ط
مسابقة القصة القصيرة

عفريت من الجن . مسابقة القصة القصيرة بقلم / عادل محمد فودة من مصر

“عفريتٌ من الجنّ”
قصة قصيرة
عادل محمد فوده
جمهورية مصر العربية
0096896308809
استيقظتُ في الليل هزيعه الأوسط بعد سويعاتٍ تخطَّفتُها في غفلةٍ من سهادي, تنبَّهتُ وأنا على حالٍ من التوزُّع والإشفاق, فما زلتُ أعالج تبعات الخبر الذي نزل بالأمس منِّي منزلَ السهم من القلب, فبعد عشر سنواتٍ من الاستقرار, أعود من إجازتي السنوية بمصر ليصرعَني قرارٌ بنقلي للعمل فوق قمَّة جبل السُراة بسلطنة عمان, حيثُ أعمل مُدرِّسًا للغة الإنجليزية, تمكَّنتُ للحظاتٍ بعد مشقَّة أن أغلب حزني, خلالها نهضتُ فبدَّلتُ ملابسي وحشوْتُ حقيبتي بأغراضي وطعامٍ يكفي لثلاثة أيام, هي مدَّة إقامتي, إذ كانوا-بحسب ما سمعت- يصعدون فجر الأحد ثم يهبطون قافلين بعد انتهاء العمل في ضحوَةِ الأربعاء من ذات الأسبوع, ثم يكرُّونُ في روتينٍ لم أدرِ بعد مدى ما يبثُّه في النفس من سأمٍ وخثور, سمعتُ نفير الحافلة فخرجتُ لأجدَ بحشاها ثلاثة عشر من أترابي, ردُّوا عليَّ سلامي ثم عادوا سيرتهم الأولى كلُّ إلى ما كان عليه, فغفا من غفا وأخذ من أخذ في توافه الأحاديث, في أمدٍ من ساعتيْن وفي مشقأ الفجر, بلغت الحافلة ولاية الحمراء, وهي إحدى ولايات المنطقة الداخلية, حيثُ توزَّعنا على ثلاث سيارات دفع رباعي, اتَّخذت بنا طريقًا راح يزداد وعورة كلَّما أوغلنا صعودًا, كان ملتويًا, خطرًا, إذ كان يفصلنا عن الموت انعطافة خاطئة, من أمرها أن تودي بنا إلى خبَّة الوادي دونما أملٍ في نجاة, صار مصيرُنا معلَّقًا بغفوةٍ نزقة تسدلُ جفني السائق فتسدل معهما أستار الموت القاتمة, وتخطُّ نهاية لحياتي التي برغم حفولها بجسام الأمور أراها بغير ذي أهميَّة, وبعد قراب النصف ساعة أنشأت السيارة ترتجّ بعنف إيذانًا ببلوغنا الجزء غير المُعبَّد من الطريق, ثم لم تنشب موجاتٌ مُتتالية من الضغط أن ضربت مسمعيَّ بغير ما رحمة, فتصدَّع من وقعها دماغي, وصُمَّت لها أذناي, وكدتُ أزفر أحشائي فتاتًا من فرط ما أصابني من غثيان, استنفذني ما ألمَّ بيَ من آلام, فلم أعد أُبالي روْعةَ الصبح, إذ تفتَّق إذ ذاك فتبعته الشمسُ في ذرورها على الأثر بطلَّةٍ حييَّة, كحسناءَ تتوارى خجلاًَ خلف سُتُرٍ من ديباجٍ شِفٍّ شُدَّ بين الجبال القائمة في تحدٍّ ذات اليمين وذات الشِمال, كنَّا كلما ارتبأنا قمَّة, لاحت لنا في الأُفق أخرى, وما زلنا حتى انقضى من عمر الزمان ساعة ونصف, فأدركنا أرضًا منبسطة قيل ليَ أنَّها وجهتنا, ثم انتهيْنا إلى مبنى مدرسة فصولها كرفانات من الخشب تضمُّ في كلِّ صفٍّ ما يُراوح بين أربعة طلاب وعشرة, فتساءلت هل هذا بعددٍ يستأهلُ كلَّ ما تجشَّمنا من عناء, ثم تذكَّرت قولَ عميد الأدب العربي-الدكتور طه حسين- أنَّ التعليم كالماء والهواء, فزاب عجبي وآمنتُ بأحقيتهم لما عالجناه من مشاق, ولكنَّي عجبتُ لأمرهم يظهرون في الصباح ثم ما إن ينتهي اليوم الدراسي, تسيح بهم السيارات في دروب الجبالِ من حيث لا ندري لهم مُنتهى, ولا نقفُ لهم على أثر حتى اليوم التالي, وبعد أن أبللتُ مما ألمَّ بيَ من آلام وأحزان, خرجتُ أهيمُ على وجهي منصَرَفَ النهارِ قتلًا للوقت, فانتهيْتً إلى ربوة عالية حيثُ خُلبت بمشهدٍ آسر, على الأفق البعيد إذا ما رميْتَ بصرًا, ترى في انحداره سهولاً ووديانًا بعيدةَ الغوْر, تكاد لا ترى قيعانها من فرط كثافة السحائب الهائمة فوقها, وكأنك ترقبه من نافذة طائرة تشقُّ أجواز الفضاء, وإن تُصعِّد نظرك, تلحظ سلاسلَ جبلية تختلفُ شعفاتها في نهوضها وشكلها, يطرح عليها قرص الشمس القرمزيِّ القاني حين الشفق حمرته, فيكتسي بها منها ما يكتسي, وتتدثَّر بعضها بظلالِ لدَّاتها فتبدو كلوْحة بارعة الإتقان والدقة, بلغت من الروْعة أناها ومن الجمال ذؤابته, ما كانت لتشخص عنها يد بيكاسو وجوجان, خلبني المنظر واستأثرَ بلُبِّي فتمنيَّتُ أن يُبنى ليَ بيْتًا على ربوةٍ من رباها, فكنتُ فيما تلا من أيام أخرج في أصائلها مُيمِّمًا شطرَ ذلك المُرتَفَع, فأقتعد الصخرةَ ذاتَها, مُطلقًا عِنان بصري ليُحلِّقَ بحريَّة كالنسر ويحطُّ متى شاء على ما راقه من قمم, تاركًا نفسي أخيذًا لذاك المنظر البديع, سادرًا في غفوةٍ من تأمُّل, وعلى كثرة ما كان يسبي إعجابي ويأخذني في سكرةٍ من نشوة, كان كثيرًا ما يبثُّني رهبة وخوفًا لما هو عليه من وحشة وقفور, فعلى البعد وعبر مساحاتٍ ممتدَّة, ترى شُجيْراتٍ قائمة في أخلاطٍ مُتباينة ومُتناثرة ههنا وههناك كشواهدَ قبور في جبَّانة, أو قَبِيلٍ من الزومبي قاصدينَ إليَّ على مُكثٍ بأفواهم المُخضَّلة بالدماء, وفي سكنة الريح إن أرهفتَ سمعك, فلا تلتقط إلَّا صمتًا مُطبقًا وكأنَّه قد هلك من بالأرض جميعهم ونجوْتَ أنتَ فصرتَ الحيَّ الوحيد عليْها, وذات يومٍ وعلى غِرَّة, ورد عليَّ من الأمر ما جعل قلبي يتفتَّق جزعًا وفَرَقًا, رباه كم سمعت على ألسنة من عملوا هنا من قبل حكايا وأساطيرَ عن ذاك المكان المُوحش على جماله, والقفر على روعته, أساطيرَ غير مُنقطعة الأسباب بسيرة الجان والعفاريت, أعرف أنَّ كثيرًا منها لا تخلو من الغلواء, ولا تفتقرُ إلى التهويل, ولعلَّ أحدهما رأى ظلَّاً في غير ما توقَّع أو سمع صوتًا لم يدرِ له مأتى, ألا أحال بغير ما تفكُّر إلى الجان, وهم براءٌ من ذاك ومن تلك, ولكن بحسب ما أرى, إن كانوا حقيقة – كما وردوا في القرآن” والجان خلقناهم من قبل من نار السَموم”, ولهم كما لنا هيئة وكيان, وهم يُشاركوننا سُكنانا, فإذا لم يتَّخذوا من تلك البقعة الموحشة موئلاً, فبأيِّ أرضٍ إذًا دونها يأتوون؟ وإذابيَ فجأة أبتسم لفكرة نبتت في رأسي, بدت كما لو كان أحدهم ألقاها عليَّ هذرًا, ثم لم تلبث أن استأثرت بكلِّ جوارحي وملكت عليَّ حواسي, لماذا لا أبقى في نهاية الأسبوع فأمتحنَ شجاعتي وأبلو صمودي, ولم أبرح مكاني إلَّا وأنا قانعٌ بها حدَّ الإيمان, جاذمٌ بها غاية الجذم, وفي الأسبوع التالي, أحضرت معي زادًا كفافًا لعشرة أيام, ثم أذعتُ فيهم ما أنا عازمٌ عليه, فما رأيتُ فيهم مؤيِّدًا لفكرتي ولا حتى كان منهم من لم يُبالِ, فكان أن راح كلُّ من يعلم بأمري يقصُّ عليَّ ما فاضت به ألسنة من سبقوه بُغيةَ إثنائي عن عزمي, ولكن بمرور الوقت, فترت رغبتم تحت مضاء عزيمتي وجَلَد إصراري, وقضيْتُ ما بقى من أيام على شيءٍ من الحماسة والتوزُّع, حتى كانت اللحظة التي درجت بهم السيارات هبوطًا إلى سفح الجبل حاثة خلفها سحاباتٍ من الرغام, وأنا أُشيِّعهم بناظريَّ حتى غابوا في طيَّةٍ من طيَّات الطريق, خفَّ زئيرُ مُحرِّكاتهم شيئًا فشيْئًا حتى تلاشى وتبدَّدت سحائبهم, ثم عاد ذلك الصمتُ الرهيبُ ليملأ طباق الجوِّ من جديد, وشمل المكان سكونُ الموتى, طرحتُ بصري إلى آخر مداه, فرأيتُ الجبليْن الشاهقيْن يحفَّان بالوادي السحيق الذي أقف في أخفضِ بقعةٍ فيه حيثُ أُقيمت المدرسة, ارتدَّ بصري كليلاً, فوقع على حماريْن يُطالعانني من خلف السياج بوجهيْن قرأتُ فيهما كلَّ أي الدهشةِ والضَجر, وكأنَّما يقولان” أما كفاك أسبوعٌ لتبقى فينا المزيدَ فتُمتِّعنا بطلَّتك البهيَّة, لماذا لم تذهب معهم ؟” لم أُباليهما ورجعتُ مُحاولأ مضاء وقتي كعهدي كلَّ يوم, حيثً تناولت بعضًا مما تزوَّدتُ به, اكتفيْتُ بالتونه وبعض الخضروات, ورأيتني على غير ما دأبتُ في ساعات النهار أُضيء كاملَ المصابيح وأُرخي عِنان التلفاز, علَّني أجدُ فيه أُنسي ومفثأ وحشتي, ولكني شاهدته بغيْر وعي, إذ راح عقلي على رغمي يستعيدُ كلَّ ما رسب في قرارته عن المكان, فتذكَّرتُ حين استيقظَ زميلي الذي يُشاركني الغرفة مذعورًا, ففزعنا إليه أنا ومن يُثالثنا سكناها, فوجدناه يقول قاصدًا إلى وجه زميلي :
– ماذا كنتَ تريد منِّي؟
فأجابه في عجبٍ نافيًا
– كلا لم أدنُ حتى منك,فقد كنتُ نائمًا
فأقسم على أنه رآه يحاول إيقاظه منذ لحظاتٍ خَلَت, ثم ذكرتُ حين خرجتُ في غسق الليل مع أحدهما على ضوء مصباحٍ صغير لجمع جذوع الشجيْرات اليابسة لإشعالها, فدرجة الحرارة على ذاك الإرتفاع الذي يبلغ الخمسمائة وألفيْن مترًا, تكاد تدنو في بعض أوقات الشتاء إلى حدِّ التجمُّد, وبينما كنا نتجوَّل ولا نكاد نرى في غياب القمر أبعد من مدى نور المصباح, سمعنا صوتًا كالزئير ينحدر من أعلى الجبل, فأكَّد لي حين سألته أنه لم يسمع به من قبل, وزاد بأنه إما لحيوانٍ أو غيرِ ذلك مما خلق الله, وبعد أمدٍ من التفكير, أخذتْ بناصيتي سنةٌ من نوم لم أدرِ لها مدى, ثم تنبَّهت على ستة عشر مصباحًا في ست مجموعات مدفونة في سقف الغرفة تنطفىء وتُضاء تَتَرى, في تتابعٍ كأنَّها سرجات برق, حاولت النهوض ولكنني كنتُ مكبَّلاً فلم تُطاوعني أوصالي, انحشرت الكلماتُ في حلقي, فلم أسطع في مبدأ الأمر أن أتلو من القرآن أية واحدة, ولكن وبعد محاولات,أنحلَّت عقدة لساني, فتلوْتُ أية الكرسي على عَجَل, كانت الكلمات تخرج خديجة, غير مكتملة, وما زلتُ حتى ثبتت المصابيح وانفكَّ عقالي, واستفقتُ بكامل حواسي وأنا على حالٍ من الخوف والذعر, أجلت نظري في الغرفة, فوجدتُ كلَّ شيءٍ في مكانه, ثلاثةَ أسرَّة إلى جانب كلٍّ منها خزانة ملابس وطاولة صغيرة, بالإضافة إلى مدفأتيْن وثلاجة قائمة في ركنٍ من نهايتها, علَّها أضغاثُ أحلامٍ مبعثها ما ورد على عقلي من أفكارٍ قبل أن تعبث بجفوني تلك الغفوْة اللعينة, فلستُ أستطيع أن أقطعَ بأنِّي كنتُ يقظًا أو غافيًا على الكليَّة, وبرغم ذلك لم أقوَ أن أهشَّ عنِّي تلك الهواجس التي شرعت تحطُّ في رأسي في ثللٍ حطَّ أسراب الحمام في حقلٍ تغشى أديمه حبَّاتُ القمح, ما أدراني بأنَّها محض كابوسٍ رذل, رباه كيف سمحتُ لزملائي بالرحيلِ من دوني, تُرى إن كان هذا ما جرى ليَ في أوَّلِ يومٍ ليَ في الجبل, فماذا إذًا ينتظرني في الثلاثة الأيام القادمه؟ ولا أتوقَّع أُنسًا في بقعةٍ من الأرض لا أرى فيها إنسيَّاً, أهبتُ بعزيمتي أن تذُبَّ عنِّي ما يعتورني من أفكار, ولكنها خذلتني وتركتني نهبًا وطُعمة لنيوبها الحداد, وكان قد دجا الليلُ بسدفته المُرعبة, ضبطتُ التلفاز على قناة المجد للقرآن الكريم, وأنشأت مقلتاي تترجحان في أرجاء الغرفة كبندول ساعة ترقُّبُا لأي حركة, وأرهفتُ سمعي لألتقط أيَّ صوتٍ قد يصدر من هنا أو هناك, بتُ على يقينٍ بأنَّهم موجودون, وقد يبدهوني في أيِّ لحظة ولا غرو, لم أعد أُماري فيهم نفسي, كنت أرقب محضرهم ترقُّب الواثق من قدومهم, وكان إحساس الخوف يستنفر غدَّتاي الكظريتيْن فتدفقان الأدرينالين إلى دمي دفقًا, فلا يكاد قلبي يتوقَّف عن الخفقان, حتى صار محضرهم أرحمَ وأخفَّ وطأةً على نفسي من الإنتظار, ولم أستامن الكرى نفسي فلم تكتحل عيناي غمضًا طيلة ليلةٍ مرَّت كسلحفاةٍ كسيحة تدرج خلف لامبورجيني بلغ مؤشِّر سرعتها مداه, وانتظرتُ الأسوأ في اللية التالية, على أنَّها مرّت بسلام إذا ما حاشيْنا دقَّات قلبي التي كانت تتسارع وتيرتها, والقلق والسهاد الذيْن أخذا من نفسي وجسدي مأخذهما, إذ صرت أخشى النوم أن يحدثَ ليَ ما جرى, ولكنَّ ليل الجمعة أبى الرحيلَ إلّا بعد أن بثَّني رهبته وأذاقني من كئوس وحشته, فكان أن فتحتُ الباب في غُبشةِ ما بعد الغروب روْمًا لنفحةِ هواءٍ نقي, وإذا بيَ أُطالع شبحًا كهيئة الإنسان في لباسٍ أبيض, تخايل أمام عينيَّ يمرق عابرًا ممرًّا بين بِنيَتيْن, فما كان منِّي إلَّا أن رددتُ الباب فأحكمتُ رتاجه قُبيْل أن يستقرَّ جسدي الطائر على مهجعي بعد هبوطٍ إضطراريٍّ قاس, واستقبلتُ طلائع الصبح يقظًا من تحت دثاري, فتلقيتُ يوم السبت وأنا على أسوأ حالٍ وأشرِّ نفس, بلغت الساعة الثانية صباحًا فهدأت نفسي قليلاً, وتسرَّب إلى صدري دفء الراحة, فشعوري بأنَّ زملائي في طريقهم إليَّ سرَّب الطمأنينة إلى قلبي, فسكتتْ عنِّي الهواجس وارفضَّ خوْفي, ولكن وعلى غرَّة, اخترق الصمت طرقاتٌ متواترة على الباب, فكاد صدري لينشقَّ من هول الصدمة, وأوشك قلبي أن يقفزَ من بين ضلوعي, ألجمتني تلك الفزعة فما تكلمت بزجمة, وبقيتُ ساكنًا لبرهة أتدارس أمري, حتى أنِّي كتمتُ أنفاسي, فلو كان الطارقُ إنسيَّاً من أهل الجبل, فما أتاني بالغداةِ ليأتيني بالعشي, وما أدراني إن فتحتُ الباب فألفيتُه كذلك, فلربما كان عفريتًا كهيئة الإنسان, أخذت ضرباته تزداد قوَّة مع نفاذ صبره, ثم راح يزعق بإسمي, فهرعت من فرط خوفي إلى مهجعي, وغشَّيتُ جسدي كاملاً بدثاري, توقَّف الطَرق فعجبتُ في نفسي, هل ينتظر العفريت إذني ليدخل؟ علَّه دخل بما له من قدرة خارقة لا نذهن مداها, وربما هو الآن يقف لصق مخدعي وسيكشف عنِّي الغطاءَ بين لحظةٍ وأخرى, وقضيتُ ما مرَّ من ساعاتٍ على قرنٍ أعفر, حتى أنّي شعرتُ بالعرق-برغم برودة الجو- يثجُّ من مسامي ثجَّاً, , ولم يَرْفَضّ خوفي ويفثأ قلقي إلَّا أن سمعتَ هدير مُحرِّكات السيارات, فخرجتُ لآنس بهم كرضيعٍ عادت أمُّه بعد طول ظعن, فاستقبلوني بمزيجٍ من الدهشة والفرحة, وكأنَّهم عجبوا أن رأوْني ما زلتُ حيَّاً, ثم فجأني زميلٌ خرج لتوِّه من غرفته قائلاً ما إن رآني :
– جئتُ باكرًا ودققتُ عليك الباب ما سمعتني, أكنتَ نائمًا؟ وزاد من دهشتي من بعد ذلك علمي بأن الشبح الذي طالعتُ طيفَه هو لحارس المكان, الذي تقع غرفته على مبعدةٍ من البِنى, في الجهة الأخرى عند ركنٍ قصيٍّ من السياج الشبكيّ, ولو كنتُ أعلمُ من أمره شيْئًا, لما هزمتني عفاريتُ نفسي, وما حمشت عليَّ خطرات نفسي وخلجات عقلي, وما كادت أن تقتلني هواجسي وظنوني.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى