قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خَيرُ النَّاسِ قَرني، ثمَّ الَّذينَ يلونَهُم، ثمَّ الَّذينَ يلونَهُم، ثمَّ الَّذينَ يلونَهُم ثلاثًا ،ثمَّ يجيءُ قُومٌ مِن بعدِهِم يتسَمَّنونَ ويحبُّونَ السِّمنَ يعطونَ الشَّهادةَ قبلَ أن يُسْألوها) الترمذي، 2302، هكذا قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن جيل الصحابة والصحابيات، الجيل الأول الذي زُرعت فيه عقيدة الإسلام، وقِيَمه، ومبادئه، ورافقوا ولازموا الرسول عليه السلام حتى استطاعوا نشر الإسلام في كافة المعمورة.
لعبت الصحابيات دور البطولة في جميع مراحل نشر الدعوة الإسلامية، بدءاً من تلقّي الأوامر والأسس عن الرسول عليه السلام، وتطبيق ونشر هذا الدين، والحفاظ عليه، والدفاع عنه، والتصديق لصاحب هذه الرسالة العظيمة. لم يقتصر دورهنّ على ذلك، بل شاركن في الغزوات جنباً إلى جنب مع الرسول في مواقف مضيئة يشهد لهنّ التاريخ بذلك، حتى ظهرت أول ممرضة في التاريخ إلى جانب الرسول عليه السلام في إحدى الغزوات. ولا ننسى فضل باقي الصحابيات اللواتي قدّمن لنا أفضل مُثُلٍ عُليا نهتدي بنهجهنّ، وليكنَّ نبراساً لنا في هذا الطريق.
سوف أعد سيرة لإحدى الصحابيات الجليلات اللاتي كان لهنّ بصمةً واضحة، ونموذجاً مُضيئاً في التضحية والثبات. لمعت أسماؤهنّ في تاريخنا، نذكر منهنّ:
أم ورقة المرأة الشهيدة:
أم ورقة المرأة الشهيدة، ابنة عبد الله بن الحارث بن عويمر بن نوفل الأنصاري، كُنيتها أم ورقة بنت عبد الله، ويقال لها أيضاً بأم نوفل. كانت من النساء العظيمات اللواتي دافعن عن الإسلام بكل ما أوتين من قوة، وكان -عليه السلام- يناديها وهي بالشهيدة؛ فقد كان يقول لأصحابه: (قوموا بنا نزور الشهيدة)، فلما غزا بدراً قالت له: (ائذن لي أن أخرج معكم، أداوي جراحكم، وأُمرّض مرضاكم، فلعل الله يهدي بي إلى الشهادة)، فقال لها النبي -صلي الله عليه وسلم-: (إنّ الله يهديك الشهادة، وقرّي في بيتك فإنّك شهيدة). كانت ممن جمعوا القرآن، وطلبت من الرسول عليه السلام أن يُحضر لها مؤذّناً يؤذّن في دارها، فقد كان بيتها منبع للإسلام. قُتلت على يد جارية وخادم لها حين غمّوها وقتلوها، وقد افتقدها عمر بن الخطاب، حيث افتقد قراءتها للقرآن، حتى إذا جاء بيتها وجدها ميتة، وأمسك بالجارية والخادم واعترفا بقتلها.
أم حرام بنت ملحان النجار الأنصارية الخزرجية:
أم حرام بنت ملحان النجار الأنصارية الخزرجية، زوجة عبادة بن الصّامت الذي شُهِدَ له بالورع والفقه، وشقيقة الغميصاء أُمُّ سُلَيْمٍ بنت ملحان، إحدى النّساء الفاضلات المُبشّرات بالجنة اللاتي تركن أثراً مباركاً في عصر النبوة، وهي خالة الإمام أنس بن مالك، وشقيقة البطلين الشهيدين حرام وسليم اللذين شهدا بدراً وأُحُدَاُ، واستُشهدا في يوم بئر معونة. عُرفت أم حرام بحبّها للشجاعة والجهاد، وكانت قد طلبت من الرسول عليه السلام أن يدعو لها بأن تموت شهيدة، وحين حلم الرسول عليه السلام أن جماعة من أمّته عُرضوا عليه في منامه أنهم شهداء البحر، وقد حَصَلت على ذلك حين خرجت مع زوجها عبادة غازية في البحر، فلما وصلوا إلى جزيرة قبرص خرجت من البحر، فقربت إليها دابة لتركبها فصرعتها فماتت، ودُفنت في قبرص، وسُميّت شهيدة البحر. اشتُهرت بالعلم، والفقه، ورجاحة العقل. ويقال إنّ الرسول عليه السلام كان يُحبّ أن يكرمها أحياناً فيذهب ويُصلّي في بيتها.
فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون