ليلة شتوية عنيفة ممطرة أعلنت فيها الطبيعة غضبها,امتلأت المقابر بالمشيعين لحضور مراسم تشييع جنازته المهيبة والذين أتوا من القرى المجاورة لقريتي الصغيرة القابعة شرق المدينة التي تعج بالسكان.
بين ترقب وصمت شديد وقفت الحشود تتابع ما يحدث حول المقبرة,أنزويت جانبا لا أصدق ما تراه عينى وتساءلت هل حقا مات الشيخ؟
وجاءني الجواب نعم قد مات الشيخ ولم تبقى سوى روحه ترفرف في سماء عقلي تذكرني بحكمته ووعظه لى طيلة السنوات الماضية,ذرفت عيني قطرات من الدمع حاولت منعها لكنها أبت.
شيخي هل سأسير على دربك؟
هل سأعود مرة أخرى الى ذنبى اللعين بعد أن تذوقت الانس والمحبة.
أخرجت منديل ورقى من سترتي ومسحت به الدموع التي اختلطت بزخات المطر.
كنت أرقب المشهد من بعيد والذي لم تراه عيني من ذى قبل من شدة الزحام في المقابر,أتذكر أول يوم رأيته فيه وكأني كنت أعرفه من زمن بعيد, يومها طلب منى صديقي مصاحبته لانتظار والده فى محطة القطار,كان رجلا ذا هيبة ووقار لكل من يراه يرتدى جلبابا رماديا ويتكأ على عصا,في البداية كان يخيل لي أنه في الستين ولكن بعدها علمت من رجل غريب حقا ,نظر إلى نظرة فاحصة وسألني من أنت؟
وما إن هممت بالا جابه حتى عاجله صديقي بالرد عليه,عدت إلى بيتي وعقلي مكتظ بالأفكار,شيء غريب يجذبني نحو ذلك الشيخ الكبير.
قررت زيارته فرحب بذلك,جلست أمامه يحتويني التفكير ,كان يتكأ على أريكة قديمة متهالكة تأخذ جانبا من حجرته المتواضعة في بيته الريفي,لاشيء يحتوى الحجرة سوى دولاب صغير ومنضدة خشبية متهالكة بجواره كان يضع عليها كوبا من الماء,كانت تأملاته لي وأحاديثه التي لا تنضب عن المحبة الإلهية وعشق إل بيت النبي صلى الله عليه وسلم غذاء لروحي التي لا تعرف إلا الهوى ورعونة الشباب والانخراط في ملذات الحياة وشهواتها,كان قبل وفاته بأيام قلائل قد أعتزل الناس حتى أهل بيته لايدخلون عليه حجرته إلا لجلب قليل من الطعام ,وقد كان أيضا قليل الحديث ولا يخشى في الله لومه لائم.
ربما شبح الذنب يعاودني مرة أخرى بعد فقدانك شيخي,حاولت أن أخترق صفوف المشيعين أحاول جاهدا ألقاء النظرة الاخيرة عليه ,سأبقى على عهدى به و تذكرت كلماته لى يفنى الجسد وتبقى الارواح الطاهرة تحجبنا عن الذنوب و تراجعت للوراء مرة أخرى.