** صــــوت الــمــونــالـيــزا ** قصة قصيرة
بقلم / اسلام أبوالحسن
————————————————–
(تــنــهــيـــد)
نادى متعهد الحفل على اسم الشاعرة الشابة لتمتع الحاضرين بقصيدة تلقيها على الملأ.
جالت الأنظار في المكان تمسحه مسحاً بحثاً عن صاحبة الاسم العذب الذي يترقرق رومانسية وعذوبة.
تنْــ …. ــهِــيـــد
خرجَت من بين الجالسين فتاة شابة يانعة في ربيع التسعة عشر عاماً، بدت وكأنها ظهرت من العدم حيث لم يكن أحداً يراها في جلستها بين مقاعد الحاضرين من ضآلة جسدها والذي رغم ضآلته يتصف بالاتساق والتجانس؛ فلا هي نحيلة ولا هي ممتلئة الجسد لها عينان تحملان حزناً رومانسياً يذكرنا بأغاني (عبدالحليم حافظ) حينما يتغزل في عيون الفاتنة (مريم فخر الدين)، لها شفتان يصعب رؤيتهما من دقة ملامحها المنمنمة المنمقة، تركت الطاولة في خفة العصفور عندما يرتعد من البرد كأنما فاجئها نطقه باسمها رغم انتظارها الطويل لدورها، تحركت بين الحشود الجالسة تتحاشى نظراتهم إليها في خجل طفولي، وقد زادتها نظراتهم التي تتابعها في نهم وشغف بالغين ارتباكاً وتوتراً وجعلت المسافة حتى المسرح أشبه بطريق طويل من الأشواك الشائكة.
بعد جهد جهيد أحسَسْتُ أنها قد بذلته بخطواتها الصغيرة المرتبكة وصلت أخيراً للمنصة، ثم استدارت للجمهور الغفير المنتظر المتلهف لسماع هذا العندليب الصغير.
نطقت وكان كلامها همساً رقيقاً ناعماً، كنغمات بيانو هادئ الألحان:
**************
وياك أنا..
عايشة واموت وياك
الجنة حلوة..
لو ح تبقى معاك
**************
خرجت كلماتها جميلة رائعة الهمس مرهفة الحس .. كألف قصيدة شعرية رقيقة
**************
مقدرشي يوم
أبعد وأسيب حضنك
يا اللي عرفت الحب يوم بهواك
**************
همساتها أخذت قلوب الحاضرين بلمسة حنونة من شفتيها الجميلتين
**************
دوّرت يوم ع الجنة أعيش فيها
ما لقلتي غير حضنك يحليها
**************
تهمس وحروف أبياتها تخرج من بين شفتيها هائمة حائرة محيرة قلوب الحاضرين….
**************
والعمر يرجعلي من الأول
لو عشت بيكْ وحياتيْ حَ الاقيها
**************
تخطف الأسماع وعينيها تجول في عيونهم تخطف القلوب….
**************
دوّرت والدنيا تدوخني
عمري ما عشت حنان يفــرّحني؟!!
**************
ينظر بعض الحاضرين ينظرون لبعضهم كانهم يبحثون عمن تحدثه بهذه الهمسات أما البعض الآخر يتهامس بصوت مسموع خفيض يرد على كلماتها كأنها تحدثه وحده
**************
غير كلمة حلوة قولـتـها ف حُـبَّــك
هيه اللي نسيتني اللي يجْـرَحْــني
**************
إذا كان بإمكاننا أن نسألها من أين أتت بكلماتها العذبة الحانية، فكيف بإمكاننا أن نسألها عن هذا اللحن الموسيقي في صوتها، والذي يذكرنا بألحان الموجي وعبد الوهاب والسنباطي.
**************
يا حب دفينا وخبينا
خلّى الحنان ف عْينيْه يكفّينا
ياْ أحلى كلمة معاه بتوحشني
وانا شوقي ليْه دايما يغنيها
**************
تنتهي قصيدتها، ولا ينتهي شعور الآخرين، تشكر الحاضرين وعيونهم تفضحهم بحاجتهم للمزيد، وقبل أن تعود إلى طاولتها تلتفت بعيناها نحو أحد الجالسين في الركن…
تتلهف القلوب لمعرفة الحبيب الحاضر بين الجالسين…
تلتف الرقاب كلها لنفس الركن…
ثم نجده …
الخدين المحمرين من الخجل…
والابتسامة الطفولية التي تجمع بين الفرح والتوتر من الأنظار الملتفتة.
لقد عرّفنا بنفسه من خجله الواضح
يجلس وحيداً على طاولته بلا شريك.
فالرفيقة الوحيدة التي يتمنى مشاركتها له تفضل أن يكون بعيداً عن القلوب والأنظار لأنها نجمة الحفل ولا تريد أن يعرفه أحد، ليبقى سراً لقلبها لا يطلع عليه أحد.
كم حسدته عشرات القلوب الجالسة على ثمرته الطازجة اليافعة!!
وابتسمت بيني وبين نفسي ابتسامة كبيرة، وعدت بجلستي للوراء.
لقد ظن كل من سمعها ونظر إليها كأنها تحدثه هو وكأنها تناديه هو!!
ولكن هو وحده الذي اختاره قلبها بين كل القلوب .. هامت به نفسها من بين النفوس.
لقد كانت معجزةٌ رومانسيةٌ رغم صغر سنها وضآلة عودها الممشوق.
كأنّ الموناليزا حية دبت بها الروح وسكنت جسد هذه الفتاة ..
فكما كانت الموناليزا تجعلك تشعر كأنها تنظر إليك من أي زاوية كنت تنظر لها منها، فقد كانت عينيها الجميلتان الصغيرتان الساحرتان تفعل الشيء نفسه، وشفتاها الدقيقتان المنمنمتان تخلع القلوب بلهفة إليها وتحرك النبضات مع تحرك شفتيها.
لقد جعلت الجميع ينظرون إليها وظن كل واحد منهم أنها تحدثه هو
ولكن الذي جذبهم وسرق انتباههم لها ليس جمالها – رغم حسنها الواضح – ولكنه صوتها العذب بنبراته الهامسه.
صوت الموناليزا……
——————————–
قصة وشعـر/ اسلام أبوالحسـن
اترك تعليق