السلام عليكم و رحمة الله وبركاته
سعاد احمد محمد عبد السلام
القاهرة – مصر
قصة قصيرة خاصة بمسابقة مجلة همسة
هذا تعديل قصتي ( ريحانا ) المنشوره ، امل اعتماد هذه بدلا من الاولى و شكرا مقدما
ريحانا
خرجت و لم تكن تعلم أن الأقدار تسوقها إلى مصير مجهول ، شاهدت من بعيد أضواء تتلألأ و لحناً حزيناً ضج منه هدوء الصحراء . اقتربت على حذر من مصدر الصوت ، كان بيتا بسيط الحال وسط مزرعة صغيرة ، شاهدت من خلال أستار نافذته الزجاجية شاباً يعزف على ناي متطلعاً إلى إحدى الصور ، و قد أراق دموعه ففاضت حتى بللت لحيته و وسادته . كان يبدو على مُحياه جمال هادئ لم تر مثله ، فهي لم تخرج من مملكتها من قبل .
شعر الشاب بحركة خفيفة خلف نافذته فانتفض خائفاً ناظراً خلال فراغ أحاط بداره ، شاهد وجهاً قابعاً في الظلام يحملق إليه ببراءة . فتاة باهرة الجمال ذات أنوثة طاغية في الحادية و العشرين بميقات البشر ، و ضوء القمر الآتي من الأفق يسقط على شعرها فيلونه بوهج ذهبي . بعد فترة إندهاش لم تطل بينهما بدءا حديث تعارفهما ، علم بإن اسمها ريحانا و ذكر لها أنه يُدعى سميرا . قص عليها سبب ذهوله عند رؤيتها فهي تشبه حبيبته ، و أن سبب حزنه فراقها حيث أسلمت الروح لبارئها بين يديه ثم عاد لبكائه من جديد .
بدأت ريحانا في مسامرته حتى هدأت نفسه و جفف دمعه ، و ظل يحملق من جديد في ملامحها التي فاقت بجمالها وصف القمر عندئذ شعر بأن القدر عوضه بها عن حبيبته . تصارحا بحبهما و تعاهدا على الزواج و أن لا يفارقا بعضهما مهما حدث . قضيا ليلة زفافهما في سمر و ضحكات و تعانق إلى بزوغ الشمس ثم خلد إلى النوم بين ذراعيها ، مرت ثلاثة أشهر في سعادة منقطعة النظير .
عندما اكتشف قوم ريحانا إختفاءها و طال غيابها ، خرج الفرسان للبحث عنها في شتي أنحاء الكون ، عادوا جميعاً إلا فارساً واحداً ظل مستمراً في البحث آملاً أن يجدها فقد كان يعشقها عشقاً ليس له حدود . في ليلة غاب عنها القمر تنسم الفارس نسائم معشوقته ، فظل يعدو بجواده في الصحراء إلى أن وصل إلى دارها . كانت ريحانا و زوجها قد خلدا إلى النوم مبكراً بسبب شعورها بتعب مفاجئ ، دخل الفارس بهدوء و حملها و عاد بها الى المملكة و هى في سُبات عميق .
استيقظت ريحانا في الصباح وجدت نفسها مستلقية على فراش غريب فتجولت بعينيها حولها و هالها ما رأت ، فقد أحاط بها قضبان من نار ، و عليها حراس شداد غلاظ . صاحت فزعة و ظنت أنها في كابوس مرعب ، لكنها بعد حين تيقنت من وجودها في سجن قومها .
مثُلت ريحانا أمام محكمة من قضاة غلاظ القلب ، و حشد كبير غاضب من قومها ، كان الاتهام الموجه لها هو الحنث بقوانين المملكة ، و عدم إحترام ملكها و والدها في ذات الوقت ، بظهورها لبني البشر و زواجها من أحدهم ، و عدم مبالاتها بمصيرها إذا علم أحدهم بكونها إبنة أعظم ملوك الجان ، ثم طلب منها رئيس القضاة تكليفها من يدافع عنها . قررت ريحانا الدفاع عن نفسها فهي وحدها من تعلم تفاصيل قصتها و مبرراتها . بدأت دفاعها بذكر محاسن زوجها الإنسي ، و طباعه الحميدة ، و أنه عاملها أفضل معاملة يمكن أن تتمناها الزوجة ، و حرصه على إسعادها و قضاء كل لوازمها . أخبرتهم بمدى عشقها له ، و تعاهدهما على البقاء سويا مدى الحياة . ثم أردفت قائلة أليس الوفاء بالعهود هو من أهم سماتنا و ما تربينا على أن نحرص عليه ؟ كان ملامح الغضب و القسوة مرتسمة على وجه والدها أثناء المحاكمة . لم يقتنع القضاة بدفاعها ، و بعد التشاور فيما بينهم قرروا إيقاع أقصى عقوبة عليها ، قبل إعلان الحكم سقطت ريحانا مغشياً عليها ، و تم فحصها من أحد أطباء قومها .
كانت المفاجأة الكبرى و النقطة الفاصلة لحسم القضية ، فهي تحمل في أحشائها طفلاً من الإنسي يجمع بين صفاتها و صفاته . بعد عدة أيام مثلت من جديد لإعادة المحاكمة بعد ما استجد بمعرفة حملها . اختلف القضاة في قراراتهم حيث قرر أحدهم فسخ عقد زواجها من الإنسي و التخلص من وليده الذي بمقتضى نسبه سيصبح يوماً ملكاً عليهم ، عارضه الثاني بالاكتفاء بفسخ العقد فقط ، أما الثالث و كان أحكمهم فكر طويلاً ثم خرج عليهما بحكم يخالفهما . أخبرهما بأنّ هذا الوليد يجب الحفاظ عليه و على زواج والديه فهو من سيربط بين عالميهما و يحسن الأوضاع بينهما ، فكم عانى عالم الجان من سوء ظن البشر به ، و إتهامهم بأبشع التهم بأنهم من يحرضون بني الإنسان علي الفسوق و عصيان ربهم بشتي الطرق .
بعد فترة تشاور طالت و امتدت لعدة أيام لتمسك كل منهم بحكمه ، لجؤوا إلى ملكهم ليفصل في الحكم حيث قرر الموافقة على زواجها و عودتها إلى زوجها و والد طفلها ، على ألا تعود إلى المملكة مهما حدث إلا في حالة وفاة الملك لتجلس على العرش إذا ما كان وليدها لم يتم سن الحكم بعد .
عادت ريحانا إلى دار زوجها بعد أن ودعت والدها و قومها ، و قد منحها والدها ثلاث هبات ربما تحتاج إليها يوماً ما . كانت في منتهى السعادة بجنينها ، و على ثقة من فرح زوجها بعودتهما شدة الفرح . وجدت سمير فى أسوإ حال باكي العينين رث الهيئة ألقت بنفسها عليه و لكنه نهرها و طردها من المنزل بعد أن إتهمها بالخيانة و الغدر به . ظلت ريحانا تستعطفه محاولة أن تشرح له سبب غيابها و ما حدث ، و لكن غضبه غشى عقله و صم أذنيه، و أصر على موقفه و قراره بطردها .
خرجت ريحانا من المنزل شاردة الذهن تفكر فيما آل إليه حالها ، فهي لا تستطيع العودة لديار قومها ، و لا العيش بجوار زوجها . بعد طول تفكير قررت البحث عن عمل و مكان تعيش فيه ، خرجت بعد أن غطت رأسها بغطاء أخفى أغلب ملامح حسنها . بعد بحث طويل عملت لدى مزارع في مزرعة بعد أن علم بإتقانها الزراعة ، و منحها غرفة صغيرة وسط الحقل لتعيش فيها . اقترب موعد وضعها و لم تقدر على العمل فطردها المزارع بسبب غضبه منها بعد أن حاول أكثر من مرة مراودتها عن نفسها ، و رفضها الخضوع لرغباته . ترجته ريحانا أن يبقيها لديه حتى تضع مولودها على أنها لن تكلفه أي شئ فوافق على مضض .
وضعت صبيا آية فى الجمال ، و بعد عدة أيام غادرت المزرعة باحثة عن ماوى و عمل جديد . لم يوافق أحد أن تعمل لديه بسبب طفلها الذي هو في حاجة إليها ، و لكنها وجدت شفقة لدى أحدهم حيث منحها غرفة صغيرة فوق منزله لتعيش فيها ، و كان يرسل لها ما تقتات به يومياً . أشفقت ريحانا على حالها و مذلتها بعد عزها في مملكتها فقررت استخدام جزء من الثلاث هبات الذي منحها لها والدها . كانت تقص خصلة من خصلات شعرها الذهبي تبيعها لتشتري ما تقتات به هى و طفلها ، و تدخر مايتبقى من ثمنها لوقت الحاجة . مرت خمس سنوات و لم يتبق خصلات للبيع ، و قد حل مكانها شعر إنسي عادي .
أما سمير بعد أن طرد ريحانا بدأ يستعيد عقله الذي فقده بغيابها ، بدأ يسترجع كل كلامها حتى تيقن من قصتها فهو لم يسألها مطلقاً منذ بداية تعارفهما عن قصتها ، و لا من أين أتت و كان شغله الشاغل هيامهما معاً . مرت عدة سنوات و تدهورت حاله بسبب حزنه و شرود ذهنه ، ندم سمير أشد الندم و قرر البحث عنها ، و كان على وشك بيع مزرعته التي كان يعيش من دخلها بعد أن أهملها.
بعد بحث طويل ما بين أمل و رجاء وجدها سمير مصادفة في أحد أسواق المدينة ، و هى على وشك بيع آخر أسنانها اللولية ( الهبة الثانية من والدها ) لأحد التجار . جرى إليها و احتضنها هى و إبنهما الذي تجاوز عامه العاشر ، و إعتذر لها على سوء ظنه بها و رجاها أن تعود معه . عادوا إلى منزلهما ، و بدءا في الاهتمام بمزرعته بإستخدام آخر هبة من والدها ، و هى فنون الزراعة و الرعي و عاشوا جميعاً في سعادة فائقة .