ط
مسابقة القصة القصيرة

رسالة من السماء .مسابقة القصة القصيرة بقلم / عادل محمد فودة من مصر

“رسالةٌ من السماء”
قصة قصيرة
عادل محمد فوده
جمهورية مصر العربية
0096896308809
[email protected]
– كلُّ مولودٍ في أوَّل أطوار نشأته يولد ولديْه رقعة طريَّة في أعلى الجمجمة, تُعطي للمخ فُسحة كي يتمدَّد وينمو, وتستمر طراوة تلك الرقعة من العظام حتى نهاية عامه الأوَّل ولكن للأسف لم تولد إبنتكما بها, على عكس ما عهدنا, ولذلك لم وربما لن ينمُ المخ لديها كما يجب, ولعلّ ذلك هو سبب ما يعودها غِبَّاً من نوبات الصرع….”
عندما بلغ الطبيب ذاك الموضع من حديثه المُغلَّف بنبرةٍ أسيفة, سكتَ وتطلَّع إليهما في أسىً ليمتحنَ أثرَ ما قال في وجهيهما, وكأنَّ المياه بلغت في مجاريها مجمعًا ففار فائرها, أو كالبركان إذا ما بلغ مبلغًا من أُواره ثار ثائره, غاب الزوجان في سكرةٍ من وجوم, وجعلا يتبادلان نظراتٍ ذاهلة بعيْنيْن تذكيان ألمًا, وقع الخبر من الزوج موقع السهم من القلب, مغمد السيف في الضلوع, أحسَّ برجسة تسري في بدنه سريَ الموت في كلِّ حيّ, مشيَ الحُمَّى في عظام المحموم, جأشت نفسُه بمشاعرَ شتَّى, اشتجر فيها الحزن بالندم, فكانت الحسرة نتاجًا مُرّاً, راح يُعالج برحاء أساه ويندبُ سوء حظِّه ونكد طالعه, ذهبت به ظنونه كلَّ مذهب, وطافت به سفائن الوجد كلَّ مرفأ, صارت أمامه الدروب فجاجًا فلا يكاد يتبيَّن خلالها طريقه, ما عاد يعرف إلى غايته سبيلا, يُعدُّ ما جرى صنعة يده وجريرة نفسه, فيقفُ أمامها موقف المُناجي حينًا, ويقوم منها مقام الجلاد المُعاقب في أحايينَ كثيرة, يتساءل” هل يُعاقبني الله فيها؟ لا…ألم يكن الأجدر بها أن تُظاهرني بحقيقة مرضها؟ ألم يكن الأحرى بها أن تُصارحني ثم تترك ليَ حريَّة الاختيار؟”فتُجيبه نفسُه” لا…ألم تخبرك عندما حاججتها فيما لها عندك من ظِنَّة بأنَّ حبَّها لك هو ما حجاها من مُصارحتك أن تنكص و تعدلَ عن الزواج بها؟ أما كان عليك أن تعفو وتصفح وتكون لها رِدئًا, لا مُعينًا عليها رزيئتها وما أصابت في أيام حياتها حظَّاً يسيرًا من نكبائها, وقدرًا وفيرًا من خطوبها؟ ألم يكن بك إلَّم تُناصرها في ربقتها, ألاَّ تُغالي في عقابها, وتُسرِّحها سراحًا طيٍّبًا, خاليًا من نزعات الإنتقام, نظيفًا من ميْلات الكِبر والصَلَف؟ ألم تُجحِف بها وبغير ما رحمة نهضتَ من ساعتك فطلَّقتها وبعثتَ بها إلى دار أبيها بلا رجعة؟ ألم تُذع في الناس بأنَّها تلك المرأة الخائنة, الكاذبة التي لا تستأهلُ أن يُصيبها شيءٌ من عزَّك أو ينالها بعضٌ من نعمك؟ ألم تجعل من مرضها إثمًا لا يُنتسى وذنبًا لا يُغتفر؟ وكأنَّما دعته إليها نفسُها الأمَّارة بالسوء, أو دفعتها إليه رغبة مُحرَّمة, إنَّ كلَّ ما ينزل بالمرء من نوازي الهمِّ ونوازلُ العِلل فمن الله, أمَّا ما علمتَه اليوم بأنَّه قد ألمَّ بابنتك فمن نفسك, نعم, لا غروَ أنَّ الله يُعاقبك فيها, وإلأَّ ما كان بلاها بذات العِلَّة التي عاقبتَ زوجتك الأولى وعزَّرتها عليها, أو أشد منها وطأة وأعنف فِعلاً”
وكان إذا ما حمشت عليه نفسُه, وضاق بوخز ضميره, يُناجي ربه في صغار الراهب المُتخشِّع” اللهم إن كان بحق عقابًا فقد بلغني وفهمتُ الرسالة, فارقع لحالي وارحم ابنتي فهي من ذنبي براء” وذات أصيلٍ قصد إليها كما أجمع أمره أن يطلب العفو والغفران, فألفيَها قد أصابت شيئًا من نُضرة, وحظَّاً من دعة, ووفرة من يُسرة, صارت حسب ما رأى أجمل مما كانت, أو كما شعرَ أهدى بالاً وأقرَّ نفس, تحيا مع زوجها وولديْها في سعادة, نطقت بها تلك البسمة الرقيقة التي لا تُفارق ثغرها, فقالت له بذات الابتسامة” والله ما ذكرتك قط إلا بالخيْر, فما أحسبني وجدتُ منك فيما قضيْتُ معك من وقت إلا طيب عشرتك ورقة سجيحتك, ونسيتُ منك ما كنتُ بالأمس أراه جورًا وظُلمًا, وربما تلمَّستُ لك الأعذار وكأنَّ حُسنَ البداية كان عندي أطغى على سوء الخاتمة, أو قد حمَّلتُ نفسي شطرًا ممَّا أراك تُحمِّله نفسك الآن من أوزار, إذ ما كان عليَّ أن أكتم عنك سرًّا حقيقٌ بك أن تعرفه, والأحرى أن ألتمس أنا منك المغفرة أكثر مما عليك أن تطلبها منِّي”
عاد وقد تسرَّب إلى صدره دفء الراحة, فسكنت جوانحه وهدأت نفسُه, كان أكبر ما يؤدُّه, وأشد ما يخشاه أن يرى ابنته في فتق طفولتها تتألَّم من مرض أو تئنُّ من علَّة, وما هو إلّا أن رثى له القدر ورفقَ بحاله, وكأنَّما أبى عليه أن يشقى بها وأكبرَ أن يُشقيها بدائها العياءِ ما عاشت, فلم تكد ابنته تُتم من عمرها عامها الأوَّل حتى قضت في نوبةٍ من نوبات المرض, فسكب من دموع الوجد عليها ما جادت به مدامعه, خرج من ربقته وبين أضالعه من الحسرة ما الله به عليم, ولكنَّ شعوره بأن الموت كان أرفق بها وأكثر رحمةً من الحياة في أسر المرض, نزع عنه وجده واستلَّ منه حسرته, أو على الأرجح خفَّف من وطأتهما, وظلَّ يُردِّدُ فيما تلا من أيام حياته إذا ما غدا مُصبحًا وإذا راح مُمسيًا” رسالةٌ من السماء, فهمتُ مغزاها….”

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى