الاسم محمد نجيب مطر
خاص بمسابقة الرواية
مصر الجيزة – فيصل
عندما يميل الميزان
———————-
(1)
أثناء نوم المهندس مجدي سمع الجميع صراخه العالي حتى أيقظ أهل البيت، وكانت نبرة الصوت مليئة بالخوف والفزع والرعب، ويبدو أنه كان يعاني من كابوس كئيب.
الكلمات تخرج من فمه متقطعة، يضغط على مخارج الحروف بشدة وكأن الصوت يخرج من أعماق بئر عميق قائلاً :
يا إلهي …. ما هذا … ما الذي يحدث … ؟؟؟ النجدة…. ما أكثر هذه الكائنات الغريبة ؟؟؟ ماذا تريدون مني ؟
ابتعدوا عني … اتركوني في حالي… لم أفعل لكم شيئاً لكي تعاقبوني ..أنا صاحب الفضل عليكم بعد الله، ابتعدي عني أيتها الحيوانات القذرة ….
النجدة … الهرب .. يا أهلنا أنقذونا من الهلاك المبين ؟؟؟ النجدة … النجدة ….
ما حدث لم يكن في الحسبان … انفلتت الأمور من يدي دون أن ادري … فقدت السيطرة على الموقف … الله وحده يعلم أنني لم أكن أسعى إلى تلك المصيبة …
ما نويت إلا الخير… لم أكن ادري أن ما أفعله سيجر الهلاك والوبال على جنس البشر … أنت يا الله وحدك تعلم أنني لم أقصد إلا الخير.
أسرعت إليه زوجته ورفعت رأسه على صدرها وناولته كوب من الماء، رشف منها رشفة صغيرة، ثم عاد لنومه، ووضعت رأسه على الوسادة، تركته زذهبت لحالها، بعد فترة قصيرة ارتفع صوته مرة أخرى:
نعم .. نعم ..أعرف أن النية الطيبة وحدها لا تكفي … وأعرف أن الطريق إلى جهنم مفروش بالنيات الطيبة… ما جنيته كان غير ما نويته… إنني حاولت الخير قدر استطاعتي ولكنه انتهى إلى شر مستطير وخطر عظيم لا يمكن تداركه….
صحيح إنه إذا كانت البداية خطأ فمن الخطأ أن تكون النهاية صواب … اللهم أدركنا في هذا الموقف العصيب … فأنت وحدك القادر… ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا … اللهم أدركنا
النجدة … لا لا .. أرجوكم…ماذا تفعلون بي؟ … ماذا فعلت لكم ؟… لطفك يالطيف … انقذوني …
اتركوا يداي، فكو قيودي، لماذا تغطون وجهي؟ ماذا تضعون حول رقبتي؟ الهواء … أكاد أختنق.
أخذ يسعل بشدة عدة مرات، وجسده ينتفض بقوة، يهتز السرير منها ويئن، فزع أهل بيت هرعت إليه زوجته الحنونة وأيقظته في لطف وقالت له : ما بك يا حبيب العمر؟
نظر المهندس مجدي حوله في هلع ورعب اكتسيا وجهه وثبت عينيه على زوجته قائلاً :
– ماذا حدث ؟ لماذا تتحلقون حولي هكذا؟
– اهدأ يا حبيبي يبدو أنك كنت تعاني في نومك من كابوس وأخذت تصرخ وتهذي بهمهمات غير مفهومة عن الخطر العظيم ..الرجوع … والخطأ.. البشرية ، ماذا حدث لك يا حبيبي، يبدو أنك أفرطت في طعام الغذاء وربما كان امتلاء المعدة سبباً في هذه الهلوسة.
صمت المهندس مجدي للحظات وركز عينيه على اللا شئ، وسرح ببصره وقال :
– كان حلماً عجيباً وغريباً ومريباً .. لم يكن كابوساً ، إنها أفكاري التي تداعت إلى عقلي اللاواعي فاحتجبت عن المنظور الواعي وتسربلت في منطقة اللا وعي من العقل الباطن لتتحور إلى طور آخر من التعبير الصوتي الذي ما يلبث أن يخرج من أوتار الحنجرة بعد أن تحدده حركة اللسان والشفتين.
– ماذا تقول ؟! هل أصابك شر، هل تعاني من الحمى ؟ ما هذه الألفاظ التي أسمعها و لا أكاد أفهم منها شيئاً .. لا وعي … باطن … تسربلت ..طور ..
إن جلوسك الطويل في المعمل وأمام الحاسب ربما أثرا على أعصابك وأتعبا عقلك، نم يا حبيبي واسترح وأعط لجسدك وعقلك راحة حتى يمكنك الحياة والاستمرار في العطاء، الدنيا لا تستحق كل هذا العناء.
نظر مجدي إلى الجميع ثم قال:
– الحمد لله ، اطمئنوا .. أنا بخير حال ولم يحدث لعقلي شيء ، إن ما حدث هو إشارة من الله ليهديني بها إلى الطريق القويم، لأنه أنار بصيرتي بهذا الحلم، فلقد صليت اليوم صلاة استخارة قبل النوم لأمر تاهت فيه الرؤى واختلطت فيه الأفهام .
– لابد أن ذلك الأمر الذي أهمك له علاقة بالبحث الذي تقوم به، أخبرني بالله عليك؛ سألتك مراراً وتكراراً واستحلفتك بالله أن تطلعني على كنه العمل الذي تقوم به، وما الهدف الذي تسعى عليه من كل ما تعمل.
لماذا يسبب هذا البحث كل هذا القلق والتوتر البادي عليك والذي تحاول جاهداً أن تخفيه عنا؟
لقد أثر هذا القلق وانعكس على كل حياتنا، لقد قمت قبل ذلك بأعمال عظيمة وأبحاث خطيرة ومشاريع مهمة وحققت نتائج مذهلة وغير متوقعة، وكلل الله كل جهودك بالنجاح والتقدير إلا هذا البحث اللعين الذي لا أعرف كنهه والذي أربك حياتنا وأدخلك في دوامة من القلق الصامت والحيرة الساكنة.
عندما أسألك عنه تعطيني إجابات لا تروي من ظمأ و لا تشبع من جوع أو لا تجيبني بشيء على الإطلاق.
وهنا تتدخل ابنته هيفاء وعلامات الخجل والارتباك والحيرة تبدو على وجهها:
– والدي .. أرجو المعذرة فلقد دخلت معملك منذ يومين لأنظفه، فأنت تفرض علينا ألا يدخل معمبك أحد غريب، واطلعت على بعض الأوراق والوثائق التي تصادف وجودها على المكتب أثناء ترتيبها، وقرأت ما فيها.
شاهدت بقايا من خلايا حية حيوانية ونباتية تحت المجهر، وأعتقد أن بعضها لخلايا عصبية ربما كانت لبعض الحيوانات الثديية أو ما شابه ذلك، بالإضافة إلى مزارع من البكتيريا والفطريات وبعض الكائنات المجهرية الغريبة الشكل والتكوين والتلوين، ربما كانت لخلايا الخفاش أو الوطواط، وربما تكون لخلايا العنكبوت.
وجدت خلايا جزعية مجهزة على بعض الشرائح المعدة للفحص تحت المجهر، كما اكتشفت وجود بعض المكونات الإلكترونية الدقيقة موصلة بشكل غامض إلى بعض الخلايا.
رغم حصولي على بكالوريوس العلوم – قسم البيولوجي إلا أنني لم أفهم شيئاً من كل ذلك، ولم أجد أي علاقة أو رابطة بين كل هذه الأشياء المتنوعة.
