ســـأســـأة .. نــأنــأة
قصة قصيرة بقلم : عبير عبدالله
رآها .. لم يستطع أن يمنع عينيه من تتبعها ، وقف بجوارها لا يدرى لماذا ؟! .. شعر بارتياح بقربه منها .. لم يكن بها شىء يميزها عمن سواها إلا أنه يريد أن يقترب منها .. سمراء خمرية .. يبدو ذلك من لون يديها اللتين تنتقى بهما الكتب .. لا يوجد خاتم زواج أوخطبة فى إصبعها .. لون ثيابها يليق بأنثى دافئة مشرقة .. ابتسم فى نفسه أكانت تلعب بالماء مع الأطفال ؟!.. فثيابها كلها شبه مبلولة وكأن أحدهم استمتع برش الماء عليها وهى سعيدة فلم تنهه عن ذلك .. مدّ ذراعه بجوارها وتعمّد ألا يلمسها وأمسك كتاباً كانت قد تركته..
– هذا كتاب قيّم ، و لكننى لم أرلصاحبه غيره فى هذا المعرض .
التفتت إليه .. رآها عن قرب .. جميلة هى ووجهها كله براءة .. عيناها تشعان ذكاء وطيبة لكن شىء آخر جذبه إليها .. وكأنه يعرفها منذ زمن بعيد .. بعيييد !!..
– أرزااق !! .. أنا أيضاً أحب هذا الكاتب ولم أجد له إلا كتاباً آخر على الرف الأخير هناك – و أشارت بيدها إنه عالٍ جداً فى غير المتناول..
( شعربأنوثتها الطاغية.. حجمها القليل نوعاً ما بجواره بطوله الفارع وهى تشير بيدها الرقيقة .. )
– سآتيكِ به ..
(ها ها حيلة قديمة للتعارف .. وجهه كله مشدو د .. أعصابه كتلة من بركان كاد أن ينفجر يداريها بشبه ابتسامة يسحب ذيلها قبل أن يرسلها .. صوته مهذب يخفى قهراً لا نهاية له وثورة عارمة للسان محاصر ..مهدد بالقطع. )
ناولها إياه وهو ينفض عنه التراب .. – يضعونه فى أعلى مكان على الرف حتى لا يراه أحد و إن رآه لا يستطيع الحصول عليه و يحرمون الناس من فكره و مشاعره و إبداعه و هم يحسبون أنهم يحرمونه هو و ..
استرسل فى كلامه عن أحد كتابه المفضلين المجنىّ عليهم لسوء تقدير الآخرين من المسئولين والنقاد ومن يكتبون مثله ربما لأسباب لا تتعلق به إطلاقا ًو .. وهو يشكو ظلم الدنيا وجحود أهلها للآخرين وكأنه هو كل هؤلاء الآخرين وهى تستمع إليه لربما تهدأ نفسه ويستقر – لو قليلاً – وتعرف ما وراءه فلم يمهلها ..
– أما أنا فأقاسى الأمرين من ظلم هؤلاء الملمّعين الذين يحيط بهم البريق من كل جانب حتى تحولوا فى نظر الآخرين خدعةً- وما أكثرهم – إلى البريق نفسه !!..
نظرت إليه فى حنان و ابتسمت ساخرة و هى تشير بيدها كأنها ستُربّتُ عليه كأم .. لتخرجه مما هو فيه ..
– كل هذا بك يا بنى ؟!..
خجل قليلاً من استرساله فى فضفضته معها دون سابق معرفة و إن تمنى فى نفسه لو ربتت عليه بيديها الرقيقتين ولامسته- حتى لو كانت ساخرة – فقد شعر بحاجته الشديدة لمن يضمه ويهدهده ليطيّبَ ولو شىء من جراحه ..
– وأنتِ ؟! ..
و أشار إلى ثيابها التى مازال آثر الماء عالقاً بها ..
– أكنتِ تلعبين مع الأطفال ؟!..
ارتبكت وردت فى خجل وهى تتلفت وتحاول إخفاء أماكن البلل أو التهوية عليها حتى تجف بسرعة .. آه .. لقد توضأت وصليت فلدىّ عمل طويل اليوم فى هذا المكان سأستأنفه بعد قليل ولم أعتقد أن ثيابى لم تنشف حتى ..
لم يدعها تكمل كلامها ..
– أنتِ جميلة..
رفعت عينيها لتعترض وتمنعه من غزله الصريح لها .. وتوقفه عند حده.
وجدته يتعثر فى قهره و انفعالاته الداخلية التى يحاول كبتها بصعوبة .. فأرختهما فى ابتسامة مطمئنة..
– أنت كاتب أو .. شاعر..
– نعم كاتب أنا وشاعر لا يملك إلا دمَه و ومشاعرَه مدادًا لقلمه وقلبه الذى يسع العالم كله، لم يُترك له خرم إبرة ينشرمنه نفس من أنفاسه .. الجميع يتقاتلون و يغشون و … – وأشار بيديه فى استسلام – إلا ما رحم ربى .
– ولماذا كل هذا التشاؤم ؟!..
– التشاؤم !! .. التشاؤم رحمة .. يكفى أن صاحبَه يعلم أنه فكرةٌ صائبة ٌداخله ارتاح إليها حتى إن كانت تحتمل الخطأ لدى الآخرين .
– أنت فيلسوووف !! .. شوقتنى .. أحب أن أقرأك ..
جلس هادئاً بجوارها إلى أن تنتهى من تصفح ما معه من أوراق وهو يقرأ وجهها ببراءته المتناهية رغم سخريتها اللاذعة من خطه الذى لا يكاد يبين ولكنها تفسره بمهارة حسدها عليها .
رفعت رأسها الجميل إليه ..
– ولكن لماذا كل هذا التمرد ؟! ألم تجد نفسك – حتى الآن- ؟! .
– مللتُ القمقم و يقولون أنت إنسان ملول و هذا لا يصلح للحياة .. أى حياة تلك المحشور فيها مارد مضغوط فى قمقم إيجار مهدد فيه بالطرد إلى لا شىء .. إلى الضياع .. الفناء ؟!.. وأين يذهب بشعره وأدبه، موهبته التى كُتب عليه أن يحملها كصخرة سيزيف لا تستقر هى و لا يهدأ هو بالاً أبداً ؟!.. شددتُ رحالى إلى هنا – إلى مصر – فوالدىّ ليس لديهما ما يقدمانه إلىّ غير دعائهما والقليل الذى يبعثان به إلىّ ،قلت أعتمد على نفسى وموهبتى التى أقر لى بها الكثيرون -وإن لم أقل الجميع- حتى من يخفون ذلك تفضحهم عيونهم وإن كانت معتادة الكذب و جئت إلى هنا .. أكتب كل يوم الساعات الطوال ليس مهماً أن آكل أو أشرب أو أى شىء آخر إلا القراءة والكتابة وبقربى دائماً سلة المهملات أملأها بما لا أرضى عنه ..أمزقه و أرميه فيها ..
ثم ضحك ساخراً و قهقه بصوتٍ عالٍ لم يمنعه الاعتذار عنه من الاستمرار فيه ..
شعرت بحاجة للانتعاش ؛ فذهبت إلى الحمام وهو حق مشروع وآمن للجميع.. و تركت أوراقى على المنضدة قى غرفتى و أغلقتها بالمفتاح فأنا أعيش مع زميل لى .. صحيح هو يكبرنى ليس بقليل لكنه سبقنى للحياة فى مصر ودنيا الكتابة و الثقافة والنشر والأضواء. استفدت منه كثيراً .. كثييييراً جداً – قالها بمرارة وسخرية لا أدرى لماذا ؟ ! – فهو أديب وشاعر تجدينه فى أغلب الندوات و الأمسيات الشعرية و صاحب لكل من له صلة وفائدة .. واستمرفى ضحكه – أخذت حمّامًا و أكملت قصيدتى وديوانى الذى كتبته فى عيون الفتاة التى استمتعت بحبى و زهت وتباهت على صديقاتها بقصائدى لها المنشورة فى بعض الجرائد والمجلات وتركتنى عندما لم أتمكن من أن أصنع لها بيتاً من طوب لا من كلمات و مشاعر على ورق .. بعدها .. ولا أدرى كيف ؟! .. صديقى ذاك الذى لم يبخل على ّبشىء والذى تعلمت منه الكثير .. الكثير جداً .. أهدانى ديوانه الجديد .. هاها – نسخة من أوراقى تلك التى تركتها على المنضدة – وقد كتب فى مقدمته إهداءً لحبيبته – حبيبتى سابقاً – وبه شعرَ صادق َجميلَ يذوب رقةً و جمالاً تتمنى كل فتاة أن يكون لها منه نصيب ولو بضع قطرات من قصيدة وقد حصل على جائزة كبيرة عنه، حضرت حفل تقديمها له و أنا أضحك .. أضحك بعد أن ضنت عيناىً بالبكاء وهنأته وسعد بتهنئتى له أمام الجميع ولم يهتز له طرف وأشار بأننى مثل أخيه الأصغر على الدرب و أنه لن يضن أبدا ًبمساعدته لى و لا بمساعدة من هم على شاكلتى من موهبين مجتهدين .. فالمهم لديه الموهبة ..الموهبة الصادقة و الباقى على الله ثم عليه !!..
وابتسم..
ها أنا قد تعلمت الكثير و لكننى لم أستطع أن أصون العهد الذى قطعته على نفسى و أعطيتك أوراقى التى أودعتها قلبى وفكرى و مشاعرى ..
صمت طويلاً وهو يتأمل عينيها الصافيتين ..
أتمنى لو أعطيتك حياتى كلها فهل تقبلينها ؟!..
ضحكت بشقاوة لتدارى حياءها وارتباكها ..
– طبعاً أتمنى ذلك و يسعدنى أن تضع نفسك داخل و رق سوليفان رقيق يليق بك كهدية و..
لكنها لم تستطع أن تكمل و سحبت ذيل ابتسامتها ..
– أنت أغلى من ذلك بكثير ..
تشاغلت بما معها من أوراق وأضافت :
– لا أحب المتسرعين .
خفض بصره متشاغلاً بالكتاب الذى بين يديه .. و لكنها أحست بأنفاسه تعلو و تهبط وبحزنه الشديد و نفسه الشفافة المكافحة تضطرب و تبحث عن مستقر .. مشاعر تهدهدها و تمحو عنها آثار القهر والخداع و الحرمان .. تبعث فيها نوراً يملأ جوانحها و يطغى على و حوش الظلام التى تبطش بنور الحب أنى تراه ..
– ها هل أعجبك ما قرأتيه ؟
– رائع .. أين كنت من زمااان .. موهوب أنت .. موهوووب !! .. لا تدع أى شىء أمامك .. يمكنك أن تسعد الآخرين و تفيدهم .. و قبلهم تسعد نفسك فأنت لا تستحق أقل من السعادة و راحة البال ..
– ها .. هل تكتبين ؟ .. أغلب المثقفين و محبى القراءة – خاصةً الشعر- يكتبون .
– لكن أنت لن ترتاح لى إذا كنت ممن يكتبون .. أقصد .. يعنى .. أنت لا تستطيع أن تتخذ أخاً أو أختاً ممن ينافسونك أو حتى تشعر أنهم ينافسونك إذا لم يكن ذلك حقيقياً فيكفى أن تكون – أو يكون – كاتباً أوشاعراً حتى تثور نفسك و تقلق – وابتسمت – ونحن فى عرض لحظات راحة و هدوء و سكينة أنت أفضل من يستحقها .
فثار بشدة ..
– لا .. لا .. فانا أساعد كل من أعرف و أخلص له فمن حرم الإخلاص لايحرمه الآخرين .
ابتسمت و هى تكاد تربت كتفه و يتمنى هو أن يحتويها ويمتد بهما الوقت و لا ينقضى أبداً ..
– عندما أبعث بقصائدى و قصصى و أعمالى موقعة باسمى لا ينشرونها غالباً مع أنى لم أفكر لحظة فى إيذاء أحد أو النيل منه .. شعورى بالهزيمة و النكران رغم معرفتى بإقرارهم بموهبتى و نجاحى يجعلانى أكتب كثيراً موقعاً كتاباتى ب (نأنأة ) – و ضحك – كما يقولون اسم على ما قسم .. فألقى ارتياحاً شديداً وترحيباً أشد .. أتصدقين ؟!..
همّتْ أن تقبلَ يديه و ترتمى على صدره وتقول: كلنا فى الهم شرق كم أحببت (نأنأة ) و تمنيت لقاءه فأنا أكتب أيضاً موقعةً باسم ( سأسأة ) ولكنها خافت فقده و تركت يديها تحتويها يديه و سارا معاً …..
قصة قصيرة بقلم : عبير عبدالله
رآها .. لم يستطع أن يمنع عينيه من تتبعها ، وقف بجوارها لا يدرى لماذا ؟! .. شعر بارتياح بقربه منها .. لم يكن بها شىء يميزها عمن سواها إلا أنه يريد أن يقترب منها .. سمراء خمرية .. يبدو ذلك من لون يديها اللتين تنتقى بهما الكتب .. لا يوجد خاتم زواج أوخطبة فى إصبعها .. لون ثيابها يليق بأنثى دافئة مشرقة .. ابتسم فى نفسه أكانت تلعب بالماء مع الأطفال ؟!.. فثيابها كلها شبه مبلولة وكأن أحدهم استمتع برش الماء عليها وهى سعيدة فلم تنهه عن ذلك .. مدّ ذراعه بجوارها وتعمّد ألا يلمسها وأمسك كتاباً كانت قد تركته..
– هذا كتاب قيّم ، و لكننى لم أرلصاحبه غيره فى هذا المعرض .
التفتت إليه .. رآها عن قرب .. جميلة هى ووجهها كله براءة .. عيناها تشعان ذكاء وطيبة لكن شىء آخر جذبه إليها .. وكأنه يعرفها منذ زمن بعيد .. بعيييد !!..
– أرزااق !! .. أنا أيضاً أحب هذا الكاتب ولم أجد له إلا كتاباً آخر على الرف الأخير هناك – و أشارت بيدها إنه عالٍ جداً فى غير المتناول..
( شعربأنوثتها الطاغية.. حجمها القليل نوعاً ما بجواره بطوله الفارع وهى تشير بيدها الرقيقة .. )
– سآتيكِ به ..
(ها ها حيلة قديمة للتعارف .. وجهه كله مشدو د .. أعصابه كتلة من بركان كاد أن ينفجر يداريها بشبه ابتسامة يسحب ذيلها قبل أن يرسلها .. صوته مهذب يخفى قهراً لا نهاية له وثورة عارمة للسان محاصر ..مهدد بالقطع. )
ناولها إياه وهو ينفض عنه التراب .. – يضعونه فى أعلى مكان على الرف حتى لا يراه أحد و إن رآه لا يستطيع الحصول عليه و يحرمون الناس من فكره و مشاعره و إبداعه و هم يحسبون أنهم يحرمونه هو و ..
استرسل فى كلامه عن أحد كتابه المفضلين المجنىّ عليهم لسوء تقدير الآخرين من المسئولين والنقاد ومن يكتبون مثله ربما لأسباب لا تتعلق به إطلاقا ًو .. وهو يشكو ظلم الدنيا وجحود أهلها للآخرين وكأنه هو كل هؤلاء الآخرين وهى تستمع إليه لربما تهدأ نفسه ويستقر – لو قليلاً – وتعرف ما وراءه فلم يمهلها ..
– أما أنا فأقاسى الأمرين من ظلم هؤلاء الملمّعين الذين يحيط بهم البريق من كل جانب حتى تحولوا فى نظر الآخرين خدعةً- وما أكثرهم – إلى البريق نفسه !!..
نظرت إليه فى حنان و ابتسمت ساخرة و هى تشير بيدها كأنها ستُربّتُ عليه كأم .. لتخرجه مما هو فيه ..
– كل هذا بك يا بنى ؟!..
خجل قليلاً من استرساله فى فضفضته معها دون سابق معرفة و إن تمنى فى نفسه لو ربتت عليه بيديها الرقيقتين ولامسته- حتى لو كانت ساخرة – فقد شعر بحاجته الشديدة لمن يضمه ويهدهده ليطيّبَ ولو شىء من جراحه ..
– وأنتِ ؟! ..
و أشار إلى ثيابها التى مازال آثر الماء عالقاً بها ..
– أكنتِ تلعبين مع الأطفال ؟!..
ارتبكت وردت فى خجل وهى تتلفت وتحاول إخفاء أماكن البلل أو التهوية عليها حتى تجف بسرعة .. آه .. لقد توضأت وصليت فلدىّ عمل طويل اليوم فى هذا المكان سأستأنفه بعد قليل ولم أعتقد أن ثيابى لم تنشف حتى ..
لم يدعها تكمل كلامها ..
– أنتِ جميلة..
رفعت عينيها لتعترض وتمنعه من غزله الصريح لها .. وتوقفه عند حده.
وجدته يتعثر فى قهره و انفعالاته الداخلية التى يحاول كبتها بصعوبة .. فأرختهما فى ابتسامة مطمئنة..
– أنت كاتب أو .. شاعر..
– نعم كاتب أنا وشاعر لا يملك إلا دمَه و ومشاعرَه مدادًا لقلمه وقلبه الذى يسع العالم كله، لم يُترك له خرم إبرة ينشرمنه نفس من أنفاسه .. الجميع يتقاتلون و يغشون و … – وأشار بيديه فى استسلام – إلا ما رحم ربى .
– ولماذا كل هذا التشاؤم ؟!..
– التشاؤم !! .. التشاؤم رحمة .. يكفى أن صاحبَه يعلم أنه فكرةٌ صائبة ٌداخله ارتاح إليها حتى إن كانت تحتمل الخطأ لدى الآخرين .
– أنت فيلسوووف !! .. شوقتنى .. أحب أن أقرأك ..
جلس هادئاً بجوارها إلى أن تنتهى من تصفح ما معه من أوراق وهو يقرأ وجهها ببراءته المتناهية رغم سخريتها اللاذعة من خطه الذى لا يكاد يبين ولكنها تفسره بمهارة حسدها عليها .
رفعت رأسها الجميل إليه ..
– ولكن لماذا كل هذا التمرد ؟! ألم تجد نفسك – حتى الآن- ؟! .
– مللتُ القمقم و يقولون أنت إنسان ملول و هذا لا يصلح للحياة .. أى حياة تلك المحشور فيها مارد مضغوط فى قمقم إيجار مهدد فيه بالطرد إلى لا شىء .. إلى الضياع .. الفناء ؟!.. وأين يذهب بشعره وأدبه، موهبته التى كُتب عليه أن يحملها كصخرة سيزيف لا تستقر هى و لا يهدأ هو بالاً أبداً ؟!.. شددتُ رحالى إلى هنا – إلى مصر – فوالدىّ ليس لديهما ما يقدمانه إلىّ غير دعائهما والقليل الذى يبعثان به إلىّ ،قلت أعتمد على نفسى وموهبتى التى أقر لى بها الكثيرون -وإن لم أقل الجميع- حتى من يخفون ذلك تفضحهم عيونهم وإن كانت معتادة الكذب و جئت إلى هنا .. أكتب كل يوم الساعات الطوال ليس مهماً أن آكل أو أشرب أو أى شىء آخر إلا القراءة والكتابة وبقربى دائماً سلة المهملات أملأها بما لا أرضى عنه ..أمزقه و أرميه فيها ..
ثم ضحك ساخراً و قهقه بصوتٍ عالٍ لم يمنعه الاعتذار عنه من الاستمرار فيه ..
شعرت بحاجة للانتعاش ؛ فذهبت إلى الحمام وهو حق مشروع وآمن للجميع.. و تركت أوراقى على المنضدة قى غرفتى و أغلقتها بالمفتاح فأنا أعيش مع زميل لى .. صحيح هو يكبرنى ليس بقليل لكنه سبقنى للحياة فى مصر ودنيا الكتابة و الثقافة والنشر والأضواء. استفدت منه كثيراً .. كثييييراً جداً – قالها بمرارة وسخرية لا أدرى لماذا ؟ ! – فهو أديب وشاعر تجدينه فى أغلب الندوات و الأمسيات الشعرية و صاحب لكل من له صلة وفائدة .. واستمرفى ضحكه – أخذت حمّامًا و أكملت قصيدتى وديوانى الذى كتبته فى عيون الفتاة التى استمتعت بحبى و زهت وتباهت على صديقاتها بقصائدى لها المنشورة فى بعض الجرائد والمجلات وتركتنى عندما لم أتمكن من أن أصنع لها بيتاً من طوب لا من كلمات و مشاعر على ورق .. بعدها .. ولا أدرى كيف ؟! .. صديقى ذاك الذى لم يبخل على ّبشىء والذى تعلمت منه الكثير .. الكثير جداً .. أهدانى ديوانه الجديد .. هاها – نسخة من أوراقى تلك التى تركتها على المنضدة – وقد كتب فى مقدمته إهداءً لحبيبته – حبيبتى سابقاً – وبه شعرَ صادق َجميلَ يذوب رقةً و جمالاً تتمنى كل فتاة أن يكون لها منه نصيب ولو بضع قطرات من قصيدة وقد حصل على جائزة كبيرة عنه، حضرت حفل تقديمها له و أنا أضحك .. أضحك بعد أن ضنت عيناىً بالبكاء وهنأته وسعد بتهنئتى له أمام الجميع ولم يهتز له طرف وأشار بأننى مثل أخيه الأصغر على الدرب و أنه لن يضن أبدا ًبمساعدته لى و لا بمساعدة من هم على شاكلتى من موهبين مجتهدين .. فالمهم لديه الموهبة ..الموهبة الصادقة و الباقى على الله ثم عليه !!..
وابتسم..
ها أنا قد تعلمت الكثير و لكننى لم أستطع أن أصون العهد الذى قطعته على نفسى و أعطيتك أوراقى التى أودعتها قلبى وفكرى و مشاعرى ..
صمت طويلاً وهو يتأمل عينيها الصافيتين ..
أتمنى لو أعطيتك حياتى كلها فهل تقبلينها ؟!..
ضحكت بشقاوة لتدارى حياءها وارتباكها ..
– طبعاً أتمنى ذلك و يسعدنى أن تضع نفسك داخل و رق سوليفان رقيق يليق بك كهدية و..
لكنها لم تستطع أن تكمل و سحبت ذيل ابتسامتها ..
– أنت أغلى من ذلك بكثير ..
تشاغلت بما معها من أوراق وأضافت :
– لا أحب المتسرعين .
خفض بصره متشاغلاً بالكتاب الذى بين يديه .. و لكنها أحست بأنفاسه تعلو و تهبط وبحزنه الشديد و نفسه الشفافة المكافحة تضطرب و تبحث عن مستقر .. مشاعر تهدهدها و تمحو عنها آثار القهر والخداع و الحرمان .. تبعث فيها نوراً يملأ جوانحها و يطغى على و حوش الظلام التى تبطش بنور الحب أنى تراه ..
– ها هل أعجبك ما قرأتيه ؟
– رائع .. أين كنت من زمااان .. موهوب أنت .. موهوووب !! .. لا تدع أى شىء أمامك .. يمكنك أن تسعد الآخرين و تفيدهم .. و قبلهم تسعد نفسك فأنت لا تستحق أقل من السعادة و راحة البال ..
– ها .. هل تكتبين ؟ .. أغلب المثقفين و محبى القراءة – خاصةً الشعر- يكتبون .
– لكن أنت لن ترتاح لى إذا كنت ممن يكتبون .. أقصد .. يعنى .. أنت لا تستطيع أن تتخذ أخاً أو أختاً ممن ينافسونك أو حتى تشعر أنهم ينافسونك إذا لم يكن ذلك حقيقياً فيكفى أن تكون – أو يكون – كاتباً أوشاعراً حتى تثور نفسك و تقلق – وابتسمت – ونحن فى عرض لحظات راحة و هدوء و سكينة أنت أفضل من يستحقها .
فثار بشدة ..
– لا .. لا .. فانا أساعد كل من أعرف و أخلص له فمن حرم الإخلاص لايحرمه الآخرين .
ابتسمت و هى تكاد تربت كتفه و يتمنى هو أن يحتويها ويمتد بهما الوقت و لا ينقضى أبداً ..
– عندما أبعث بقصائدى و قصصى و أعمالى موقعة باسمى لا ينشرونها غالباً مع أنى لم أفكر لحظة فى إيذاء أحد أو النيل منه .. شعورى بالهزيمة و النكران رغم معرفتى بإقرارهم بموهبتى و نجاحى يجعلانى أكتب كثيراً موقعاً كتاباتى ب (نأنأة ) – و ضحك – كما يقولون اسم على ما قسم .. فألقى ارتياحاً شديداً وترحيباً أشد .. أتصدقين ؟!..
همّتْ أن تقبلَ يديه و ترتمى على صدره وتقول: كلنا فى الهم شرق كم أحببت (نأنأة ) و تمنيت لقاءه فأنا أكتب أيضاً موقعةً باسم ( سأسأة ) ولكنها خافت فقده و تركت يديها تحتويها يديه و سارا معاً …..
اترك تعليق