ط
مسابقة القصة القصيرة

صاحبة الظل الطويل مسابقة القصة القصيرة بقلم / عبد الصمد الزمراوي .من المغرب

الاسم الكامل : عبد الصمد الزمراوي .
فئة: القصة القصيرة. البريد الالكتروني : [email protected]حي شعالا رقم 68 . الناظور ، المغرب . صاحبة الظل الطويل
ظلام دامس في السماء , قمر حجبته السحب رغم بياضها, أحلام يعيش فيهاالنائمون-بعضهم على الأقل, كوابيس لا تفارق المتوجسين من ذلك الغد القريب , نباح الكلاب لا يفارق المكان , أشجار عملاقة نال منها الخريف, جدران كئيبة تتألم من شدةالإهمال, وطريق مهترئ نحته البشر و البغال و السيارات على حد سواء,وتلك الرائحةالكريهة التي لا تفارق الزاوية , صمت رهيب لا يعكر صفوه سوى زمجرة جاري السكير من حين لآخر, وأنا أحدق من النافذة العليا , نهاري تأمل وليلي تفكير وأحلام وهواجس قذرة , أعيش مع وحدانيتي التي التهمتني ,أفنيت سنة كاملة من عمري بين النوم والدراسة والحب , هذا الأخير كان عبئا ثقيلا على قلبي, استرجعت ذكرى طفولية تافهةفأدمنت العشق واغتربت عن والدي في سبيل فتاة بالكاد تعرفني طفلا .
كان عمري ثلاثة عشر سنة , تلميذاخجولا في إعدادية ابن بطوطة لا أعرف عن الحب سوى أن على قلب ما أن يخفق , ولأول مرة شعرت بخفقان غير عادي داخلي يوم رأيت سارة ,تلك الحسناء التي قلبت ساعات الدراسة المملة نشاطا وروعة , أهديتها وردةحمراء لكسب ودها ,لمحت ارتسامة على وجهها وأنا أبتلع ريقي حتى جف حلقي وابتسمت أخيرا ,كانت حبي الأول الذي لم تبدو أي بوادر لدوامه , غادرت تطوان ست سنوات ومع ذلك لم تغادر تلك الجميلة مخيلتي يوما .أعادتني ذكراها إلى تطوان مجددا وبرفقتي ابن خالتي محمد وفي بالي صورة فتاة مبحوث عنها بشدة, جلسنا في مقهى “السحب الزرقاء” بكورنيش المضيق, ومع كل رشفة من كوب القهوة أمامي أشعر بخفقان قلبي يشتد , رفعت الكوب فسمعت دوي انفجار لم يسمعه غيري , تبعثر فكري واجتمع الواقع بالخيال ولامست الأرض السحاب, سحبتني قوة ما من الكرسي ,بالكاد أسمع صوت محمد كهمس خافت غير مفهوم, انغلقت بوابات عقلي و أطلقت العنان لقدمي , فقد رأيت سارة أخيرا ,لم يفهم صديقي المسكين شيئا , تبعني وبدأ يكبحني ويتكلم عن الجنون وما إلى ذلك,أما أنا فقد غبت عن الوعي نهائيا, وأخيرا أوقفت سارة:
-مرحبا سارة, كيف الحال؟
قلبت عينيها في السماء إلى أن تلاقت وعيناي.
-عبد الصمد , مدة طويلة .. آ , أنا بخير,وماذا عنك ؟
-لم أكن يوما أفضل حالا.
-أين غبت كل هذه المدة ؟
-إنها قصة طويلة وقد عدت مجددا هنا للدراسة في كلية العلوم.
-جيد, بالتوفيق إذن.
شعرت برغبتها في الرحيل , فتحت فاهي منتظرا الكلمات فلم يخرج شيء ,تسمرت في مكاني إلى أن أنقذني صديقي بتربيتة على كتفي ,وبكل عفوية نطقت بكلمات لم أتوقع يوما أن أنطق بها :
-سارة , أنا أحبك ولم أنسك يوما منذ رحيلي .
قلبي يدق بشكل فوضوي بحيث ظننت أنها نهايتي,هب نسيم صيفي رائع فانسدل شعرها بانسيابية على كتفها الأيمن , وإذ برمح يحمل أسمى معاني الحقارة يخرج من فم التي استحوذت على فكري ليصيبني في هشاشة فؤادي :
-لا تكن غبيا فأنا لا أرغب فيك .
انصرفَت مخلفة الفوضى داخلي وإذا بصديقي يحاول التخفيف عني ببضع كلمات مبعثرة :
-كنت تستحق أكثر من مجرد كلام جارح كهذا , لقد تشجعت على قول ما لم أستطع قوله لفتاة أحببتها منذ مدة والآن لا أعلم مكانها حتى , صدقني , أن تندم على فعل شيء خير من الندم على عدم الفعل .
عقلي مشوش ومليء بالتساؤلات التي صبت كلها في خانة الألم الكلي , قبل هذه اللحظة كنت قد صنعت عالما من الأمجاد الكاذبة وصدقته ,كرهت الحقيقة التي تجعل كل شيء آخر يبدو زائفا , تمنيت لو كان هذا مجرد كابوس عابر , بالرغم من جمال وسمو الحب إلا أن مشاعر الكراهية والغضب هي التي لملمت شتات أفكاري حينها , سرت وصديقي كالأحياء-الأموات بلا كلام ولا نظرات , بين الهمس و الضجيج وجدت نفسي جسدا بلا روح أتغذى بسوداوية الأفكار , بلغنا المنزل ولم أستطع النوم , أشعلت المذياع وإذا ببرنامج عن إدمان بعض الشباب للمخدرات يروون ظلامية الحال التي كانوا عليها وكيف اصطلحت أمورهم بعد العلاج , أما أنا فقد ذهبت بعيدا بمجرد سماعي لكلمة”الإدمان” ,لأنني عشت الأخطر ,عشت إدمان الحب , هؤلاء الشباب على الأقل يستطيعون اللجوء لمراكز التعافي من آفاتهم. فأين سأذهب أنا ؟ لأنني لم أسمع يوماعن مركز لغسل القلوب.
مضت سنة كاملة وبدأ الجرح يلتئم , لكن أثر الندبة ظل واضحا , لم يكن الحب محور حياتي الوحيد , لكنه كان الأهم بدون شك , حاولت البحث مجددا عن فتاة تستحق التضحية , فتاة تسيل لعابي وتجمع شتات قلبي الذي دمرته سارة , الحذر والخوف كانا يسبقان كل خطوة أقوم بها ,أخاف من الوقوع في مصيدة الحب الأحادي مرة أخرى وأحذر من ابتسامة الحسناوات , ثورة مواقع التواصل الإجتماعية على الإنترنت جعلت التعارف أسهل مثل تنشق الهواء , أشعلت حاسوبي ذات يوم فتعارفت بفتاة بريئة لم تفسدها مجتمعات الماديات ولا سطحية الناس هذه الأيام ,منعدمة الثقة في النفس بجمال متوسط محترم .
-مرحبا أنا سلمى أعيش في فرنسا.
-أنا عبد الصمد من المغرب .
-ألا تجدني سمينة ذات وجه قبيح ؟
استغربت لسؤالها , تفحصت صورها فأجبت :
-لا على العكس , أنت جميلة ولديك قامة رياضية .
-لكن الأولاد والبنات يجدونني منفرة.
-العيب فيهم وليس فيك ,فهم يغارون لأنهم لا يستطيعون بلوغك, يتوجب عليك إثبات نفسك للعالم وأن لا تجعلي بضع أطفال عائقا في حياتك التي تستحق الكفاح.
أحببت النقاش معها لأنها كانت عفوية للغاية ولا تصطنع الأفكار ,بالرغم من أنني كنت محتاجا لمن يخفف عني ولم أرغب بشخص أخفف أنا عنه , تواصل حديثنا لأسابيع حتى لسعتني سلمى بكلمتين لم أستسغهما في الأول لأني لم أفهم قصدها:
-أنا أحبك.
اختلطت الأمور في رأسي ولم أعد قادرا على الفصل بين عالمي الإفتراضي والواقع الذي أخوضه , طوال حياتي وأنا أنتظر فتاة تبوح بحبها لي تعني ما تقوله ارتبت بعض الشيء , مراهقة تحبني ! قبل أن أرد أََردفت قائلة :
-أنت أول شخص يمنح أنوثتي مكانتها , وأول من غير معنى حياتي أناحقا أحبك , وأنت ؟
فكرت , هذه الفتاة مختصة في طرح الأسئلة العجيبة لكنني مع ذلك أعجبت بشجاعتها النادرة , استذكرت ما عشته من حب فاشل وكيف كان الجرح غائرا ,ربما لم أكن المجيب بل الشفقة هي التي أجابت :
-شيء عظيم أن أكون محبوبا , حسنا , ما دمت تحبينني فأنا أحبك أيضا.
-أنا أريد أن أكون معك الآن وإلى الأبد .
-أنا أكبرك بسنوات , ثم أنت بعيدة جدا ولم تري جانبي المظلم بعد.
-الحب لا عمر ولا حدود له .
هنا شعرت بنفسي أكذب دون أن أعي , ما دامت هي بعيدة آلاف الأميال فمن شبه المستحيل أن نلتقي , وأنا لن أخسر شيئا , مجرد تبادل لرسائل إلكترونية وتوجيه لفتاة مقبلة على الحياة حتى تعثر على حب حقيقي وتتقدم في درب شبابها , هي تستعرض علي الأشعار الفرنسية وأنا أرد بخطاب نثري وهكذا إلى أن تنتهي الحياة ,سؤال , جواب, حب , أكاذيب لا تعرف حدا , بدأت ولم أعرف متى ولا أين سأتوقف , خطر في بالي لحظتها قطار مشحون بطاقة لامتناهية وليس له فرامل , لا محطة وقوف ولا ركاب جدد فقط أنا وسلمى و الأكاذيب , ربما نبع ماقلته من تفكيري في الأسوأ , فانعدام ثقتها قد يدفعها للانتحار بمجرد سماعها كلاما قاسيا , فإذا كان العيش رفقة الصواب مدمرا , والحياة بمعية الخطإ حلوة فما أحلى الأخطاء , كان هذا منطقي الوحيد , كنت كلما أطفأت الحاسوب أعود إلى عالمي الفارغ ,في غالب الأحيان لم أكن أقوم بشيء عدا الإستلقاء على ظهري والتفكير في مسائل بعيدة عن كوكب الأرض بلا فائدة تذكر , صارعت الفشل لأنجح في دراستي , ونافقت مشاعري لأظل حيا في هذا الكون.
كانت ليلة سبت جديدة مع الوحدانية , أغمضت عيني ولم أستطع النوم , تصارعت مع السرير محاولا الحصول على بعض الراحة , أتقلب بين جنبي الأيمن والأيسر , على ظهري , دون جدوى , نظرت إلى السقف المضاء بنور خافت يلج الغرفة من الخارج وبدأت أستذكر لحظات جميلة عشتها ,ابتسمت لمدة ليست بالقصيرة إلى أن تذكرت أول مرة رأيت فبها سارة وقد كانت ملطخةبالبيض الفاسد الذي رماه عليها بعض الأولاد أمام الإعدادية , ضحكت بشكل هستيري حينها ولم أعلم أن نفس الفتاة التي جعلتني أضحك بجنون ستحطمني بكل قسوة ممكنة .أما الآن فأتمنى لو أصاب بفقدان الذاكرة لأستطيع الإحساس بالحب من جديد. سرعان ماخرجت من دوامة الأفكار تلك, فنهضت من على السرير مرتجفا من شدة البرد ,التحفت معطفا طويلا واتجهت صوب النافذة , نظرت إلى السماء الجميلة والنجوم التي لم أرهامنذ مدة , ففكرت مجددا , كيف يعقل أنني أغفلت جمال هذا الكون وروعته ؟ ارتميت على السرير مجددا فنمت كطفل لا هم لديه , استيقظت على رنين هاتفي المحمول وأنا مخدر بعض الشيء .
-ألو , من معي ؟
-هذه أنا سلمى , ما الجديد ؟ أعتقد أنني أيقظتك من النوم.
رأسي ثقيل ومخي بالكاد يعمل, أجبت بنوع من التلقائية :
-سلمى من ؟
-نسيتني بكل هذه السرعة ؟ أنا حبيبتك سلمى هناك مفاجأة تنتظرك في محطة الحافلات بتطوان .
فكرت , يا لها من مهووسة مجنونة ! تتصل باكرا لتخبرني بهذا , ما المفاجأة التي تنتظرني ؟ ربما أرسلت نسيما عابرا للقارات حط بمحطة الحافلات .
-حسنا , سأذهب بعد قليل هناك , إلى اللقاء.
غيرت ملابسي وأكلت فطورا خفيفا ثم اتجهت صوب المحطة للحصول على”جائزتي الكبرى” .دخلت باب المحطة الكبير , التفت يمينا وإذا بكف مرفوعة تشير نحوي , اتجهت صوبها حتى رأيت سلمى بذاتها واقفة أمامي , بدأت أدعو القدير أن يكون هذا حلما لم أستيقظ منه بعد , شعرت بقبلتين على خدّي وبكف رقيقة على كفي وإذابها تنطق أخيرا :
-ها قد تحقق حلمي وها أنا برفقتك .
-واو , هذه فعلا مفاجأة كبيرة لم أعهد مثلها . كيف استطعت المجيءمن باريس وحدك ؟
-جئت رفقة صديقة لي سأعرفك بها في المساء.
-أنا سعيد بكونك هنا .
كنا نتحدث ونضحك , وكنت سعيدا للغاية لأنني شعرت بإطراء شديد منقطع النظير ,تجولنا بالمدينة وأحسست بطعم أروع لكل مكان كنت مارا به , تغذينا بمطعم صغير كنت معتادا على ارتياده إلا أن كل شيء بدا جديدا , فسَلَطتهم التي كانت سيئة في أي يوم آخر ,أضحت رائعة لا تقاوم بحيث أقبلت عليها كمجنون لم يأكل منذ أيام .
هذه الدراما الغريبة هي في الواقع حياة أعيشها , فكل الآلام الأولية التي اعتقدت أنها لن تزول وكل “الأخطاء” التي اقترفتها ,بل وأبسط الجزئيات التي كونت شخصيتي لاقتني بأشخاص قساة لا إنسانية لديهم , وبأشخاص قد أفعل المستحيلات لأجلهم كما هم مستعدون لفعلالمثل , كل معانات , كل صبر , كل ثانية , لا شيء يذهب سدى , وقد لا يرى الإنسان السعادة حتى يرى اليأس , فحتى أجمل الورود مليئة بالشوك . لا يتعين على الناس كبت مشاعرهم ولا اتباع أهواء المجتمعات الشمولية , أن نتقبل الاختلاف أمر سامٍ للغاية, فالحب دمعة وابتسامة كما قال جبران خليل جبران , والحب عند بيكاسو خليط من الأشكال والألوان , أما بالنسبة لي فالحب هو الحياة التي نعيشها والتفاصيل الرائعةالتي نغفلها , الحب هو كل ما في الصداقة النقية , الحب هو نواة الأمومة , والحب باختصار أكثر من مجرد كلمة.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى