ط
مسابقة القصة القصيرة

سكة صبحة.مسابقة القصة القصيرة بقلم / مجدي إبراهيم أبو شعيشع .مصر

سكة صبحة
قصة قصيرة بقلم مجدي شعيشع
مصري مقيم فى الكويت

أشجار الكافور والجزورينا والتوت العملاقة شاهدة على الزمن تعانق نقاط الحدود في نهايات الطرق ، تتزين بحُلتها الخضراء على حدود الأراضي
سكة صبحة ، على رأسها شجرة توت عتيقة على شاطيء النهر تنتهي بترعة الإيراد.
سكة صبحة صنعت للملك وحاشيته الذين يضيقون بالطرق رغم اتساعها والفلاحون لا يملون جسور الأراضي رغم رعونتها.
صبحة ، راعية غنم ، ريانة العود ، زهرة تكتسي بالشوك تغتسل على غصنها كل صباح بقطرات الندى ، هي وردة لم تتنفس بعد ثغر يشتاق لابتسامة ، صبحة غزالة في غابة أسود ، أنوثتها تكسر عند الطامعين غصة التكبر ، وتواري شقاء السنين وتستر سوءة الفقر التي نالت من صباها.
صبحة بنت بين أربعة أطفال ماتوا صغاراً وعاشت لتصبح هي البنت والولد .
صبحة تغتسل من شقاء النهار على طبلية العشاء بين أولادها ، تتوه في أسمائهم من التعب إن قصدت الأصغر بدأت بالأكبر حتى تصل إليه .
صبحة وتد فى الأرض لا تهزها رياح ولا تؤثر فيها السنين ولدت للعناد والشقاء ورعي الغنم كبنات البدو .
بدران زوج صبحة أحد عمال التراحيل ، تمثال نفخت فيه الروح مفتول العضلات مايجعله مصدر أمان لأسياده ، عتالٌ بالنهار حارس خاص بالليل.
بجوار أحد المعسكرات عثر طنطاوي باشا على صندوق متوسط الحجم ممتلئ بسبائك الذهب أرسله فى حينه مع حارسه بدران إلي بلده في مدينة المنزله.
بدران يهابه الخوف والظلام وقاطعو الطرق ولصوص الليل بل تخشاه الذئاب، وصل إلى بيته كي يستريح قليلاً ثم يواصل السير إلى المنزلة .
أشعلت صبحة لمبة جاز يكسوها الغبار كنست عتمة الليل ، وجهها الصبوح
لم يكن فى حاجة لإشعال فتيل ممزق وضوء يحتضر ، استدعت نُضرة الحُسن فى أنوثتها المعطلة مؤقتاً في غياب بدران بين سندان الرعي ومطرقة دوار الغنم ، نفضت على استحياء الحصيرة التي تنام عليها، والتي لم تُصنع لجسدها الوردي المتلهف لأَسِرة القصور ودفئها .
صغارها اعتادوا حشرات الحصيرة ينتفضون للدغها .
فى عتمة الليل خلع بدران آثار السفر ، وانتفض بين يديها كثعبان يشاكس فريسته ، انتصب الشراع يشق أمواج البحر تدفعه المجاديف بعنف للأعماق يبحر ضد الإعصار ، حتى سقط المطر ارتخت المجاديف واستسلم المصارع واستحالت حربتة النافرة إلى فتلة خيط أصابها البلل .
الشمس تغافل السقف و تُسقِط شعاعها الذهبي على فخذ بدران العاري ، فينهض مذعوراً فالأمانة ثقيلة !!!
صبحة بارعة فى ترويض الخراف و بدران أهون فى ترويضه من خروف متمرد خارت عزيمتة .
ركلته بقدميها فى بئر الجحيم لتبنى حياتها على أنقاض حياته.
عاد يجتر كلمات صبحة ويلوكها فى رأسه حتى فاجأ طنطاوي باشا أن لصوص الليل سرقوا صندوق الذهب ، لم يبتلع طنطاوي غصة الصدمة ولم يصدقه، لوى عنق الحكمة وخنق الصبر وأطلق عليه النار فقتله ، لتنعم صبحة بالذهب وانطلقت فى أغسطس 1952 تمهر السلطة ببعض السبائك لتأمن شرها واشترت الأراضي بشراهة المفجوع على مائدة بلا حساب .
تغير اسم سكة الملك التي سار عليها جلالته ذات يوم ليتزوج ابنة حامد نور لتصبح حتى اليوم وبأمر السُلطة سكة صبحة .
استيقظت رغباتها الخامدة أربعة عقود لم يبتل لها ريق، خرجت من دفيء الدوار إلى وحل السلطة من هدوء الوحدة إلى شتات الأنس .
جاءها بدران لآخر مرة بهيبة الأمين وودعها بعار الخائن ، جاء مرفوع الرأس وعاد منكسها فكان جزاؤه طلقة فى الرأس سقط على إثرها من ذاكرة الأمناء، عاش بلا فائدة فمات بلا قيمة !!!
ركلت زوجها فامتلأت حياتها بضباب السمعة وخرافات الحكايات، تطاردها الشائعات حتى أصبحت حكايات للتسلية .
شيدت قصرها على ضفة النهر تتابع من شرفاته أراضيها على مرمى البصر ، كل طامعى الدنيا خطبوا ودها ، عاشت ملكة جوفاء ، زوجت بناتها لأبناء السلطة التي تولت حماية أرضها وغرست فى حدودها عساكر الدرك ، وبعد سنين رأى كل حارس نفسه فى الأرض التي تولى حراستها فاستولى عليها، كانت تُغدق عليهم الهبات والعطايا بعد كل عمليه حراسة يفشلون فيها، إن أردت أن تدمر مؤسسة كافئ فاشلها.
لم تشغل صبحة نفسها بتأمين ري الأراضي فجفت الينابيع وسد الطمى والعشب مجراه، اشترت النَسَبَ بالمال والسلطة بالذهب ، تبرأت من الفقراء براءة الموسوس من المجذوم ، واستعانت بخدم لا يعلمون شيئاً عن أصلها ، الثراء الذي يحرسه الأمن تنهشه الغربان !!!
، الفلاح في عزبة صبحة ينتج ولا يملك كدجاجة لا تحكم على بيضها .
لم يتبقَ من أرضها غير أنين السواقي ونحيبها حين ينخفض منسوب الضمير ترتوي الأرض بالهجر والجفاف.
استولى حراسها على أركانها وأُرغِمت على بيع ما تبقى من قراريط متناثرة بين مخالب حراسها
وبقيت سكة صبحة تتجشأ من اقتلعوا ثوابت الحدود و تندب الأشجار التي زينت الأراضي وسكة صبحة بالأمس .
————————————
الإسم : مجدي إبراهيم أبو شعيشع
: (مصري مقيم فى الكويت)
العنوان : الكويت – الفروانية – قطعة 6 – شارع 2 – عمارة 35 – الدور 6 – شقة24
تليفون : 0096597873175

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى