ط
مسابقة القصة القصيرة

سلام مؤجل. مسابقة القصة القصيرة بقلم / عبد الرزاق نزار من الجزائر

القصة القصيرة :
” سلام مؤجل ”
تأليف عبد الرزاق نزار
الجزائر / رقم الهاتف : 0658234323 (213+ )
الايمايل : [email protected]
2015

هو محمد الذي اغتالته الرصاصة الغادرة … أتدري كيف كان … ؟
كان شخصا بسيطا جميلا جمال الطبيعة منار نور القمر و مشعا شعاع الشمس ، كان يحب اللعب بالقرب من البيت وكانت افضل الاشياء بالنسبة له لعبة ” الغمايضة ” أتدري رايته امامي يلهو ويجري وبيده اليمنى ” الشكولاته ” وبيده اليسرى صانعة الفقاعات .. ااااااااه كم كانت الفرحة تغمره ولم تفارقه البسمة ابدا .. كان من اجمل الاشياء فيه هي تلك البسمة الجميلة التي لا تأبى ان تفارقه ابدا .. أتدري بان محمد لا يحب ان اُغتصب ابدا كان يلهو فوقي يداعب حناني ينام على ظهري ..
( وتبكي الام بكاءًا كثيرا ولم يستطع خليل ان يتحمل فاجهش هو كذلك بالبكاء وكانت لحظة عصيبة ) وبعد هنيه من الزمن اكملت الام سرد حكايتها وقالت لخليل : لو ترى كيف كان محمد شغوفا للعلم … كان دائما يخاطبني ويقول اماه متى اكبر واصبح جنديا لكي ادافع عنك واقتل كل غبي دنسك …
فمتى يحين الوقت واحمل السلاح لأكافح من اجلك واخرج الاغبياء من بيتنا … كان يقول لي دائما بانه يحب ان يصبح من احسن الاطارات في الخدمة العسكرية ولكن بفعلتهم الدنيئة فقدت محمد واحترق قلبي حسرة عليه …
كان محمد جالسا هناك( وتشير بأصبعها الى جدار المدرسة ) بالقرب من ذلك الجدار الابيض وكان يحب الرسم عليه كثيرا رغم انه في سن مبكرة … كانت لديه موهبة وانامل ابداعية عجيبة .. يتلذذ بالريشة في الورق ويتففن بالألوان في الجدران .. وكم يهوى الرسم الثائر دائما تجده يبكي عندما يرسم … أترى يا خليل ( وتشير الى احدى الرسومات التي رسمها محمد على ذلك الجدار ) تلك اللوحة الثائرة هناك بين صورة الدم الكثير ودموع الورد المنهمرة .. يجيبها خليل والدمع يذرف دون سابق انذار : نعم يا اماه اراها … ( رغم صلابته الا انه لم يستطع ان يتمالك نفسه وأجهش مرة
اخرى بالبكاء وذهب مهرولا الى ذلك الجدار وهو يبكي وينادي .. يا محمد والله والله والله لن اترك دمك يذهب سدى .. سأنتقم لك يا محمد .. اِعلم انني لن ارحم الاغبياء الذين اخذوك منا .. اعلم يا محمد – وينادي بصوت عال – ان كل قطرة سقطت منك سأجعلها ذكرى للأغبياء وسأجعل دماءهم تسقط كم تتساقط الامطار … وسأبني لهم اكبر الاودية واجعلها تسيل الى بحر الانتقام … سأصنع من عظامهم اسلحة افني بها من خطفك من الحياة الجميلة التي داعبتك في اول بدياتك .. سأرسمك في كل مكان اذهب اليه …
واجعل العالم يعرف معنى الاخوة .. معنى الحرية .. معنى الامل .. معنى السعادة
( ثم بصوت خافت وهو يبكي مرة اخرى– نم وارتاح يا محمد وسنلتقي في جنة الفردوس ان شاء الله )
ثم استدار وهو ساقط على الارض مخاطبا امه : أتدرين يا اماه لن اتسامح مع أي غبي استفرد بتفننه في خطف اخوتي ..
سأكون اكبر كابوس مزعج في حياتهم .. سأكتب لهم رسائل الوداع وارسلها لهم مع ملاك يوصلها اليهم في كل حلم يرونه .. سأكون ذلك الخفاش الاسود وذلك البوم الحزين وذلك الاسد الثائر .. سأجعل ايامهم كلها سواد في سواد ..
لست أرى في هذه الدنيا شيئا يسير بخطى ثابتة ولم أجد بدخلها أي شيء يفرح .. سوى الدموع والألم والحزن والكلام المحطم ولم أحس لا بالحنان ولا بالسلام ولا بالأمن .. عجبت لأمري ولم أجد نفسي من كل هذا رغم أني بحثت كثيرا وسالت العديد من الأشخاص عن سر السعادة فكل واحد يجيبني بجواب مختلف، فعجزت على ان اكمل سيري فوق هذ الحياة المؤلمة ، سأستسلم دون قيود او شروط وبعيدا عن الالم والحزن الذي جرني الى ما لا احبذه وما لا اطيقه ..
حكايتي طويلة وسردها يؤلمني ويزيد في فتحة الالم ولن يشفي جراحي لأنني قررت اني سأنسى الالم والحزن وكل ما يضرني وافتح صفحة جديدة مليئة بالأمل والحب والتفاؤل …
… هي جملة ختم بها كلامه وأكد تلك المقولة القائلة ” ختامها مسك ” هي حالة هذا الإنسان المتألم والحزين ، شخص تعذب كثيرا في دنياه ولم يعرف معنى السعادة ولو للحظة ..
عاش حياة جد تعيسة في شتى مجالاتها وعايش كل أنواع البشر .. تربى بين جدران مخربة ومتنصلة عن اسم الأمن .. شب في أجواء ملئيه بالشحنات الكهربائية أي بمعنى حروب ودمار وقتل ودماء وأشلاء متناثرة في كل مكان ورؤوس معلقة فوق سطوح البيوت ورصاص يطلق ومدافع تدوي وقنابل تتساقط كالأمطار وحبال تشنق الأجسام ورجال تجثوا على الركبِ ونساء تغتصب أمام المرء وأطفال تقطع إلى أجزاء وشيوخ تحرق في المزابل و عجائز تصلب بالقرب من الطرقات وحيوانات تشوى في الفرن وأخرى فوق الفحم وعلى نار حمئة وطائرات تحلق فوق المرافق ومستعمر يتفاخر بالحرب ويزيد من قوته ولكن …؟
اتى ذلك الزمان الذي تقرر فيه الانسحاب وترك المجال إلى غيرهم فخرجوا بأضرار كبيرة ولكن اخذوا ثروة الشعب وحيروا الناس في معيشتهم فجعلوهم يأكلون الحشائش الخضراء ويشربون – بولهم – وفي بعض الأحيان يموتون من كثرة الجوع وغياب المؤونة ولكن … ؟
مرت تلك المحن واستقل الشعب رغم الألم والدموع الكثيرة والدماء التي سالت كالأنهار والجوع والعراء والأمراض إلا أنهم أتوا بحريتهم رغم كل هذا ففرحوا كثيرا وأعلنوا احتفالات كثيرة ومتنوعة رغم بساطتها ورغم الفقر الذي يعيشونه إلا أنهم أبوا على الاحتفال بعد عقود من الاحتلال فلوا تحسب كم المدة وتعيش أيامها وآلامها وحزنها وتعاستها سترى بأنها طويلة ولن تنتهي ولكن … ؟
هذا الشعب القوي أبى أن لا يستسلم وضحى بابناءه وعائلاته من اجل أن يرى بصيص الأمل ونسمته ولكنه حقق هذا الشيء وفرح واستمرت أفراحه إلى مدة قصيرة رغم انه اخرج المستعمر عنوة كما دخل عنوة ولكن … ؟
لم يحبذ الحزن تركه وأعاده إلى دوامة التعاسة والحزن والألم ، وبقى ينخر كل أماله التي انتظرها بعد مدة لا تقل عن 132 سنة من الحروب والاحتلال والدمار والتخريب ورغم انه نعم أخيرا بالاستقلال وفرح لمدة ولكن … ؟
أتت إليه تلك العشرية السوداء التي حطمة قلوب الألف من العائلات وأسقطت الألف من الضحايا وأدخلت الرعب إلى نفوس البراءة وأرعبت الصغير والكبير وحطمة قلوب الأمهات وسرقت حلم البراءة في ان ينعموا بغد أفضل … هي أيام وسنين عصيبة شهدها شعب أبي مكافح وشهم هو شعب الرجال المغاوير والأبطال .. شعب لا يهاب الموت ولا يهاب أيا كان .. مع انه استمر في دوامة الحزن إلى شوط إضافي كان من أصعب الأشواط في حياته مع العلم انه تألم كما سبق الذكر 132 سنة ولكن كانت أصعب مرحلة هي مرحلة العشرية السوداء لأنها أتت بطريقة لم يكن متوقع حدوثها أو بمعنى أخر لم تكن في الحسبان ولا احد من هذا الشعب كان يتوقع أن يحدث ما حدث وتكمن صعوبتها لأنها أتت من أبناء الوطن الواحد الموحد .
ولكن … ؟
اكتملت تلك العشرية وأعطت درسا كبيرا للعالم بان الشعب اذا قرر واصر فلن يتراجع ويتنازل بل لا يعرف كلمة الاستسلام ولا يعرف معنى الحقد على أخيه .. فلولا الاتحاد والحكمة التي امتاز بها هذا الأسير لما خرج من دوامة لن تنتهي إلا باتحاد أبناء الوطن الواحد بالرغم من أنهم مروا بأيام عصيبة ومواقف أليمة خاصة خارج الوطن وكانت أصعب المواقف التي عاشها هذا الأسير هي عبارة ” أنت جزائري ، إذا فأنت إرهابي ” وعزل هذا الشعب الأبي عن العالم طوال هذه العشرية السوداء ..
ولكن … ؟ عرف كيف يخرج من الأزمة وبنى من تجربته مستقبلا زاهرا ومشرقا وزادته هاته التجربة صلابة وحكمة وعلمته معنى الأخوة ومعنى الوطنية ومعنى الأمن والسلام بالرغم من كيد الكائدين إلا أن الأسير تحرر من عقدة الحزن وقرر أن يفتح صفحة جديدة وان يترك الماضي عبارة عن تجربة وممهلة مر عليها .

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى