ط
مسابقة القصة

رواية : يوم كتابة قدري ( ملخص ) مسابقة الرواية بقلم / هالة جاد(أوراق التوت ) . مصر

   مسابقة همسة للشعر والأدب، فرع الأدب، الرواية، ملخص.

الاسم: هاله شعبان محمد جاد.

اسم الشهرة: هاله جاد، مصر.

اسم مستعار: أوراق التوت.

 

  • عنوان الرواية: يوم كتابة قدري.
  • تدور الرواية داخل ستة عشر فصلاً، يبدأ كل واحد منهم بخاطرة نثرية.

                ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~  

؛؛؛بدايةً؛ تحية تقديرٍ وإعزاز؛ لكل مريض قابض على الوجع بكبرياء، متماسكٌ أركان روحه بكرامة واحتواء، ثم قُبلة حانية على الجبين، وشدّة ثابتة على اليد، لكل لحظة وجع كان فيها ضعيفاً، لكل يوم صعيبٍ كان فيه وحيداً، ولتلك اللحظة الفاصلة في حياته التي علِمَ فيها أنه في مفترق طرق لا اختيار له فيه.

تحية إجلالٍ وإعجاب؛ لكل من أصابته صاعقة المرض الخبيث في صميم عقله وقلبه؛ فغيّرت خارطة حياته ومستقبله (٣٦٠) درجة، وقد اتخذ قراره الشجاع بأن يتجاوز المرض قبل أن يتجاوزه، وذلك بصبرٍ عظيم، وتماسكٍ لا حدود له؛؛؛

_ (يوم كتابة قدري) هي رواية مختلفة، رواية لن يفهم ما بين سطور فصولها غير من قبض على جمر المرض بصبر وكبرياء؛ فهي تأخذنا مع أبطالها في مواجهةٍ شرسة، جياشة العاطفة، وحادّة الاختيارات، مع مرض نادر يُدعَى متلازمة غيلان باريه، وفيه يهاجم الجهاز المناعي جزءً من الجهاز العصبي للمصاب، حيث يسيطر على الأعصاب المتحكّمة في حركة العضلات، والمسؤولة عن نقل الإحساس بالألم والحرارة واللمس، والذي يسبب ضعف العضلات تدريجياً، حتى يتوارى الشعور في القدمين والذراعين وعضلات الوجه، وعضلات الجسم الحيوية في الصدر والقلب.

_ من الصعب جداً التعايش مع الشعور بوخز الدبابيس في جسدك، أو الرعب من فقدان الحسّ، أو توجّس الخيفة من شبح الموت وأنت تراه يحوم فوق رأسك حتى تتوقف عضلة قلبك عن الخفقان.

وماذا عن موقف أولئك المحيطين بك؟، هل سيتغلّب عليهم الشعور بالشفقة أم التعاطف أم الجزع من أجلك؟، وماذا عن خططك التي وضعتها؟، والأحلام التي بذلت فيها كل وقتك وجهدك ومالك؟، وفوق كل هذا.. أنت!.. أنت.. كيف تتقبّل مصاباً كهذا المصاب؟، وماذا ستفعل، وكيف ستتصرف؟، والكثير الكثير من التساؤلات التي تموج داخل عقلك وقلبك ووجدانك كأمواج غاضبة، دون إجابة أو تفسير..

نعم؛ هذا بالضبط ما حدث مع أبطالنا، هو ذلك الوجع الفاخر، ذلك الصمت الشامخ الذي ابتدأت معه كتابة أقدارهم من جديد؛ في أشد الظروف قساوة، وفي أصعب أيام حياتهم قاطبةً..

تدور الأحداث ما بين مقاطعة ويلز الإنجليزية والمدينة الباڤارية (ميونخ) العريقة في ألمانيا.

؛؛؛أَيُّهَا اَلْخَوْفُ اَلْغَافِي فِي سُكُونِ..

أَيُّهَا اَلْحَنِينُ اَلْخَافِي فِي شُجُونِ..

اِبْقَ حَيْثُ أَنْتَ بَيْنُ اَلْحَدَقَاتِ وَالْجُفُونِ..

وَأَنْتَ يَاوجَعِي! اَلسَّاكِنَ بَيْنَ تَلَافِيفِ اَلْفُؤَادِ وَخَبَايَا اَلرُّوحِ..

اُثْبُتْ، اُصْمُدْ، فَلِلْحَيَاةِ وُجْهَة نَظَرٍ أُخْرَى، وَلَنَا رَبٌّ قَدِيرٌ حِكْمَتَهُ خَافِيَةً عَنْ اَلظُّنُونِ..

                                    ~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

                                          (رواية يوم كتابة قدري في سطور)

هناك في مقاطعة ويلز الصناعية النابضة بالحياة، عاشت سوليا آرثر سميث كابنة وحيدة، في عائلةٍ عاملة؛ فلقد كان والدها السيد آرثر سميث ذو الخمسون عاماً، المهندس الأول في أحد المصانع الخاصة بتصنيع معدات الشحن والتفريغ، بينما عمِلَت السيدة شارلوت سميث أمينة في المكتبة العامة بالقرب من الجامعة.

ولقد تعلّمت من والدَيْها منذ نعومة أظفارها أن العمل الدؤوب وحده هو السبيل الوحيد لإنزال الطموح منزلته، مهما كان السبيل إليه شاقّاً. كانت نجمة أحلامها تلمع باسم سوليا سميث، مصممة الأزياء الأصغر سنّاً والأروع في جيلها، ويدفع كل ذلك طاقة متجددة من الشغف بالأقمشة والألوان، ووضع خطوط الباترونات، والخربشة بالرسومات المبتكرة، وذاكرة لا تنضب من أسماء وأنواع واستخدامات الأقمشة والمنسوجات، وما زالت تبذل كل ما تملك من الوقت والجهد والعقل والقلب في ذلك..

كما حرصت على تدعيم ذلك الشغف بالدراسة الأكاديمية في جامعة متخصصة، حين أكملت دراسة التصميم وتنفيذ الأزياء في جامعة ويلز ترينيتي سانت ديفيد، لمدة خمس سنوات، قضتها في الفهم المتقدم لصناعة الأزياء العالمية، والتصميم والانتاج والتسويق على اختلافه؛ مع امتياز الدورات التدريبية المتخصصة، وتنويع مواضيع العمل، إلى جانب الزيارات المنتظمة للمصانع المختَصّة المعروفة في ذلك.

كان معها في ذلك شريكها وصديق العائلة جيرالد جيفرسون؛ ابن أحد رجال الأعمال الذين لم يتحمّلوا ضربة الإفلاس القاصمة والتي ألّمَت به في إحدى الصفقات الخاسرة والرهانات الميتة، الأمر الذي جعله يستسلم للانتحار ويترك ابنه الوحيد وزوجته بين فكيّ حجر شماتة المجتمع ومطالبات البنوك، وفي تلك الفترة الشائكة من حياته كانت سوليا كفّاً أبيضاً يفتح أمامه باباً مختلفاً للبدء من جديد، بينما كان آرون ظهراً صلباً يستند إليه.

وبحكم دراسته إدارة الأعمال والتمويل؛ تولّى عنها كل ما يدور حول الدعاية والتسويق، والأعمال المكتبية والقانونية، ووضع استراتيجيات العمل والخطط الحالية والمستقبلية، ومساعدتها في التعاقد المريح لإتمام عملها، مع السيطرة على أي طارئ وحلّه في بدايته، فكان خير الشريك والصديق، وقد تعلّم الكثير من التفاني والإخلاص في كل ما يفعله خلال الفترة القصيرة التي دخل فيها حياتها ومنزل والديها لأول مرة، الأمر الذي كان يحفر عميقاً في داخله احتراماً وتقديراً.

ونأتي هنا على ذكر الرجل الثاني؛ بل الأول في قلب سوليا، وهو آرون جيفري براون، والذي انتقل مع عائلته إلى سوانزاي، ليكون قريباً من الجامعة التي كان يخطط لاستحقاق منحتها الدراسية للطلاب المتفوقين، في هندسة الأجهزة الطبية والتكاملية، والتي ستكون في ألمانيا.

كان آرون الابن الأكبر للسيد جيفري براون، الذي ترأّس قسم العلاقات العامة في المصنع الذي انتقل للعمل فيه، في حين كانت والدته السيدة صوفيّا براون متفرّغة لبيتها وعائلتها، وبعد ذلك ساهمت بسلوكها المهذب وأخلاقيّاتها العالية في تقديم بعض المشورات الزوجية والحياتية لسيدات الحي والزوجات الجديدات، وذلك في جلسات ودّية في مخبزها الدافئ (زعفران وفانيليا)، وهناك أخته الصغرى تالينا، التي كانت في عُمْر سوليا، غير أنها سلكت مسلكاً آخر في دراستها الجامعية.

هذا الرجل؛ الصديق.. الحبيب.. والزوج المنتظر، الرجل الوحيد الذي منحته قلبها باقتناع كامل بكل جوارحها وخلجاتها، والذي بادلها نفس المشاعر بمجرد رؤيتها لأول مرّة عند انتقاله وأسرته للسكن في جوارهم، الأمر الذي جعله يغدق عليها من حمايته واهتمامه واحتوائه الكثير والكثير، فكان الهمس بينهم أسمعَ من أعلى الكلمات!، والحب فيما حولهم ينضح من كل الخلجات!.

وقد عمِلَ مع جيرالد في الإعداد والتحضير لعرض الأزياء الأول لتصاميم سوليا، والذي كان بعنوان (ليالي الشغف)، وقد بثَّته كل محبتها وتفانيها وشغفها الحقيقي، فكانت أروع مجموعة مختارة من بدلات العمل والمناسبات والسهرات المختلفة، ولم يغفلوا أي خطوة دون إعداد وتخطيط؛ من حجز القاعة، وطباعة الدعوات وإرسالها، إلى الإضاءة والضيافة والتقديمات، كيّ تكون هذه الليلة _أسعد وأروع يوم عاشته أبداً_، والتي ستكلّلّها بنجاحها ووضع بصمتها المميزة، دون شك!..

