ط
الشعر والأدب

عودة الإبن الضال ..قصة قصيرة بقلم / محمد إبن احمد بيومي ..

محمد احمد بيومى
على سلم الطائرة وقف قليلاً ونظر خلفه ..كانت مازالت تلوح له بمنديل بللته بدمع عينيها ..رفع يده واشار إليها ثم إلى قلبه وكأنه يقول ستبقين في قلبي للأبد يا أمي …قادته المضيفة الشابة إلى مقعده الذى تمنى أن يكون بجوار النافذة ..لحظات وكانت الطائرة تحلق فوق القاهرة. ومن حيث هو رأى لأول مرة الأهرامات وبرج القاهرة..وتعجب من إتساعها وكثرة مآذنها .. فرغم أنه قد أنهى دراسته الجامعية بكلية الهندسة بالإسكندرية بتقدير جيد جداً مع مرتبة الشرف إلا إنه لم يزور يوماً أي معالم تاريخية أو أثرية في مصر بل كان يعتقد أن مصر أصلاً دولة متخلفة لا تملك ماضي إلا بعض اوراق البردي وليس لها لا حاضر ولا مستقبل..دولة يتصارع أهلها على الغنائم والمكاسب بلا مجهود أو تعب ويسب أهلها بعضهم بعضاً ..بلد لا تحترم العلماء كما تحترم المطربين والراقصات ولاعبي كرة القدم .. بلد يظل فيها السادة سادة والبسطاء والمهمشين هكذا للأبد ..ولهذا فقد أجتهد جداً حتى تفوق على نفسه وظروفه العائلية والإجتماعية وفرض نفسه على أساتذته حتى نال تلك البعثة الدراسية إلى امريكا للحصول على درجة الدكتوراه في الهندسة الكهربائية ..وإلى نيويورك كان المنتهى ..بسرعة أعتاد حياة الغربهة ورويداً رويداً نسى حتى أمه التي كانت لا تنقطع دعواتها له بالنجاح والعودة سالماً ..وبعد أول عام كان بسبب نبوغه واجتهاده ووسامته محط إعجاب الجميع طلبه وأساتذة ..ومن بين من أقتربت منه كانت فتاة شقراء رائعة تسمى إيستر اخبرته ذات يوم أنها بولندية الأصل ..لم تكن تفارقه أبداً إلا ساعات النوم .ولكن عندما أقترب من الإنتهاء من إعداد رسالته العلمية اقترحت عليه أن تشاركه مسكنه بحجة الإقتصاد في نفقات المعيشة ومساعدته في نظافة الحجرة وغسل ملابسه ووافق بلا تردد فقد كان ايضاً يشعر بإنجذاب شديد إليها ..ورغم محاولاتها المتعددة إقامة علاقة خاصة جداً معه إلا إنه قد استعصى عليها حتى بعد أن صارت تشاركه غرفته فقد ترك لها السرير الوحيد ونام على الارض ..كان محمد يعتقد ان ايستر مثله فتاه مبعوثه من بولندا لإستكمال دراستها وإنها مثله فتاة فقيرة حتى قبل مناقشة الرسالة العلمية بإسبوع واحد.. عندما طرق الباب أحدهم ليخبره أن السيد مارك والد إستر أمام المنزل يسأل عنها ..فأسرع ليسلم عليه ويدعوه لتناول فنجان من القهوة حتى عودتها من الجامعة ..فوجىء محمد أن السيد مارك يجلس في سيارة فارهة بسائق زنجي خاص ..وإن رائحة العطر الفرنسي الذي يغرق ملابسه سيصيبه بالدوار من روعته ..تقدم محمد بادب من السيد مارك و وعبر نافذة السيارة مد يده ليصافحه ولكن السيد مارك لم يمد يده بل حدثه بعجرفة وكبر ساخراً منه ..أوه يا إلهي هل أنت هذا العربي اللعين الذي عبث بعقل إبنتى وجعلها ترافقه كعاهرة وتترك منزلها وأسرتها ..لم يستطع محمد الرد على الرجل فهو مذهول تماما مما يسمع ومما يرى ..ولم ينقذه إلا وصول تاكسي يحمل إيستر التي أسرعت تجذب محمداً إلى داخل البناية وهي تصرخ في أبيها أنا لم أطلب منك شيئاً أنا لست في حاجة إلى مساعدة أنسى أمر رسالتي الأخيرة ..وأغلقت الباب خلفهما ..وعندما صعدا إلى غرفتهما جلس محمد ينظر إليها ويكاد الدمع ينفجر من عينيه بسبب الإهانة والخديعة ..قالت إيستر أرجوك محمد سامحني عن أي إساءهةقد لحقت بك من والدي المتعجرف ..ةنا المذنبه فقد اأسلت إليه أطلب منه مبلغاً من المال حتى أتمكن من شراء فستان جديد يليق بحضور حفل مناقشة رسالة الدكتوراه الخاصة بك وأيضاً حتى أتمكن من شراء هدية قيمة لك محمد فعلاً أنا أعشقك ..صرخ محمد في وجهها وطردها من الغرفة ..لن أغفر لك خداعي أيستر ابداً فأنا ما خدعتك يوماً بل حافظت عليك وكنت أتمنى فعلاً أن أتزوجك ..ردت والدموع تخنقها وأنا أيضاًمحمد أحبك بجنون ومستعدة أن أفعل أي شىء يرضيك قال ما يرضيني الأن أن تعودي لأسرتك فأنا لا أنفع لك اتركيني أرجوك وأغلق الباب ..مر لأسبوع الاخير وذهب محمد لمناقشة رسالته التى كانت بعنوان المحطات الشمسية الفضائية ضرورة إقتصادية ..وفعلاً أجاد وحصل على درجته العلمية بإمتياز مع مع مرتبة الشرف بالإضافة إلى خطاب من الجامعة برغبتها بالتعاقد الفوري معه ليكون أستاذاً فيها بمرتب مغري هو من يحدده ..وقد وعد محمد رئيس الجامعة بالتفكير في الأمر والرد في خلال إسبوع على الأكثر ..وفي المساء عاد محمد إلى غرفته ليجد اإستر تنتظره مع والدها هذه المرة..سألهم محمد عن سبب زيارتهم له هذه المرة ..فقال له السيد مارك إنه جاء ليعتذر له عما حدث في اللقاء السابق وإنه ليس لديه الأن أي سبب لرفضه ليكون زوجاً لإبنته بشرط أن تبقى على ديانتها ..ابتسم محمد قليلاً وجلس وهو يقول وهل لي أن أعرف ما هي ديانة إيستر سيدي ..فقالت إيستر محمد أنا يهودية ..ولكني لست صهوينة ولا أحمل الجواز الإسرائيلي مع ان والدى يحمله ..يرد السيد مارك محمد عليك أن تعرف أنا أملك عدة شركات دولية تعمل في مجال الطاقة ..وأنا مستعد للتعاقد معك فوراً لنبداء تنفيذ فكرتك في إقامة محطات كهربائية كونية في الفضاء مع توصيل الطاقة النظيفة إلى الأرض عبر خطوط من الألياف الصناعية أو عبر ناقلات صاروخية .. على أن أوفر لك من الغد فيلا كاملة وراتب شهري نصف مليون دولار وأن أتركك تقوم بالتدريس أيضاً في الجامعة ..وعدهم محمد هذه المرة أن يفكر وأن يرد في خلال إسبوع ..ولكن عندما أنتهى الإسبوع كان محمد على متن طائرة مصر للطيران عائداً إلى مصر في حراسة مشددة من رجال المخابرات المصرية ..وعندما شاهد سماء القاهره هذه المرة كان فخوراً جداً بها وبتاريخها وبشعبها وبجيشها .وعلى سلم الطائرة كانت أمه في إنتظاره ليشم فيها رائحة الوطن وهو يضحك أمي ما أحمل لك من امريكا إلا سجل ذكريات عن رحلة كفاح نظيفة جداً لا تعرف الخيانة أو العبث.. فسجل الذكريات هو السجل الوحيد الذي لا يقبل الكشط والتعديل / أنتهت ..محمد احمد بيومي

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى