صورة أبي
لم أره إلا في حكايات أخي وأمي وصورته الملعقة في صدر البيت، كثيرا ماتحسست تفاصيلي في المرآة …أنا هو دون شاربه، عيون ضاحكة ملونة تقرأها بكل كلمات التفاؤل، لايصدمني مايحكيه أخي الكبير عن عيشه المؤلم وكفاحه لتربيتنا فكانت أمي تغلف تلك الحكايات بحبه الجميل لنا ومصابرته رغم ماكان يصر لها به في غرفتهما بقرب دنو أجله وهو في أواخر الأربعينات ، كان صوته عذبا سمعته يغني في “شريط كاسيت ” سجله له أخي حين غفلة وهو يدندن بقصة “أبوزيد الهلالي” ، أصبحت تلك الصورة حياتي ، أحدثها ، أبُث لها مافي قلبي حتى ظننت أنها تبادلني نفس المشاعر في أي مكان أنظر إليها تنعكس على عيني نفس الحب ، حتى حين كان يغلبني النوم على الكرسي المقابل أشعر بيديه تداعب شعري تتلمس جفوني المرتخية لتبتسم شفتاي وأكون بداخل الصورة يداعبني، يهددهدني، ينصحني… يزمجر أحيانا ويوبخني لتصرف خاطيء قمت به ، لم أزره يوما في قبره لرفض أمي وخوفها علي تفننت في الحيل للوصول لقبره شعرا بي وبما يدور في قلبي ،نزعا الشاهد من المقبرة حتى لا أعرفه ، حتى كان عزاء أحد الأقارب تسللت مع الجميع لمكان المدافن ، لم يشعر بي أحد ، سرت في طرقاتها أبحث عن أبي ، أهمس : أبي أين أنت ؟ قدماي تمنعني وقلبي يشدني قائلا هو في إنتظارك … لكن أين هو ؟ يأست قررت الرجوع ، التفت رغما عني حين شعرت بنفس ملامحي تقبل رأسي وتدعوني للراحة قليلا حتى يأنس بوجودي ، إرتميت وخلفي باب لمقبرة قديمة ووردة بيضاء تداعبني بها نفس رائحة الصورة .