هل هناك أجمل من الاعتراف الصادق بالحب لمن تحب!؟، وهل عايشت يوماً شعوراً أروع من انفتاح بوابة الأحلام المسحورة دفعة واحدة أمام عينيك وبين يديك!؟، هل يُمكن أن يتحمّل قلب وعقل سوليا وآرون كل هذه المفاجآت دفعةً واحدة، وفي ليلة واحدة؟!.. كان الجواب أقسى من أيّ تعبير!.

كانت الليلة الموعودة، ليلة العرض الكبير والآمال العريضة، فكانت العائلتَيْن الصديقتَيْن في أبهى حُلّة وأرقى حضور، وكذلك سوليا وآرون وتالينا شقيقته وجيرالد، حيث سار العرض بسلاسةٍ وترتيبٍ، على نحوٍ لا يُصدَّق!..

نال العرض استحسان المدعوّين وإعجابهم ومنهم السيد ساندوبال، والذي كان لحضوره الأثر البالغ في ارتفاع سقف سعادتها وثقتها بنفسها وعملها، وفخرها بكل مَن ساعدها في جعل هذه الأمسية بهذه الروعة، وليزدادَ الأمر روعةً؛ حصل آرون على ما كان ينتظره من سنوات، وها هو العميد يكلمه شخصياً ويطلب منه تجهيز الأوراق اللازمة لاستكمال بنود المنحة الدراسية، على وجه السرعة، كما عرض عليها السيد ساندوفال فرصة أحلامها بالعمل معه في وكالته، والسفر معه إلى الولايات المتحدة، ويكأنّ أحلامهم باتت قاب قوسين من لمسها وضمّها!..

وفي نبضة قلب أخذت الأمور مساراً مختلفاً؛ استأذن آرون آسفاً لضرورة تحضير بعض الأوراق والوثائق الهامّة، بعد أن اطمأنّ على سوليا وعائلته وتابع مُجريات الأمور مع جيرالد، وأخذ من تبقّى من العاملين والموجودين ترتيب الثياب والأدوات مكانها، وتجهيز كل شيء لنقله إلى المشغل ليتم تخزينه وترتيبه فيما بعد، فلقد كانت سوليا حريصة على ترتيب كل شيء بنفسها، أو تحت إشرافها على الأقل..

أخذتها الرهبة من نفسها فجأة حينما هزّها دوار بغيض، جعلها ترتمي على أقرب مقعد تتنفس بتوتر وسرعة، وعرق بارد ينضح على جبينها، وتنميل غريب يدغدغ قدَمَيْها، وما لبث أن تصاعد عالياً إلى ساقَيْها؛ فخلعت حذاءها وأخذت تدلّك جسمها، وهي تقول في نفسها بأن هذا الكعب العالي هو سبب تعبها، وأن إرهاق وسهر الأسابيع الماضية قد طغى عليها دفعة واحدة..

ومع الأسف الشديد استمرّ الشعور بالتنميل ومعه توترت أكثر؛ فارتعشت أصابعها وهي تشعر بشيء آخر _أكثر ألَماً_ مثل وخز الإبر في باطن قدَمَيْها، ثم حدث ما جعلها تبيّض فزعاً عندما أخذت تضغط على ساقَيْها فلم تشعر بهما؛ فانهارت باكيةً، لا تعلم ماذا يحدث لها، ولا تفهم شيئاً، وبطرف عينيها لمحت تالينا فنادتها، تحاول ألا تُظهِر ألمها وجزَعَها، فأتَتْها باسمةً مشرقة الوجه تقول: “ماذا تريد نجمتنا ومصممتنا المبدعة؟”، وعند هذا الحد انكسر جدار تماسكها الواهن وأخذت تنتحب..

لم تجد تالينا نفسها غير أنها تحتضنها لصدرها، وتبكي لبكائها، فلا هي تعلم ما أصاب سوليا، ولا هي تسمع منها غير تنهُدات بكائها، ثم أخذت تنادي شارلوت بفزع وخوف حقيقي، وهنا اختلطت أصوات النداء بالبكاء؛ فانتبه الجميع، وأسرعت شارلوت تضمُّها بحنان وتمسح الدموع عن وجهها، ويديها تُمَسِّد كل ما تطاله من ابنتها بعطف، وبلهفة تسألها ما يُبكيها؟..

وكأن أيادي القدر كانت رحيمة بها؛ حين أسكن ضلوعها الرقيقة أحضان والدتها الحنونة وقد اطمأنّ جزعها وقلَّ توترها، فأغمضت عينيها تماماً وأخذت تتنفس بعمق مرةً بعد مرة، حتى شعرت باتزان دماغها، وانقشاع غيمة الأوجاع الغريبة تلك عن جسمها تدريجياً؛ حتى ما عادت تشعر بشيء، غير وهنٍ اعتراها.

أحاط بهم والدها وجيرالد؛ وأخذ يشير للجميع بأن يهدؤوا وبأن كل شيء سيكون على ما يرام، وقد دبّ القلق في صدره، وعلى الفور اتصل بصديق له، والذي لم يكن غير الأستاذ الدكتور جيمس ماكفاير، أستاذ الأمراض العصبية في مستشفى جامعة سوانزاي، والذي طلب منهم سرعة التوَجّه إليه للقيام بفحص روتيني للاطمئنان فقط.

تسارعت عجلة الأحداث بشكل مدهش؛ وبعد ساعة من الكشف السريري والكثير من الحديث حول عاداتها الغذائية، وروتينها اليومي، وتاريخها المرضي، ووجدت نفسها تتذكر يوم أن حضرت مع جيرالد ندوة ثقافية خيرية عن تلوث البيئة، وقد كانت جميع المأكولات المُقَدَّمَة هناك فريدة من نوعها، فقد تم إعدادها بطريقة خاصّة حيث تحتفظ بأكبر قدر من القيمة الغذائية، وفي نفس الوقت تتعرّض لأقل درجة حرارة، وتستغرق أقلّ مدة زمنية، وهناك تناول جيرالد بعضاً من الخضار السوتيه، أما هي فقد تناولت مكعبات مشوية من الدجاج.

كان الدكتور ماكفاير ودوداً جداً ومهنياً مع عائلة سميث؛ حيث صارحهم بكل ما دار في عقله من اشتباه في عدوى نادرة، والتي تصيب الجسم بمرضٍ عصبيّ أعراضه تشبه كثيراً ما حدث مع سوليا، ولهذا فقد وصف لها مهدئاً ومسكناً للألم، وذلك على وعد باللقاء صباح اليوم التالي لعمل عدة تحاليل وأشعة ذات طابع خاص للتأكد من صحة تشخيصه أو لا..

1/ سحب كمية صغيرة من سائل القناة الشوكية في أسفل الظهر؛ لفحص التغيرات فيه.

٢/ تخطيط كهربية العضلات؛ لقياس النشاط العصبي في العضلات.

٣/ دراسات حول توصيل الأعصاب؛ لقياس سرعة الإشارات العصبية.

“السبب الدقيق وراء هذه الإصابة بالمتلازمة غير معروف تماماً؛ غير أن الإصابة بعدوى العُطَيْفَة هي السبب الأكثر شيوعاً، والعُطَيْفَة هي نوع من البكتيريا تتواجد في لحوم الطيور الداجنة الغير مطبوخة جيداً، ومن حسن الحظ أنني أُشرِف على رسالة ماجستير لأحد الأطباء الوافدين من مستشفى لودفيغ ماكسيمليان الجامعي في ميونخ بألمانيا، وهو مستشفى يهتم ببرامج علاج الأمراض العصبية، كما يبحث ويبتكر العلاجات الحديثة على أساس الأجسام المضادة، ويضم مراكز إعادة التأهيل المتخصصة والمعنية بمثل هذه الأمراض النادرة  المزمنة..

كانت هذه أول محادثة صريحة وواضحة عن الحالة، والتي استعرض فيها الأعراض من بدايتها، ثم تسلسل ظهورها، والتي زادت قلقهم وحزنهم، وكبُرت مخاوفهم عندما علموا التكلفة المرتفعة لكورس العلاج الدوائي والتأهيلي، وكيف سيكون المرض شرساً وحادّ الأعراض.

في بادئ الأمر تكون الأعراض عبارة عن ضعف وخدران في الساقين والذراعين والجزء العلوي من الجسم بشكل أساسي، ثم تنتشر بشكل سريع حتى يصاب الجسم بالشلل الكامل، وذلك في وقت قياسي جداً، ولذلك فإن هذا الاضطراب يعتبر من الحالات الطبية الطارئة والتي تستلزم المكوث في المستشفى لتلقي العلاج، تحت العناية المشددة.

جميع حالات الإصابة بالمتلازمة شُفِيَت تقريباً؛ وذلك في مدة تتراوح من ستة أشهر إلى سنة، وبعض الحالات استغرقت حتى ثلاث سنوات، وقد يرافق ذلك عدة مضاعفات بعد الشفاء؛ من الضعف وتنميل في الأطراف والوجه، إلى مشاكل في القلب واضطرابات ضغط الدم، مع الشعور بالألم والوهن الشديد، كما يعاني من عدم الاتزان في المشي، مع المحافظة على مواعيد الكشف والفحوصات الدورية خوفاً من أي انتكاسة غير متوقعة، أو جلطات دموية..”

خلال ثلاثة أيام تأكد تشخيص الدكتور ماكفاير، وأمرهم بضرورة الإسراع في البدء بكورس العلاج، لأن هذا المرض شرس الأعراض، وكلما أسرعنا في اتخاذ خطوات العلاج؛ عجّلنا في الشفاء، وقلَّلنا مدة المرض والآلام..

كان وقْع كل ذلك على سوليا أقوى من الصاعقة، فلم تكن تتصوّر في أكثر خيالاتها جنوناً أن شيئاً كهذا قد يصيبها، لم تكن لتتخيّل أبداً أن تلكمها الحياة في وجهها بهذه القوة، ولا أن تعتصر الأقدار قلبها بهذه القسوة، لم يكن حزنها على نفسها وانهيار آمالها أكثر من دمعات أحرقت مقلَتَيْها، وأمنيات ستغلفها بعطرها ثم تحفظها عميقاً بوجدانها، ولم تزل تقتات على حلاوتها حتى يُسكِتَ الموت قلبها عن الصخب..

بل كان الوجع الذي لا تستطيع تحمّله، ولا يمكنها التخلّي عنه، كان ذلك النشيج الدفين الذي لا تتمنى أن ينتهي أبداً.. أبداً، ولكنها لا تستطيع احتمال نظرات الفزع في عينيّ آرون، ولا أن تسمع كلمات الشفقة من شفتَيْه، ولن تكون أبداً حجز عثرة في طريق طموحه، ولن تغفر لنفسها إن اعتذر عن البعثة من أجلها، هذا مستحيل..

كان عليها أن تفعل ذلك؛ حتى لو اتخذت القرار الخاطئ..

لطالما كانت آراءهما متقاربة، وأفكارهما متكاملة؛ فكان التعامل بينهما مريحاً، والتفاهم دائماً ما يكون سيد الموقف، وإن حدث واختلفا؛ فكلّ منهما يقدم اقتراحاً وتنازلاً بكل أريحية، لم تكن سوليا يوماً فتاةً مدلّلة، كما لم يكن آرون شابّاً متهوّراً، وقد غادرا سنوات المراهقة الخرقاء بأفضل ذكريات، وكل واحد منهما لديه من أفكاره ومبادئه ومعتقداته التي يتمسك بها ويحافظ عليها..

كان المشغل الذي استأجرته والملحق المرافق له هو نقطة التقائهم جميعاً؛ هي وآرون.. جيرالد وإيميلي.. وتالينا كذلك، كثيراً ما قضوا لياليهم الطويلة أثناء الامتحانات النهائية، أو التحضير لمجموعة جديدة لسوليا وكانت تعلن عنها بين وزملاءهم في الجامعة بأسعار مميزة، وهناك أيضاً صارحها آرون بحبه لأول مرة، وعشقه العميق لها، وكيف شاركها حلمه العنيد، وكيف خطط لتحقيقه، ومتى سيتزوجان؟، وهناك أيضاً انتهى كل شيء بين ثلاثتهم بأسوأ طريقة، وبجرح غائرٍ لا شفاء منه في قلب كل منهم..

لم تجرّب سوليا شعور الخوف أبداً من قبل؛ الآن هي تفعل!، وكان ذلك قاسياً جداً؛ بل أشدّ!..

لطالما كافحت لتحصل على ما تريد، وها هي تنظر إلى سقف أحلامها فتراه فارغاً، بعد أن كادت تمسكه بين يديها، عندما تشعر بأنك قد سُرِقْتَ من دنياك التي تعيشها كما رسمتها خطوة.. خطوة، وبين ليلة وضحاها تجد نفسك في مكان آخر.. زمان آخر.. ووجوهٌ من حولك آخرين، يقولون لك بأن زمانك قد أوشك على الانتهاء، فماذا تختار؟ الانتحار باستسلام جبان، أم الموت على جهاز التنفس الصناعي وقد استنفذت قواك كاملة فوق جهاز حركيّ مؤلم؟..

وفي لحظة ضعف وجنون، اختارت الحب موتاً مع سابق الإصرار والترَصّد، واستجدت جيرالد ليساعدها على انتحارها الذي لا رجعة فيه، وكيف لا تفعل؟!.. وهي لن تثق بأي رجل آخر غيره بعد آرون، وهي تعلم يقيناً أنها تخسر حبيبها للأبد، وبأنها ستنتزع نفسها من قلبه بأقذر طريقة، وبأبشع نهاية يمكن أن تكون بينهما..

وعزاءها الوحيد لنفسها أنه مهما انتهى بها الحال؛ سواءً كانت جثة هامدة تحت التراب بخمسة أقدام، أو حبيسة كرسي متحرك عقيم، فسيكفيها أن تتأكد من ذهابه نحو حلمه الكبير وطموحه الذي لطالما سعى إليه بكل ما يملك، فنجاحه هو تأصيل نجاحها..

وهناك اكتمل تمثيل الدور السخيف عن علاقتها الآثمة مع جيرالد، وعندما رآهما آرون في تلك الهيئة ويكأنهما منعجنان بأجزاء بعضهما؛ فقطع الخطوات إليها وقد احترقت صورتهما في وجدانه وانطبعت بالدم على جدران عقله، فكانت جمراً يحرق جسمها بُغضاً، وسياطاً من نيران جحيمه تجلدها على كل مكان لمسته أصابعه وحشيةً وكُرهاً، وآتونَ غضبٍ وغيظٍ يستعر بين جدران صدره لم.. ولن يخمد أبداً، مهما طال به العمر، وخنجر مسموم يطعن عميقاً بداخله غدراً وخيانةً وخسةً، وبداخلها ندماً وحسرة واستسلاماً..

انتهى ذلك المشهد المريع بانهيار مُفجِع وغيبوبة استمرت لعدة أيام؛ كانت تصارع فيهم غباءها وتهوّرها وتسرّعها في فعل ما فعلت، قبل أن تصارع مصابها الكبير، كانت تحارب وهَنَا يستنزف كل قواها، وجزعاً يخنق كل ذكرياتها السعيدة، وأصواتاً مختلفة تتردد من حولها، تارةً تقترب وتاراتٍ أخرى تغرق في لُجّة ابتعاد الأصوات وسكوت الكلمات، غير أن بلَلَاً دافئاً كان يلمس أناملها الضعيفة باستمرار..

ولم يكن حال والدَيْها بأفضل منها؛ وكيف يفعلون؟، وهي ابنتهم الوحيدة، المتألقة، المتدفقة محبة وحيوية، والتي استمرت في عطائها حتى وهي في قلب محنتها، عندما وضعت نفسها وجسمها تحت تصرف الدكتور ماتياس آندريس وفريقه الطبي، والذي سيكون هو المسؤول عنها وعن حالتها، منذ دخولها المستشفى وحتى كتابة الكلمة الأخيرة في التقرير الطبي الذي سيقدّمه عن حالتها، وبهذا يتم إعفاء والدَيْها من المصروفات الطبية والإدارية، ويكفيها أنها ربما ستساعد مريضاً غيرها في تسريع الشفاء، وتقليل آلامه قدر المستطاع..

ملاكً مكسور الجناحين، مجروح الفؤاد، تبكي بلا دموع، وتتألم دون شكوى، كان جيرالد وحده من يشعر بحجم معاناتها، وهو الشاهد الوحيد والعارف بحقيقة كل شيء، ويوم وداع آرون الأخير قبل سفره النهائي، أقسم بينه وبين نفسه على تصحيح ذلك الخطأ مهما كلّفه الأمر، ليس من أجلها وحدها؛ وإنما من أجل صديقه الوحيد..

ثلاثون شهراً مضت؛ تنقّلَت خلالها سوليا ما بين المستشفى في لندن وبين مركز العلاج الطبيعي، وبين الاستوديو الذي استأجره جيرالد لها بعد أن استعادة قدرة أصابعها على الإمساك بالأقلام، فأصرّت على العمل وإن كان مجرد وضع الباترونات والخطوط العريضة، كما نقل لها كل ماكينات ومعدات العمل وبقية أغراضها وثيابها، وكانت والدتها تزورها كل شهر مدة أسبوع، حتى استقرت حياتها تقريباً على نظام ثابت، بين برنامجها العلاجي والغذائي والتأهيلي، والعمل في مشغلها الجديد..

نعيش من العمر سنواتٍ وسنوات، ولكننا لا ندرك حقيقة الأمور من حولنا غير أن تعتصرنا الأزمات بين دواليبها، وكذا الأشخاص؛ فالمشاعر لا تنْبُتُ هكذا وليدة اللحظة، ولا تتوطّد أواصر الصداقة والتعاون والعمل المشترك بين ليلة وضحاها، كما لن تُنْتَزَع روابط المحبة والأخوّة والتضحية والمثابرة والإصرار من أعماق الروح والجسد هكذا بكل بساطة!..

ثلاثون شهراً؛ كانت أكثر من كافية لتخطّي حافة جنون اليأس، وتجاوز عُنُق الزجاجة المكسور بأقل خسائر ممكنة، أسابيع عديدة شاقة ومتعِبة انقضت، اعتصرت الوهن بين أضراسها؛ حتى خلعته بكل قوة، وليالٍ وأيام مديدة لا تنتهي من التفكير مراراً وتكراراً في كل ما حدث، وما آلت إليه الأمور، وأخيراً بدأت الصورة تأخذ شكلها النهائي، بينما بقيت المشاعر كامنة في خاناتها، والذكريات ساكنة في أركانها..

وفكرة واحدة تعود لتؤرق مضجعها يوماً بعد يوم، ما الذي كان سيحدث إن أخبرت آرون عن حقيقة الأمر من البداية؟، وكيف سيكون حالهما الآن؟، وكيف هي مشاعره تجاهها؟، وسرعان ما كانت تغلق على أفكارها تلك فتعود لواقعها، خانقةً دموع الحنين والشوق إلى بقيّة روحها الضائعة، كاظمةً أنين الندم، وهي تتمنى أن تلتقي آرون وتتحدث إليه، ولو لمرة واحدة..

في تلك الفترة القصيرة من عمر الزمن تغيّرت أشياء كثيرة جداً؛ ولكنها للأفضل والشكر لله، وفيه وصلت سوليا لأعلى نسبة شفاء من المتلازمة وذلك بنسبة ٨٥٪، حيث خضعت لبرنامج مكثف ومتكامل من العلاج الطبيعي والتأهيلي، المتزامن مع العلاج المناعي، الذي عمل على الحدّ من الألم مع السيطرة على الاضطرابات اللا إرادية، مع تحسين وظائف الجهاز العصبي والعضلي تدريجياً، وهذا تركها تمشي بكاز طبي..

كان الدكتور ماتياس آندريس والدكتورة ميشيل مارتيل من أفضل من تعاملت معهم في تلك الفترة، فليس هناك أفضل من طبيب يستمع باهتمام، ويشعر بألمك ومقدار وجعك ثم يضع لك خطة عمل لمحاربة ذلك، ويدعمك لتنفيذها، فكانوا أروع أشخاص اضطرتها الظروف لمقابلتهم، وألطف أصدقاء حصلت عليهم، فدائماً ما جعلها تشعر أن صحة الإنسان أكثر أهمية من أي شهادة أو تقدير، رغم أهمية ذلك بالنسبة له..

تناثرت أخبار متباعدة عن آرون وتفوقه في دراسته، وانطلاق شركة ساروبرت الانجليزية الألمانية لصناعة الأجهزة التعويضية ومساعِدات الحركة، مثل حالات الشلل والإعاقة الكلية أو الجزئية، كما تُعنَى بصناعة الأطراف الصناعية، والأجهزة الرياضية النوعية المتخصصة..

قبلت العمل لوكالة السيد ساندوبال، حيث عمل جيرالد على إرسال خط الانتاج الذي تم عرضه في ذاك اليوم، مع الاتفاق على المزيد، وأمام ناظرَيْها كان منزل السيد براون، والذين غادروا المنطقة بعد ما حدث بفترة وجيزة، فأقسمت أن تشتريه وإن عملت دون أجرٍ بقية عمرها.

ذلك الوقت مضى بكل ما فيه وانتهى، وكأن ذاك العجز والضعف والألم الذي اشتكوا منه جميعهم، كان وقود النجاح الذي نصبوا إليه هاماتهم، ووجّهوا نحوه كل إصرارهم وجذوة عملهم واستمرار همّتهم التي لم تخبو، وبأقسى طريقة أيقنوا أن الحياة لا تقبل الضعفاء؛ وتسحقهم دون رحمة..

جاءت دعوة الدكتور ماتياس لعائلة سميث وجيرالد وزوجته لحضور حفل زفافه ومناقشة الرسالة في وقتها المناسب تماماً؛ لالتقاط الأنفاس والتريّث وموازنة الأمور، وهناك سيكون اللقاء بين جيرالد وآرون حتميّاً، وبين سوليا وآرون قدراً محتوماً، خاصّة وأن شركته ذائعة الصيت والوصول إليها أيسر ما يكون، وكل واحد منهم يخفي بين ضلوعه مِرْجَلَه الخاص الذي يغلي بما يخفيه، فقد آن آوان فتح الجرح القديم، وتطهيره، ومداواته بطريقة صحيحة، مهما كانت العواقب.

كان اللقاء بين آرون وجيرالد مدوِيّاً بكل معنى الكلمة؛ وفي همستَيْن متزامنتَيْن من كل منهما: “جيرالد”..” آرون”..

كست ملامحهما كل التعابير المتفاوتة، واستحضر الصمت المشحون بالغضب والحنق كل المعاني المتناقضة والمترادفة؛ المفاجأة والرفض، الفرح والغضب، الحدّة واللين، الحيرة والترقّب، واستحضرت المفاجأة آخر حادثةٍ بينهما، بكل قسوة.. عنف، وفي نبضة قلب محترق هجم آرون عليه، يكيل إليه لكمات غاضبة، مشحونة بوقود الألم والمرارة، وكأن الزمن توقّف بهما هناك..

تصقل السنوات الطباع فتزيدها حدّة؛ فكان من الصعوبة بمكان وضع ثورة الغضب جانباً، بعد هذا الترحيب الدامي، فكان مجرد الاستماع إلى جيرالد أكثر مما يستطيع احتماله، ومع كل ثانية تمُرّ كانت تهتز أركانه، ومع كل كلمة يسمعها، وتنهيدة يطلقها جيرالد من صدره كانت ترتجف أوصاله، وكأنه في قبضة كابوسٍ لعينٍ يجثم على صدره؛ فيعتصر قلبه ويخنق أنفاسه، وزمجرات غاضبة تموج بعقله وهو يعيد رؤية ما حدث من منظور مختلف تماماً..

“آرون؛ أنا أعتذر منك، فقد اخطأت في حقك، وفي تقدير الوضع حين أخفيت عنك الحقيقة، وعذري الوحيد أن سوليا كانت منهارة وفي حالة نفسية سيئة للغاية، وحينها امتثلت لجنونها وحصل ما حصل”..

“شيء أخير أوكده لك؛ بأنك أنت وحدك كنت الدافع الحقيقي وراء تمسك سوليا بالشفاء، وأنها ستقف بين يديك يوماً، وتطلب منك أن تفهمها وتغفر لها، هذا جعلها تحترق صموداً وصلابةً وصبراً”..

“آرون؛ سوليا تحتاج إليك الآن أكثر من أيّ وقتٍ مضى، رغم أنها تبدو بخير أمامنا”..

دارت كل تلك الكلمات والمعلومات في عقل آرون مثل معادلات ولوغاريتمات معقدة، وإدراك حقيقة ما حدث أخذت تضربه بقوة في صميم عقله وقلبه، ومشاعر متفاوتة تفور في صدره، وأحاسيس متضاربة تغلي بداخله، وأخذ يسأله بصوت مهزوز متألم “كيف سمحتما لنفسَيْكما اتخاذ قرار مصيريّ نيابة عني؟، كيف تجرّأتما؟، هل تبادر إليْكما لحظةً كيف كانت حالتي من الجنون وأنا في ذلك وحدي؟، وكيف عشت كل يوم محمّلاً بالوجع ومرارة بالخيانة؟.. وإن كانت تحتاجني؛ فماذا عني أنا.. أنا ماذا..؟”..

رحماك يارب الملائك؛ كان عليه فعل ذلك، ذهب لزيارة الدكتور ماتياس ودار بينهما حديث طويل، لم يخلُ من المفاجآت والتوصيات، وزيارة ثانية تأخرت أكثر مما يجب، وأخيراً كان هنا.. في غرفتها، تحيطه بقايا أنفاسها ونثرات عطرها، لم يكن يعرف مقدار اشتياقه إلا بعد أن أحرقه الانتظار ألف مرةٍ ومرة، وبعد حينٍ.. كانا وجهاً لوجه..

حرفيّاً توقّف الزمان؛ تسمّرَ مكانه فَوْر رؤيتها؛ كانت تتصَبّب عرقاً، وشعرها أقصر مما يتذكر، باهت ومشعث، بالكاد تستطيع صلْب طولها، وقد ألجَمتها المفاجأة عن الحركة والكلام، وبهذيان ترتجف همست “لا تقترب!، أرجوك توقف!، لا أريد أن أستيقظ من حلمي”..

وقف أمامها يحتل كل فضائها وبالكاد يتمالك نفسه؛ عيون حمراء غاضبة، وأنفاس متهدّجة لاهثة، وجسد متوتر مشدود، وألف ألف نظرة عتابٍ ولومٍ وحنين جارف دارت بينهما، وكأن هذه الخطوات الخمس بُعْد المسافات؛ فتقدم خطوة واسعة ابتعلت ذاك الفراغ قبل أن تقطع خطوتها الثقيلة، معاً يحترقان دمعاً، يجترفان ألماً، يتبادلان شوقاً، وما نفع الهواء؛ إن لم تسكن أنفاسها صدره، وما جدوى البكاء؛ إن لم تحرقها الدموع من أجله، الآن يسري الدم نقياً في عروقها؛ وقد ذاب فيه أريج عطره وهمسه وصمته..

بعض الصمت أبلغَ من كثير الكلام!؛ عندما تخرس الأصوات غير زفير موجوع، وشهيق غارق في الأنين مسموع، وهي تتساقط بين يديه كأوراق الخريف، فاحتوى ضعفها بين ذراعيّ قوته، يضم ضلوعها الواهنة بين حناياه المشتاقة إليها، ويجبر كسر روحَيْهما على إيقاع قلبه الثابت، وكل ما بعده يهون مهما يكون..

مذ رآها أقسم ألا تبقى يوماً آخر غير أن تكون زوجته بأيّ طريقة، اصطحبها لمنزله؛ وتكلّما كثيراً جداً في كل شيء، وأيّ شيء، وبقيت تحت رعايته حتى كان موعد مناقشة الرسالة.

كان الحضور مهيباً، وإذ به يزداد ذهولاً مع تدفّق الملاحظات والتعليمات أمامه على مدار أيام وأسابيع وشهور، بدقة شديدة وعناء مجيد..

“حبيبتي استمعت إليكِ جيداً، وحاولت فهم وجهة نظرك هذا نعم، غفرت لكِ؛ لا.. ليس بعد، أمامنا حياة طويلة، فلا تتصوري أنك ستبتعدين عني مرة أخرى أبداً”

كان التقاء العائلة مع آرون جياشاً، غارقاً بالكثير من الذكريات والمفاجآت؛ حيث لم يتوقف الآباء عن التواصل مع بعضهما البعض، ولقد كان الفراق هذه المرة أشدّ صعوبة وذلك عندما لم يستطع آرون العودة معهم إلى سوانزي لعدة التزامات خاصة بالعمل، وعلى وعد حارّ باللقاء ودّعهم.

ومنذ أكثر من ثلاث سنوات؛ اجتمعت العائلة والأصدقاء أخيراً في منزل السيد براون سابقاً، منزل سوليا وآرون الجديد، والذي وضعت فيه كل محبتها واهتمامها حتى يكون جنّتهما، وقد جهزته وأمدّته بكل ما يلزم عملها وآرون كذلك، وها قد انضمّ إليهم البروفيسور ماتياس وزوجته في ترحاب ودود، وضيف حبيب طال انتظاره كثيراً، وحياة طويلة تنتظرهما، ضيف جاء دون سابق إنذار، والذي حضر بحزمة هدايا وأمنيات، آرون جيفري براون.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى