المصدر والصور / بوابة الأهرام
خرج “محسن”، من منزله صباحا سعيا للحصول على العرض المغري الذي تلقاه من شخصين، لعله يكون فاتحة خير، وينقذ أبناءه الـ5 من ضيق ذات اليد، ويلبي نفقاتهم، بعدما أنهكته ظروف الأسرة الصعبة، ومرض زوجته ومشقة نفقة علاجها.
عاش “محسن”، صاحب الـ50 عاما، داخل إحدى شوارع منطقة المعصرة، يخرج كل صباح لعمله الشاق كنجار مسلح، يتقاضى منه بضع جنيهات بالكاد تكفي للإنفاق على أبنائه الـ5، وخاصة نجله الأكبر طالب الهندسة، لكن لم تتوقف معاناة الرجل على الإنفاق على أبنائه فقط، فزوجته مرضت بشدة وأقعدها مرضها في الفراش، عاجزة عن الحركة.
كل شيء تغير، بعد أن حصل محسن، على عرض مغرٍ، من شخصين مجهولين، ظن الرجل أن ذلك العرض سينقذ أسرته، لكنه كتب نهاية رحلة حياته بطريقة بشعة.
في منتصف مارس وفي الصباح الباكر، طرق شخصان باب منزل محسن، وعرضا عليه العمل معهما مقابل 500 جنيه للساعة الواحدة، فلم يفكر كثيرا نظرا لظروف أسرته الصعبة، وتركهم ودخل يرتدى ملابس العمل للذهاب معهما، لتسأله زوجته عن سر عجلته، ليخبرها عن العرض الذي حصل عليه لتوه، واستفسرت عن طبيعة هذا العمل، ليرد المجني عليها قائلا: “عايزنى أعملهم سقالة في مسقط بيتهم”، فرح الزوجان بهذا العمل وودعها دون أن يتناول وجبة الإفطار، وذهب معهما لمنزل قريب من مسكنه بمنطقة المعصرة، وفقا أحدى أقارب المجني عليه.
اختفاء جثة مقاول من المعصرة داخل حفرة الآثار
وأضاف أحد أقارب المجني عليه، لـ”بوابة الأهرام”، إن “المجني عليه ذهب إلي العمل وبعد ساعات قليلة، اكتشف أن الغرض من “السقالة” هو التنقيب عن الآثار فظل في حيرة من أمره، يستكمل العمل مقابل الحصول علي الأموال وهو في أشد الاحتياج إليها لإنقاذ أسرته، ويصبح شريك المتهمين في جريمتهم أو يغادر دون رجعة، فكر “محسن” في أسرته البسيطة واختار النجاة من تلك الجريمة، وقرر الاعتذار عن العمل لكن بعد حصوله علي مقابل عمله ذلك اليوم”.
اختفاء جثة مقاول من المعصرة داخل حفرة الآثار
وفي آخر اليوم تقاضى “محسن” أتعابه في “كيس بلاستيكى”، وطلب منه الشخصان العودة باكرا لاستكمال أعمال الحفر، لكنهما فوجئا برفضه، لكن ردهما كان صادما بحق، فقد أخبراها إما أن “يعود للعمل أو يموت في الحال”.
استهان محسن، بالتهديد الذي تلقاه وظن أنهما فقط يحاولان إجباره علي العمل، لكن خاب ظنه، إذ فوجئ بهما يلقيانه في حفرة الآثار التي يصل عمقها لـ14 مترا، ليفارق الحياة في الحال، وبعدها ألقيا فوقه كمية كبيرة الحجارة حتى يصعب إيجاد جثته، واتفق المتهمان فيما بينهما علي استقدام عامل آخر ليستكمل أعمال الحفر.
اختفاء جثة مقاول من المعصرة داخل حفرة الآثار
وطال انتظار الزوجة وأبنائها لوالده، الذي تأخر لنصف الليل علي غير المعتاد، مما أثار القلق لديهم وكان المجني عليه قد ترك ورقة مدون بها رقم صاحب العمل للاتصال به في حالة تأخره، فاتصل الابن الأكبر فرد شخص مجهول وأخبره بأنه من محافظة الإسكندرية، ولا يعلم شيئا عن والده.
وبلغ قلق الأسرة ذروته على الأب، فخرج الابن للبحث عن والده وتتبع طريقه فأخبره أحد الأهالي بأنه شاهد والده يسير مع شخصين ودخل منزلا في نهاية الشارع، ذهب إليه مسرعا فوجد المنزل مغلقا، ظل الابن يطرق الباب لكن دون جدوى حتى قام بصحبة أقاربه بكسر الباب والدخول إلي المنزل ليتفأجا بحفرة عميقة وملابس والده وبعض متعلقاته.
اختفاء جثة مقاول من المعصرة داخل حفرة الآثار
وقرر الابن النزول إلى الحفرة للبحث عن والده، ليفاجئ عند وصوله لمنتصفها بقدم الأب تظهر أمامه مدفونة تحت الأنقاض، حينها وصل رجال الشرطة وأخرجوا نجل المجني عليه، خوفا من انهيار الحفرة عليه، وتوعدوا بإخراج الجثة عن طريق رجال الحماية المدنية.
وقالت حماة المجني عليه، لـ”بوابة الأهرام”، إنه في اليوم التالي استخرجت قوات الحماية الجثة، وألقوا القبض على المتهمين.
اختفاء جثة مقاول من المعصرة داخل حفرة الآثار
سادت حالة من الحزن على فراق المجني عليه لأسرته وأهالي المنطقة التي يقطن بها، الجميع يحكي عن سيرة الحسنة ويتساءل عن حال أسرته بعد مقتله، فهو مصدر الرزق للأسرة بعد مرض الزوجة.
كان قسم شرطة المعصرة، تلقى بلاغا بقيام مجموعة من الأشخاص بالتنقيب عن آثار داخل أحد المنازل بالقرب من نهر النيل، بالانتقال وبالفحص تبين وجود حفرة تبلغ 14 مترا، بداخل منزل بشارع فايد الشيخ بالمعصرة البلد وأدوات للتنقيب عبارة عن “فأس وكوريك وحبال ومعدة لشفط المياه”.
وأوضحت التحريات، أن وراء عملية التنقيب محمود عبد المنعم “40 عاما”، طارق مصطفى “35 عاما”، مقاولان ومحل إقامتهما طره البلد، وبإعداد الأكمنة ومراقبة خط سيرهما تم ضبطهما وبمناقشتهما أقرا بارتكابهما الوقعة واعترفا بسقوط أحد العاملين “محسن. ف” 50 عاما، نجار مسلح أثناء بناء “السقالة”.