دقت الساعة الثامنة صباحًا، فتداعت معها 4 سنوات كاملة من ذكريات بعمر صغيرته وأيامًا عاشها مع رفيقة دربه. للتو أسلم “شريف خيري – 34” شريكته “ولاء” وابنتهما “ليلى” مرغمًا لمشرط جراح، بينما وقف أمام باب غرفة العمليات في معهد الكبد بشبين الكوم لأكثر من 10 ساعات، يناجي ربه إنقاذهما، ولو ببضع ندب تلازم جسديهما لباقي العمر.
هذه الأسرة الصغيرة لم تهنأ بلحظة فرح مكتملة طيلة السنوات الماضية، فبكبد عليل ولدت “ليلى” قبل أربع سنوات، قضتها كاملة رهن تشخيص الأطباء ونصائح تأجيل أي تدخل جراحي في هذه السن الصغيرة.
“لم نكن نعلم أي طريق نسلك”؛ قال خيري الذي أخبره فريق من الأطباء بأن ابنته ليلى مصابة بتليف في الكبد، ربما يرجع لخلل وراثي. “نصحونا بتناولها العقاقير وتأجيل أي تدخل جراحي حتى تكبر بالعمر”.
قبل أيام، تفقدت “ولاء” ابنتها “ليلى” تطمئن عليها، فلاحظت تحول في لون يدها إلى الأزرق. استنجدت بـ”خيري” الذي هرع حاملاً ابنتهما إلى معهد الكبد بشبين الكوم.
مع لحظة وصول الأب والأم ومعهما الصغيرة “ليلى” إلى معهد الكبد، أمر الأطباء بتجهيز الصغيرة لغرفة العمليات، بينما أشاروا إلى ضرورة توفير متبرع بفص كبدي تلزمه الحالة الخطيرة التي بدت عليها الطفلة.
دون أدنى لحظة تردد أسلمت “ولاء” نفسها للأطباء “أنا هتبرع لها بفص الكبد لبنتي”. لتبدأ مرحلة إخضاع الأم وابنتها لتحاليل لازمة لإجراء الجراحة العاجلة، في وقت بدا الكون كله يدور بالأب مفقدًا إياه كل توازن حاول المحافظة عليه.
انتهت الإجراءات بتحديد اليوم الأحد لتنفيذ الجراحة. هنا، كل الساعات الطويلة مرت على “خيري” سريعة كالبرق إلى أن توقف كل شيء تمامًا في الثامنة صباحًا مع دخول “ولاء” و”ليلى” غرفة العمليات.
وقف “خيري” أمام باب غرفة العمليات لأكثر من 10 ساعات، حتى أذن القدر بلحظة فرح حقيقية انتفض لها قلبه، حينما رأى شريكة دربه تغادر غرفة الجراحة وابنتهما خلفها إلى غرفتي رعاية مركزة لمتابعة حالتهما.
“حالة ليلى تُجرى لأول مرة في معهد الكبد بالمنوفية”؛قال المدير التنفيذي للمعهد الدكتور توفيق حسن، والذي أوضح -في تصريحات خاصة لمصراوي- أن فريقًا طبيًا على أعلى مستوى أنهى بنجاح جراحة نقل فص كبد أيسر من الأم لطفلتها، مضيفًا أنه جرى نقلهما إلى العناية المركزة لمتابعتهما والاطمئنان الأخير على نجاح العملية.
وفي سياق تصريحاته، أشار الدكتور توفيق حسن، إلى تشخيص حالة الطفلة “ليلى”، وقال إنها ولدت بـ”المتلازمة الكبدية الرئوية”، وأن خطورة حالتها ترجع إلى مرور الوريد الأجوف السفلي خلف الكبد، ووجود ضمور في القنوات المرارية مصحوبًا بتليف، نتج عنه قصور في وظائف الرئة، استدعى الجراحة العاجلة.
خلال الأيام الماضية، اكتسبت أزمة “ليلى” حالة كبيرة من التعاطف عبر صفحات التواصل الاجتماعي، التي تناقلت حكاية الأسرة الصغيرة، وأشارت إلى أزمة مالية حادة عانت منها الأسرة مع تفاقم الحالة الصحية للصغيرة، التي ما إن انتهت جراحتها بنجاح، حتى أصدرت جامعة المنوفية بيانًا، أكدت فيه أن رئيس الجامعة الدكتور عادل مبارك تابع أزمتها، ووجه بتوفير كل ما تحتاجه طبيًا لإنقاذها.
ووفق بيان الجامعة، أودعت الطفلة “ليلى” غرفة عزل زراعة الكبد بالعناية المركزة، بينما تتلقى حاليًا متابعة طبية مركزة، ستستمر حتى الاطمئنان بشكل كامل من تعافيها.
قاد فريق الجراحة التي خضعت لها الطفلة “ليلى” الدكتور إبراهيم عبد القادر رئيس قسم جراحة الكبد والبنكرياس والقنوات المرارية ومدير وحدة زراعة الكبد، وعاونه فريق يضم 11 من الأطباء، هم: هاني عبد المجيد، أسامة حجازي، حازم زكريا، إسلام أيوب، محمد بلابل، يحيى فايد، محمود مقشط، أحمد سلام، محمد شرشر، سامي سامح، ونرمين العدوي رئيس قسم الأطفال بالمعهد، بالإضافة إلى فريق تخدير قاده الطبيب عصام عبد الفتاح، وميس نجلاء البمبي رئيس فريق التمريض بالعمليات.