الاسم : محمود فايز أنور الكومي
التليفون / واتس : 01019212143
اسم الرواية : الغريب
الدوله جمهورية مصر العربيه
الايميل [email protected]
الحساب الشخصى
https://www.facebook.com/mahmoud.f.alkomy
أبدأ روايتي من اليوم الذي كنت أجلس فيه بغرفتي بالطابق العلوي لمنزلي المسمى بمنزل الشياطين كما أسماه أهل تلك القرية البعيدة والذي يخاف سكانها من ذكره لما رأوه على أيدي قاطنيه السابقين. كنت لا أعلم السر في وجودي في هكذا مكان يطل على وادي الموتى.
فكنت أسأل نفسي دائمًا سؤالاً أكرره ليلاً ونهارًا:
-هل هي شجاعة مني أن أعيش بمنزلي هذا أم هو جنون ككل آراء أهل القرية بي؟
فأهل القرية يتجنبونني ولا يحادثونني, اقترنت رؤياي بكابوسهم المنقضي.
أم أسأل نفسي هذا السؤال وأترك الأول:
-هل أنا أحد هؤلاء الوحوش أم أكون أحد أسلافهم؟ وإن كنت أحدهم فأين الباقون ولماذا توقفت عن اختطاف الناس؟ ماذا حدث؟ وإن كنت أحد أسلافهم فلماذا أنا بشر ولست مثلهم؟ هل كانوا بشرًا؟ أم غير ذلك؟ وأين ذهبوا؟
لست أدري ولست أتذكر، قد أكون أحدهم لأني لا أذكر شيئًا عن ماض قد انقضى.
قد أكون أي شخص أتخيله صالحًا كان أم طالحًا ولكن كيف أكون صالحًا وتراودني تلك الكوابيس المفزعة التي أستيقظ منها كل ليلة مفزوعًا, مبللاً بالماء من كثرة عرقي, لا أكاد أسلم جفني إلى النوم حتى تهجم عليّ بكل قسوة وبكل ضراوة دون وجود دفاعات مني تصدها أو تقلل تأثيرها فتحيل نومي إلى صراع محسوم, كنت أراني أسير وسط طريق وعلى جانبيه أناس كثيرون صارخون متألمون, تتفجر الدماء من أجسادهم وتتطاير أمام عيني رؤوسهم, ورؤوسهم أرضًا أمامي تصرخ كأنما لم تهجرها روحها, تسألني لماذا قتلتني، وبآخر الطريق أجد شخصًا يحمل ملامحي ممسكًا بسيف يهوى به على الرقاب ثم يلتفت إليّ مبتسمًا.
حياتي سوداء إلا من نقطة مضيئة تضيئها, إنها حبيبتي التي لم أكن أحسها قطعة مني ولكني كنت أحسها كل قطعة مني, وبرغم أني أجلس أمامها لساعات أحدثها فلا تحدثني، ألمسها ولا تلمسني، أقبلها ولا تقلبني، ولولا علمي أنها تحبني مثلما أحبها لكنت أحرقتها محتفظا بترابها حول عنقي حتى لا يفارقني عطرها أو يغيب عن ناظري وجهها.
فلكم أود أن يكون لها لسان تحدثني به أو ذراعان تحوطني بهما فأحس بدفء صدرها وألمس حنان قلبها, لا أريد أكثر من أن تسمع أذناي حديثها وتلمس يداي مثيلاتها ولكنه مستحيل فهي ما تزال تلك الصورة التي رسمتها من مخيلتي عن حبيبتي والتي أمني نفسي بأن تكون حقيقة وتوهب الحياة لتشاركني حبها.
لقد سلبتني قلبي وأسرت روحي وتملكت من عقلي فصرت أتنفس هواها, كل شيء بي يصرخ بحبها ولهذا كنت أسأل نفسي سؤالًا دون إجابة تنقذني من حيرتي كنت أقول:
-هل هي حقيقة ورسمتها من ذكريات في حياتي السابقة أم مجرد سراب من إبداع خيالي؟
كانت هذه هي اللبنات التي بنيت عليها رحلتي في البحث عن حبيبتي.
أخذت حقيبتي وبها قنينة من الماء وبعض الطعام، أخذت سيفي وحبيبتي فوضعتها أسفل ملابسي ملاصقة لصدري حتى أحس دفئها ولا يفارقني همسها, وضعت سيفي بغمده في حزام لففته حول خصري، تلمست قدماي أولى خطواتها على طريق الموتى, أحسست ببعض الاختراقات من جيوش الخوف لدفاعات قلبي, خوفي من الجهة الأخرى لطريق الموتى, أرض الوحوش والشياطين, أرض الكهنة والسحرة ولكن ليقيني بأن من يحب لا يخاف فقد أعماني حبي عن رؤية تلك المخاطر المقبلة فألقى على قلبي دفاعات حطمت على بابه جيوش خوفي فأصبحت لا أهاب مخلوقًا.
طريق الموتى طريق مستقيم وسط أشباه أشجار, أشجار سوداء دون أوراق مجرد أغصان, أشجار ضخمة كئيبة مخيفة, يغطي الضباب أسفلها ولذلك لابد لي من الحذر منه فهو غادر بوحوشه, مكير بمكائده, شرير بظلمته, متقلب كأمواج البحر.
ولذلك لم تبارح يدي مقبض سيفي الذي لا أعلم من أين حصلت عليه، فهو غريب مثلي كأنه ليس من عالمنا وكأن من صنعه ليس بشريًا، فقبضته مصنوعة من حجر كريم أبيض اللون ونصله براق, قاطع, يقطع كل شيء وأي شيء مهما كانت قسوته، فالسيف أحجيتي بعد نفسي, عند الخطر تضيء قبضته بلون أحمر وهناك رسم لجمجمة بشرية محفورة على نصله وبضع كلمات أخرى لا أفهم معناها ولا أعرف موطنها.
قابلت بوادي الموتى مالكه كما أخبرني, لم يرد أن يدعني أعبر إلا أنه وجد مني إصرارًا وشجاعة كبيرة فسمح لي بالعبور مع هدية وتحذير.
تجسد إلي تحذيره في وحش أتى بعده, كاد يقضي عليّ حتى ساعدتني هديته ففزت في معركة خاسرة, فزت فيها بقطعة أخرى أضيفت إلى أحجيتي.
سرت كثيرًا حتى بدأت أولى طلائع الظلام هجومها فسمعت صرخات مخنوقة، فأدرت رأسي تجاه الصوت فأبصرت من مسافة كبيرة فتاة تهرب ويهرول خلفها تسعة من الجنود, رأيتهم أمامي وليسوا على بعد أميال مني, لم أفكر في ذلك كما لم أفكر في سرعتي الكبيرة وأنا أرى الأشجار حولي أشكالاً تمر بي عندما وغزتني رجولتي فهرولت لإنقاذها, ظللت وظلت تهرول حتى وصلتها فاحتمت برجولتي طالبةً نجدتي, وصل الجنود فاختبأت خلف ظهري.
حاولوا أخذها عنوة ولكني تصديت لهم في صراع خرجت منه بخنجر يخترق يدي وهم لم يخرجوا.
أخذتني لقريتها لتطببني حيث استقبلني أهلها بحفاوة شاكرين صنيعي.
دعوني لحفلهم مساءً فهاجمهم الضباب فاخترقت أذناي الصرخات والاستغاثات ولكنها توقفت عندما أضاء سيفي بضوء أبيض شديد أظهر إليهم مهاجميهم الشياطين فهربوا طالبين النجاة لحياتهم.
في اليوم التالي قابلت شخصًا وددت لو أني لم أقابله يومًا، لأنه أضاف قطعًا كثيرة إلى أحجيتي مطالبًا إياي بأن أعش حاضري وألا أبحث عن ماض قد انقضى.
استدعاني شيخهم وطلب مني الرحيل لظن أهل القرية بأن هناك صلة بيني وبين الشياطين مهاجمينهم.
وافقت رغمًا عني فذهبت وودعتني دموع من أنقذتها.
ولأني لم أرد أن يهاجمهم الشياطين مرة أخرى فعقدت اتفاقًا مع أميرهم بأن أعطيه غنيمة غنمتها من وحشي الثاني ولم يبقَ سوى مهاجمي الفتاة.
ظللت أسير على غير هدى, أسير بخطوات متثاقلة وأتوقف لأفكر في الأمر, أسير وأشاهد الجمال الأخضر من حولي وأسفل قدمي وأقف أتفكر في الجمال الذي تركته خلفي, تهجم على رأسي مشاهد لقتل وتعذيب أهل القرية وإحراق منازلهم فيثقل همي, توقفت قدماي عن المسير بعد أن غفل عنهما عقلي, استدرت إلى الناحية الأخرى وعدت أدراجي إلى القرية فهناك أمر أتأكد منه فأعاود رحلتي بعده.
ظللت أسير حتى أصبحت القرية على مرمى بصري, لم أرد أحدًا أن يراني، ولذلك صعدت إحدى التلال المجاورة فأشاهدهم من حيث لا يعلمون فإن احتاجوا إلي وجدوني.
كانت الدنيا على شفى لحظات من ظلام جاء هاجمًا ومستعمرًا فظهرت النجوم بضوء ضعيف لم يخترق دفاعات الظلام المحكمة, ظللت طوال الليل لا يهزمني نوم فلم أرد أن يهجموا عليهم وأنا نائم فيلومني قلبي, لم أشعل نارًا حتى لا يراها أحدهم فيأتي ليرى موقدها, وبرغم أنها ليلتي الأولى التي أخرج بها ليلاً منذ أن عرفت شخصيتي الحالية إلا أني أحسست بأن الليل صديقي, كأنما كان بيننا عشق فيما مضى, في أول الليل كان كل شيء طبيعيًا.
عندما انتصف الليل أصبح كل شيء بي غريبًا, بدأت أرى في الظلام كأنما قد أشرقت الشمس ليلاً فكنت أرى الحشرات أسفل التلة والحيوانات وسط الأشجار البعيدة بل لقد رأيت أبعد من ذلك فلقد رأيت أناسًا كثيرين بعيدين عني, كما أني رأيت خيولهم, فقلت في نفسي:
-لابد وأنهم جنود الملك، سأذهب إليهم.
لم أركز في غرائب جسدي لأنى قد ألفت الغرائب وألفتني، فكلمات العرافة بأني لا أعلم شيئًا عن جسدي قد جعلتني أنتظر المزيد. قفزت عن التلة أرضًا فلم أصب بأذى, سرت خطوات قليلة أتحسس بها قدمي لعلي لم أشعر بالألم حين قفزت وسأشعر به الآن ولكني لم أشعر بشيء.
نظرت عاليًا وصرخت:
-من أنـــــــــــا ؟ من أنــــــــا؟
قلت لنفسي:
-إني لست إنسانًا فالإنسان لا يفعل هذا.
أقفز من فوق تلة فلا يحدث لي شيئًا, أقفز من الأرض فأعلو أكثر من الأمتار الأربعة, كذلك سرعتي بالسيف, سرعة لا قبل لإنسان بها، كذلك رؤيتي ليلاً وهي للحيوانات فقط فمن أكون؟ من أكون؟ هل أنا حيوان أم إنسان؟
صمتت قليلاً حتى هدأت روعتي فمضيت إلى أولئك الناس, وصلت مكانهم فاختبأت خلف الأشجار أسترق السمع, كانوا يجلسون في مجموعات كبيرة, يضحكون ويأكلون اللحم ويشربون الخمر, كل شيء لا ينبئ بسوء ولكن كلمات التقطتها أذناي حول القرية انطلقت من أفواه شخصين بتلك الخيمة أمامي تبينتهما من الظلال التي ألقتها النار المشتعلة داخلها على قماشها, تسللت إلى هناك حتى وصلتها, الصقت أذني بقماشها فسمعت أحدهم يقول:
-غدًا صباحًا تتحرك القوات تجاه القرية.
فرد الآخر:
-كما تأمر يا سيدي.
فرد الآخر سائلاً:
-وأهل القرية يا سيدي؟
قال الأول:
-أبيدوها واقتلوا كل ما وجدتم ولكن اتركوا الفتاة فهي ملك مولاي.
ملأ الغضب كياني وانفجر بركانه بداخلي، فتطاير على ما حولي، فوجدتني أتحول, كسا الحديد جسدي وبرزت المخالب من يدي, لم أدرِ ما هو شكلي ولكني رأيته في أعين الرجلين حينما كنت ممسكًا برأسيهما وأهشمهما بأصبعي, ألقيت الجثتين بعيدًا عني وأطلقت صيحةً أطارت الخيمة التي أنا بداخلها فبرزت وحدي؛ عملاقًا والناس أمامي أقزامًا, تنبهوا إلي فألقوا طعامهم وشرابهم وتبدلت ضحكاتهم صرخات تشق الظلام, أشهروا أسلحتهم في وجهي بأوصال مرتعدة وأجساد مرتجفة, هجموا عليّ وألقوني برماحهم وسهامهم ولكنها تحطمت عندما لامستني, بدأت هجومي سريعًا فبدأت الأشلاء تتطاير إلى أن كف الصراخ, نظرت حولي فلم أجد إلا شخصًا واحدًا ينظر إليّ بعيون زائغة, بعيون تنظر إلى رسول موتها, خمد بركان غضبي فعدت إلى طبيعتي, تقدمت تجاهه, وهو يضع يده ليحمي بها وجهه ويصرخ قائلاً:
-أرجوك لا تقتلني, أرجوك.
قلت له:
-اذهب إلى ملكك وقل له أن يدع القرية وشأنها وإلا سيلقي نفس مصيرها.
هرول الرجل من أمامي وهو في هرولته يسقط أرضًا فينهض فسيقط ثانيةً فينهض فيهرول حتى اختفى بين الأشجار.
قلت لنفسي:
-إني فعلاً لست إنسانًا ولكني تأكدت من الأمر الذي أردت معرفته والآن يمكنني معاودة رحلتي.
وصلت إحدى المدن بطريقي فوجدت الناس يهرولون, ويغلقون الدكاكين من حولي, يغلقون نوافذ البيوت والكل يهرول إلى داخل منزله ويغلق بابه خلفه ولم يبقَ سواي, لم أدرِ ما الأمر ولكني عرفته عندما رأيت موكبًا قادمًا وأحد الجنود يندفع ناحيتي ويأمرني في حدة:
-اجلس أرضًا واحنِ رأسك إن الأميرة تمر.
فقلت له في حدة فاقت حدته:
-لا تُحنى رأسي لمخلوق.
نظر إليّ في غضب فنظرت إليه، لكن نظري سلبته تلك الفتاة في الموكب وهي تنظر ناحيتي, تلاقت عينانا فرأيتها بقلبي قبل أن تراها عيني وقلت في نفسي:
-إنها هي, إنها هي, إنها حبيبتي.
عمت الفرحة بأرجائي فأشع حبها نورًا أعمى بصري عن رؤية سواها.
مر الموكب ومضى فعاد الناس إلى حياتهم مرة أخرى ولكني لم أتحرك, عيناي مثبتتان على الموكب حتى اختفى عن ناظري, بدأ الناس ينظرون إليّ, دهشتهم وقفتي, تنبهت لهم فسرت قليلاً حتى استوقفت أحدهم وقلت له:
-موكب من هذا؟
قال:
-إنها ابنة الملك شنيار.
فعاجلته متسائلاً:
-وأين هو قصره؟
قال وهو يشير على الطريق أمامي:
-بآخر هذا الطريق.
ثم تركني وانصرف.
امتطيت جوادي وانطلقت به إلى قصر الملك وسكنت تلة قريبة منه حتى حل الظلام فحان موعد الذهاب.
اخترقت أسواره, رأيتها من بعيد تقف بشرفة غرفتها, ظللت أقترب منها حتى وقفت أسفلها, تطلعت عيناي وثبتت على وجهها فاختلط علي الأمر فسألت نفسي:
-هل ضوء القمر ينعكس على وجهها أم أن ضوء القمر مستمد من وجهها؟
لم أرد إجابة ولم تكن تعنيني، فيكفيني أنها هي حبيبتي.
أريد أن أكلمها, لا بل ألمسها, لا بل أقبلها, لا بل أحتضنها لأحس بدفء صدرها حتى يهدأ قلبي الذي كاد أن يخرج ويذهب لها, لكن الحراس لم يدعوني وأحلامي فوجدتهم يندفعون تجاهي وهم يقولون:
-أنت هناك.
أحاطوني بالسيوف والرماح, نظرت لأعلى فوجدتها تنظر لأسفل, تلاقت عينانا ثانيةً, نظرت إلى الجنود حولي ولم أقاوم رغبتهم في اقتيادي إلى ملكهم.
حيث سألني عن سبب اختراقي للقصر فأجبته بطلبي الزواج من ابنته, طلب استقبلته سخريته, لكنه طلب مني مهرًا ثمينًا عنده رخيصًا عندي لأفوز بحبيبتي.
لم أكن أعلم وقتها بأن هناك من يراني دون علمي ويعد العدة لذهابي له للحصول على مراده مني.