ما الذي يربط بين المكونات الإلكترونية وبين الخلايا الحية؟
ما هي العلاقة بين الدوائر المتكاملة التي رأيت أبحاثاُ مستفيضة عندها وبين تلك المستعمرات الحيوية في تقاريرك ومخططاتك؟
ماذا يربط بين هذه الكائنات الحية براسم الموجات وما تلك الومضات الضوئية العجيبة على الجهاز؟
ما تلك الرسوم المائلة على جهاز الرسم المغناطيسي؟
صرخت زوجته :
– ماذا ؟! كائنات حية، خلايا عصبية من حيوانات ثديية، خفاش، عنكبوت !!! أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، هل تحول بيتي إلى مشرحة ؟؟ من أين أحضرت هذه الكائنات الحية والخلايا؟
هل حصلت عليها من جثث الموتى ؟ من أين ؟؟ هل نبشت القبور، هل عبثت بأجساد المتوفين ؟ هذا شيء لا يمكن السكوت عليه أبداً .
ماذا يحدث في هذا البيت ؟ هل انقلب إلى بيت تعشعش فيه الأرواح والأشباح و العفاريت كما يدعي أهل المنطقة .. أيكون كل ذلك حقيقة وأنا لا أدري …
استرها يارب ، هذا شيء لا يطمئن أبداً ، كنت دائماً متوجسة مما تفعل هذه المرة .. لماذا ؟ لا أدري
ردت هيفاء ابنتها :
– لا يا أمي ليس الأمر بهذا الشكل ، الخلايا يمكن أن تؤخذ من أي حيوان حي أو ميت مثل الضفدعة أو الأرنب أو حتى من فئران التجارب .
الزوجة : وهل تقطعون من لحوم الحيوانات وهي حية؟
نظر المهندس باستغراب إلى زوجته ومط شفتيه في استياء ، فاستأنفت هيفاء الحديث :
– لا يا أمي إنها مجرد عينات تؤخذ من بعض مكونات الكائن الحي و لا تضره وحتى إذا ضرته فإنه مجرد حيوان تجارب نستفيد منها في عمل تجاربنا من أجل فائدة الإنسانية وتخفيف آلامها .
مجدي: كفى ثرثرة، دعونا لا نضيع المزيد من الوقت في هذا الكلام، أنا لست غاضباً منك يا ابنتي، فلقد تكتمت عنكم أبحاثي خوفاً من تسرب أخبارها.
أنت تعرفين جيداً أن لأمتنا أعداءً يتربصون بها الدوائر و لا يتورعون عن إجهاض كل محاولة علمية تخطوا بها إلى الأمام.
مسلسل جرائمهم البشعة كان و ما زال مستمراً، بداية من سميرة موسى في الولايات المتحدة إلى يحيى المشد في فرنسا وانتهاء بسعيد بدير في الإسكندرية.
كل ذلك دعاني إلى التكتم على أبحاثي خوفاً على حياتي وحياتكم ، ولقد حان وقت المصارحة والمصالحة.
لكن ليس قبل أن تأتوني بولدي جمال الذي يتأجج شوقاً إلى معرفة سر أبحاثي، وإنه كما أخبرني على استعداد لدفع نصف عمره لمن يخبره بموضوع البحث الذي أعمل فيه.
زوجته : ولماذا يضحي بنصف عمره؟ يعطيه الله الصحة والعافية ويطيل في عمره وعمرك.
جمال في شقته بالدور العلوي من الفيللا مع زوجته وربما يكون نائماً، فالساعة الآن الرابعة عصراً، وربما يكون مجهداً من العمل ويحتاج إلى الراحة .
مجدي : اذهبي يا ابنتي وأيقظيه لصلاة العصر، وأنت يا زوجتي الطيبة ..
قاطعته الزوجة
– آه .. آه لابد أنك تريد شيئاً ، فأنت لا تثني عليّ إلا لشيء تطلبه، رغم أني لا أتوانى عن تلبية أي طلب دون انتظار لأي ثناء، يكفيني رضاؤك، أنا تحت أمرك وطوع بنانك
– لا يا حبيبتي فأنت الخير والبركة كل ما أطلبه هو إعداد فناجين القهوة لنا لتكون جاهزة بعد أداء صلاة العصر في المسجد القريب إن شاء الله.
(2)