ط
مقالات فتحي الحصري

شريهان التى لايعرفها أحد .. من كتاب مذكرات ( عاشق الكاميرا ).لفتحى الحصرى

كثيرون هم الذين يرون في شريهان تلك الفنانة الموهوبة والبنت اللهلوبة ولكن الكثيرين – أيضًا- لا يعلمون شيئًا عن شريهان الإنسانة..!

أنا لا أزعم أني كنت من الأصدقاء المقربين لها ولكني أيضًا تعاملت معها كثيرًا وأزعم أني أعرفها أكثر من غيري.. كنت قد إنتقدتها في إحدي المرات من خلال عمودي الصحفي الأشهر ( برقيات ملونة) بمجة ألوان اللبنانية ولم تكذب هي خبرًا ففوجئت بإتصال من مدير أعمالها ( جمال ) يخبرني أنها تريد محادثتي.. الحقيقة أني ترددت كثيرًا في الذهاب إليها فتلك المرة الأولى التي نجلس فيها وجهًا لوجه وكنت أعلم أنها غاضبة مما كتبته..! وفي عمارة ليبون بالزمالك حيث كانت تقيم وقتها ذهبت إليها.. هي في الطبيعة كائن لطيف جدًا قابلتني بإبتسامة لم تفارق وجهها وظللنا نتحدث كثيرًا قبل أن أضع الكاسيت للتسجيل..! أنا لا أكتب إلا إن كنت مقتنعًا بكل كلمة أقولها ولا أتراجع عنها مهما يحدث..غير أن الجلوس مع شريهان يقلب لك كل الموازين. فهي ماهرة جدًا في إقناعك بما تريد وليس عليك إلا أن تصدقها وأنت تعلم أن ما تقوله ليس الحقيقة ولكنها شريهان المتفردة في كل شيء.. لقد استطاعت أن تجعلني أشعر بالندم علي كل كلمة كتبتها وانتقدتها فيها.. لهذا كنت لا أريد الذهاب إليها كنت أعلم جيدًا أنها سوف تقنعني بما لا أريد فتلك هي شريهان. الأمر الآخر الذي لا يعرفه أحد والذي من أجله وقفت معها العناية الإلهية كثيرًا في سائر المحن التي مرت بها وما أكثرها أني علمت ومن مصادر بعيدة عنها تمامًا أنها ترعى الكثير من ذوى الاحتياجات سرًا وتتكفل بكل احتياجاتهم وهو أمر لا يعرفه الكثيرون عن شريهان..!

اليوم هو شم النسيم وقد دعاني صديقاي حمادة وصلاح وهما من أصدقاء شريهان والفنان سامي العدل للذهاب مع شلة كبيرة لقضاء يوم في عزبة بالمنصورية بعد الهرم لأكون مصورًا أيضًا لهم في تلك الرحلة وبالفعل ذهبنا مجموعة كبيرة.. اليوم كان مبهجًا ورائعًا الكل يمرح ويغني وهذا يقوم بشواء وآخر يأت بفطير مشلتت.. وهناك علي البعد لمحتها تلبس ملابس سوداء فقد كانت والدتها السيدة عواطف قد توفيت منذ فترة قصيرة وما الرحلة إلا لإخراجها من حالة الحزن التي تسيطر عليها…! وحيدة تائهة. تحلق في سماوات خاصة بها.. كانت منفصلة عن واقعها حين رأيتها في هذا الوقت. وعلي أرجوحة من الحبال ومقعد خشبي جلست وأمسكت بالحبال وأسندت رأسها علي إحدي يديها وكأنها تهرب من عالمها وتريد أن تحلق بأعلي… ملابس سوداء ونظارة سوداء وطفلة في جسد فتاة كبيرة.. كانت حالمة ترتفع مع الريح تارة وتهبط تارة أخرى.. جلست أمامها أرقبها وأتابع صعودها وهبوطها.. وظللت أسال نفسي أيعقل أن تكون تلك الطفلة الصغيرة هي البنت الشقية والفنانة المتغطرسة أحيانًا..؟ هذا هو الجانب الذي لم يلمسه أحد في شريهان.. الطفولة الكامنة بداخلها التي لم تشعر بها يومًا فقد امتهنت العمل وهي طفلة صغيرة أعلم أنها قاست كثيرًا وابتهجت كثيرًا..غير أن الطفلة بداخلها كانت تواقة دومًا للخروج والانطلاق دون قيد.. الأرجوحة تعلو بها قليلًا عن الأرض ثم تهبط وهي وكأنها غير موجودة إنتقلت فجأة إلي عالم آخر عالم تلهو فيه مع طفلة مثلها أكثر من نصف الساعة وأنا أرقبها ولم أجروء علي استعمال الكاميرا إلا مرة واحدة لتصويرها.. أردت أن أتركها لعالمها أطول فترة ممكنة فقد شاهدت وقتها شريهان التي لا يعرفها أحد..! الوقت يمضي وحان وقت العودة وفي الطريق كانت ملاهي كوكي بارك في آخر الهرم تتلألأ بأنوارها فأبى الجميع إلا أن يستكملوا يومهم بالملاهي وقد كان.. تأرجحنا مع الأرجوحات الدوارة التي اصابتني بالرعب. فأنا مصاب بالخوف من الأماكن العالية وتصادف أنها هي من كانت خلفي فراحت تدفع الأرجوحة بقدمها لتستمتع بهلعي وهي تضحك كطفلة وفي نهاية الأسبوع كان مقالي الذي أحببته كثيرًا والذى أعجبها حتى أنها قالت لى أنت الوحيد الذى عرف مابداخلى . مقالك ابكانى كثيرا المقال الذي حمل عنوان ( شريهان التي لا يعرفها أحد )..!

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى