قصة قصيرة
صدى الماضي
ليلة الثاني و العشرين من فبراير سنة ألفين و أحد عشر ، رياح تحملني بين شوارع و أزقة مدينة مظلمة ، صوت الظلام يصدح في أذني ألماً، أبحث عن القمر خلف السحب السوداء ، هزيز رياح يفقدني القدرة على الرؤية .
أحمل حقيبة بين يدي ، أتساءل من الذي أتى بي إلى هذا المكان ، المليء بالأحجار والتماثيل .
يقف بجواري بجسده الشامخ و لباسه العجيب من جلد الفهد و على رأسه تاج نصفه أحمر و الآخر أبيض يقبض بيمينه على عصا الراعي .
تملكني الخوف ، همهمت من أنت ؟
ابتسم أنا الفنان ( بتاح حتب ) ألم ترى تاجي المزدوج .
– العرق يتقاطر من جبيني أزدرد ريقي الجاف ، لم أبصر إلا عفريت من الجن.
– أكفهر وجهه ، أنت تحمل رسالتي التي أرسلتها لك عبر آلاف السنين و تجهلني الآن ، مد يده القوية أمسك بالحقيبة التي بيدي المرتعشة أخرج منها ورقة البردي التي وجدتها في غرفة بباطن الأرض و أنا أحفر بداري ، دفعها إلى وجهي، اقرأ .
أفحص الورقة و ما بها من رسومات ، رفعت عيناي كالأبله ، ما أنا بقارئ هذه السطور العجيبة ؟ ..
أمسك عني الورقة و قال بصوت صداه جعل أوصالي ترتعد ، (( القلم سلاحك الذي وهبك الإله إياه وخصك به و ميز به مكانتك بين الناس فاحتفظ به نظيفا و لا تعره لعدوك و لا تدع يدا تحركه غير ضميرك )) .
شعرت بضيق من كلامه .
– بصوت أمر أسمع عنى أيضا ، (( أبنك أمانة ، علمه آداب الحديث ، كي يكون مثالاً لأبناء العظماء، و تكون الطاعة رائده، فليس هناك من يتعلم من تلقاء نفسه )).
– تعجبت ، أبن من أنا لم أتزوج بعد .
– جذبت من يده ورقتي أعيدها إلى الحقيبة هذه ثروتي فدعني و شأني ، هذه الورقة تركت أرضي بورا و بطني جائعة و أنا أبحث عنها إنها أرثي الذي وهبته لي الطبيعة .
– أتبيع لي هذه الورقة .
– لا هناك مشتر سوف يدفع لي بالعملة الصعبة .
– بكم قنطار من الحبوب تبيعني إياها .
– ضحكت ، حملت ورقتي و انصرفت عنه بين شوارع المدينة الخالية أبحث لي عن المخرج فكل الشوارع متشابهه ، تتعثر قدماي بتلك الأحجار ، سقطت في حفرة عميقة وجدت بها دهاليز سرت أبحث عن طوق نجاه . أذ بالخفافيش تخرج من هذه الدهاليز لتطاردني حاولت الفرار مهرولا في أي اتجاه دون أن أفكر ، همي هو الهروب اعتراني التعب و لم أصل إلى نهاية هذه الدهاليز اختفت الخفافيش ، أنفاسي متلاحقة سقطت على الأرض ، فاقدا للوعي ، أخر شيء أذكره تشبثي بالحقيبة خوفا من أن أفقدها .
في ركن بعيد جسدي ملقي خلف هذه الصخرة الكبيرة ، جذبتني أضواء لفلاش كاميرات كثيرة أجانب تصور في منطقة معبد أبو سمبل ( قدس الأقداس ) تصورة لحظت التعامد على التماثيل الثلاثة.
لا أدري كم من وقت مر علي ، لمحنى أقترب مني يلكزني بقدمه ، أيها الشحاذ ألم تدري أن اليوم هو المهرجان و العالم كله ينظر إلينا من أين أتيت ؟؟.
– تتفحص عيني صورة الضابط ، و ما زلت تحت سلطان الدهشة ، أمسك بالحقيبة يفتشها أخرج منها تلك الأشياء الغريبة عني ، بعض من حبوب القمح و قلم بوص و بَراية للقلم .
نظر لي يستحقر ملابسي الرثة و وجهي المتسخ المتعب ، مشيرا إلى أحد جنوده بأن يصطحبني إلى سيارة الشرطة ، ذهبت مع الجندي و عيني ترقب على جدار حائط المعبد الرسومات التي كانت على ورقة البردي منقوشة على الحجر .
سألني الجندي عن أسمي و بلدي ؟ .
– قهقهت ، أنا الإله ( بتاح حتب ) أما بلدي !!…
إنهاء الدردشة