ط
كتاب همسة

طاهر شريعة في ظل شجرة الباوباب..بقلم الناقد السينمائى ياقوت الديب

 

Untitled-1 copy

في إطار الاحتفاء والاحتفال بـ “أيام قرطاج السينمائية” ، عرض الفيلم التسجيلي الطويل (71ق) ، “طاهر شريعة في ظل شجرة الباوباب” للمخرج التونسي “محمد شلوف” ، ضمن فعاليات مهرجان “الأقصر للسينما الإفريقية” في دورته الخامسة لهذا العام 2016 ، برئاسة السيناريست “سيد فؤاد” وإدارة المخرجة “عزة الحسيني” … أهدي “شلوف” فيلمه للسينمائيين الثلاثة الكبار: “يوسف شاهين” ، “عطيات الأبنودي” ، و “توفيق صالح” ، وعرض تكريما لأحد وأهم رجال السينما في قارتنا السمراء ، “الطاهر شريعة” مؤسس مهرجان قرطاج ؛ أقدم وأعرق مهرجانات السينما في قارة إفريقيا ؛ حيث تأسس عام 1966، أي منذ خمسين عاما.

دخل “طاهر شريعة” عالم السينما ، عندما أقام لمدة عشر سنوات متتالية في فرنسا ، قام خلالها بالإشراف على قسم السينما في “الوكالة الفرنسية للتعاون الفني والتقني” ، التي أصبح أسمها فيما بعد “المنظمة الدولية للفرنكفونية” ، وبحكم خبرتة المتميزة ، التي اكتسبها من عمله في فرنسا ، عين “شريعة” مديرا لـ “مصلحة السينما” ، التي أسسها بوزارة الثقافة ، لمدة تسع سنوات ( 1962 – 1970) ، ووضع القوانين والنصوص القانونية المنظمة للقطاع السينمائي في تونس.
وفي عام 1966  أسس “أيام قرطاج السينمائية” ، ونظم لائحته التي تحدد هويته وملامحه العربية الإفريقية ، وفي نفس الوقت أدار دوراته حتى  عام 1974. ولم تقف عطاءات “طاهر شريعة” عند حدود تونس الجغرافية ، بل ساهم عام 1971 في إعادة مهرجان “واجادوجو” للسينما الإفريقية في “بوركينا فاسو” ، كذلك بعث الروح في مهرجان “مقديشو” بالصومال. وفي مجال النقد السينمائي ، احترفه “شريعة” منذ سنة 1956 ، وكتب في مجلات وصحف تونسية وأجنبية ، كما قام بتأليف عددا من  الكتب حول صناعة السينما والثقافة السينمائية عموما.

وعلي المستوي الدولي أيضا ، عمل “طاهر شريعة” لمدة أحد عشر عاما (1963 – 1974) ، خبيرا في الثقافة العربية والسينما والتلفزيون بمنظمة “اليونسكو”. وفي الدورة الثالثة والعشرين لـ “أيام قرطاج السينمائية” (يوم 31 أكتوبر 2010 ) ، وقبل رحيلة ببضعة أيام ، كرمه المهرجان “شريعة” ، الذي حضره على كرسي متحرك.
هذا هو عالم “طاهر شريعة” الذي صورة ووثقه المخرج “محمد شلوف” في شريطه “طاهر شريعة في ظل شجرة الباوباب” بمثابة بورتيريه ، ووثيقة سينمائية مهمة ، دعم قيمتها وعظم شأنها شهادات جمع من صناع السينما ورجالها ، أمثال: “توفيق صالح” ، “عثمان ساميين” ، “مصطفي آلاسان” … وغيرهم.

ومن فيض عطاء الأب الحقيقي للسينما الإفريقية ، “طاهر شريعة” ، للثقافة ودورها المعرفي ، وللسينما ورسالتها التنويرية ، كتب الرجل وصيته دعما لهما بما نصه: “أنا الطاهر شريعة ، أعلن أنني قررت إعلان وصية قانونية تتمثل في منح أرض على ملكي ، بمسقط رأسي بصيادة ، مساحتها قرابة 800 متر مربع ، إلى وزارة الثقافة ، والمحافظة على التراث ، بشرط أن تخصص النشاطات الثقافية في هذا الفضاء ، للسينما والآداب والفنون عموما» ، ولم يكتف الشريعة بهذا الإسهام ، بل استرد قائلا: ” لي أيضا النصف في هذا المنزل الذي أقطن فيه ، وهو منزل أبي ، وان وافق أخي صاحب النصف الآخر ، على بيع منابه ، فسأجعل كل المنزل يستعمل كمعرض لمختلف الانتاجات الأدبية ، وفضاءا كبيرا تقع فيه حفلات توقيع الأدباء التونسيين على جديد مؤلفاتهم ، أظن اليوم أنني قد قمت بأهم عمل يرضيني ، وأرجو أن تتم الأمور قبل أيام قرطاج السينمائية أو ليلة الافتتاح ، لذلك أنا سأتواجد هناك لتحقيق هذا الحلم” … انتهت وصية هذا الرجل الحكيم في شؤون الثقافة والتعليم … رحم الله “طاهر شريعة” الرجل المثال ، والإنسان الغني عما جاء بالمقال.

                                                                ياقوت الديب

                                                           ناقد وباحث سينمائي

الأقصر في مارس 2016

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى