ط
هنا فلسطين

“عودة الذاكرة ونسيان النسيان”: قراءة في رواية الخنفشاري للأمين العام السابق للاتحاد العام للأدباء الفلسطينيين نافذ الرفاعي

بقلم عوني المشني

كيف استطاع الخنفشاري ان يدمج الزمن حاضره بماضيه بمستقبله دون ان يفقد وعيه بحركة التاريخ ، تلك هي الاحجية ، وعندما تمتد الأسئلة وتكبر وتضيئ غموض النفس اكثر من الاجوبة فان الخنفشاري يكون بالتأكيد سيد المرحلة .
لم استطع رسم صورة الخنفشاري دون ان أضع بعضا مني في خلفية الصورة ، وبعضا من نبيل والبرفسيور وبعضا مِن كل الأسماء في قائمة الأحياء والوفيات ومشاريع الأشخاص الذين سياتون عبر موسيقى العزف على أوتار الجسد .
يسقط مرة اخرى ترف الثقافة الأرستقراطية ، سقط موضوعيا في حكايات جيفارا ، وسقط فكريا امام بدائية الخنفشاري الانسانية حتى العشق ، لماذا يعشق الأرستقراطيين قسوة الحياة في مسيرة جيفارا اكثر من أبناء الطبقة العاملة ، وكيف تحب تلك الفتاة الواعدة بالرفاهية والدلال هذه تلقائية الأشياء في الخنفشاري ؟؟
لم يلتزم الكاتب نافذ الرفاعي بتقليدية السرد الروائي ، ولم يضيف كثيرا في لغة التصوير الأدبي، لكنه وبجنون الخروج عن النص أدار حوار انساني امتزج فيه الخاص بالعام في سمفونية نهاية أجمل ما فيها ان الكلمات تزاحم ذاتها ،عسى ان تفك شيفرة الرجل الزمن الخنفشاري.
الخطوط المتعرجة والتداخل في الألوان هي التي تعطي للحياة مسحة من الغموض الجميل ، لم يكن عبثا ان الطبيعة لم تأتي بخطوط هندسية منتظمة ، الخنفشاري انعكاس لعدم انتظام يضيف غموضا جميلا ، هذا ليس تحليل انه صورة تحتاج لأكثر من كاميرا ثلاثية الأبعاد لالتقاطها ، هنا كانت لغة الكاتب ، كاميرا أكثر من ثلاثية الأبعاد .
احيانا تسارع النص لتكتشف الخنفشاري ، احيانا لا تحتاج لإكمال الفقرة لأنك تحس ذاتك فلا تحتاج الكلمات وأحيانا تتذكر بعضا من رفاق الدرب ، الكاتب وظف القارئ بإحساسه بذاته وبدائرة حركته الاجتماعية لفهم الخنفشاري، وأصبحت كلمات الكاتب شيفرة تفتح أبواب النفس الانسانية وتضيئ الوعد.
الهروب من ضجيج السؤال الى الغربة او الهروب من الغربة الى الوطن كلاهما نقطة النهاية التي تشكل بداية جديدة ، لكن السؤال سواء كان اغتراب او غربة فهو اختصار للزمكان الذي ابتدعه أنشتاين في فيزياء الكون ليصبح بعدا اخر للإنسان يضاف لإبعاده القلقة الاخرى.
يختصر السجن الفروق الطبقية ، ولكنها لا تنسى الفوارق بين الماركات حتى امام الانبهار امام الخنفشاري ، الخيارات صعبة ، والفرق بين الماركات يبدو كالفرق بين الطبقات ، الفقر فقط يزيل هذا الفرق ، الفقر سجن ايضا.
ايجاد مسافات بين الحنين والرغبة مرض أرستقراطي ، الخنفشاري يختصر المسافات ويعيد تنظيم الحنين ويكثفه ليعود الى تكونه الأصلي : رغبة بدون مساحيق أرستقراطية ، انها شكل من أشكال الصراع بين حقيقة الأشياء وجوهرها ، الخنفشاري هو الشكل الذي يعبر عن جوهر الأشياء بلا مكملات جمالية .
من قال ان اخر الموال آه ، ربما اول الموال آه ، وربما ان الموال ليس اكثر من اه ، الخنفشاري يختصر المسافة بين اول الموال وآخره فيطلق آ’ه موجعة ، نحتاج بعدها الى نوم عميق يطل علينا عبره فرويد بمدرسته الموجعة ويستنطق عقلنا الباطن علنا نعيد اكتشاف ذاتنا على حقيقتها. . الحكاية ان الخنفشاري يذكرنا بما نسيناه عمدا وعن سبق اصرار ، وبعد قراءة الرواية نسينا النسيان ، كم كان الخنفشاري موجعا لنا يذكرنا بعجزنا والذي هو جزء اصيل من إنسانيتنا .
النص والخروج عن النص هما شخصية الخنفشاري وهم سمات اللغة وهما تفاصيل الحياة الانسانية النابضة بالعشق والاحلام ، ثلاثية لها لحم ودم ونبض قلب ، ثلاثية حاضرة في اكتمال النص وفي الأحلام المؤجلة وفي الكلمات التي تستنطق الغيم.
لا اكتب نقدا هنا ولا أعيد القراءة ، احاول ان أستظهر ما فهمت ، والمعنى دوما ليس في النص وانما فيما يفهم منه لذلك كنت في الرواية حاضرا لا قارئا . وهذه قدرة ابداعية استطاع الكاتب ان يجعل القارئ داخل النص وليس خارجه .
الخنفشاري قصيدة يكبر فيها الانسان ليصبح بحجم الوطن ويصغر فيها الوطن ليصبح خلجات قلب ، للوطن هنا اكثر من علم ونشيد وطني واسم ، الوطن هنا إنسان ، انها سريالية تضيئ الجدلية الابدية بين الانسان والمكان لا يجيد تكثيفها الى فكرة سوى الخنفشاري مؤلف رواية الخنفشاري .
ربما قرأت نفسي اكثر من النص ، ربما ، لكن هكذا هي الاعمال العظيمة والتي تستلهمها الى حد التماهي.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى