مسابقة الرواية – غريب من الفضاء
الفصل الأول
غريب في وطنه
في ليلة ملبدة بالغيوم تسوق فيها الرياح السحب أمامها لأماكن قُدر لها أن تبتلع ماءها ، اختفت النجوم خلف الليل الزاحف بإصرار لكي يلف الدنيا بعباءته السوداء ، خرج الصباح ليكتسح الأرض ومن عليها ، ويعمها بنور الشمس الفاضح ، فجأة وجدوه بينهم ، وتعودوا على حضوره في المشهد وكأنه مزروع هنا من الأزل .
أَنَسوا إليه لبساطته ، لا يطمع فيما لديه أحد ، لأنه لا يملك من حطام الدنيا أي شئ سوى ملابسه التي تحتلف عن ملابس القرويين في هذه القرية الصغيرة ، لا يخاف منه أحد فهو يتجنب الناس ويبتعد عنهم قد إمكانه ، هم الذين يسعون إليه ، لا يتكلم رغم أنه يسمع ما يحب أن يسمعه .
يتذكرون فقط يوم اكتشفوه على أطراف قريتهم ، ذات صباح نبت على مفرق الطرق واشتد عوده قبل مدخل القرية بعدة كيلو مترات ، صنع خُص من القش (وهو بناء واهٍ من أعواد الذرة الجافة التي تتبقى بعد الحصاد)، لا يطبخ و لا يأكل إلا ما يتركه الفلاحون في الحقل من بقايا الخضراوات التي يأكلها طازجة ، مثل الكرنب والقرنبيط والخس وأعواد الملوخية ، ومن بعض الفواكه المتساقطة من التوت والبلح .
شكله وملبسه لا يدلان على فقر ، بشرته الناعمة تدل على نعمة سابقة ومحنة حالية ، عندما أرسل إليه العمدة يسأله من أين ؟ وإلى أين ؟ نظر إلى السماء وإلى الأرض ، ثم يشير إلى الخص، أبلغ الشرطة عنه فربما يكون أحد المجرمين الهاربين، احتجزوه وأخذوا بصماته فلم يجدوا عليه أي شئ.
هو لا يجيب على أحد وإنما يهز رأسه بالإيجاب أو النفي ، يغضب ويحمر وجهه كالنار إذا حاول أحد إهانته ، ملابسه نظيفة ومن أنواع جيدة ، يخلعها ليلاً ويغسلها على ضوء القمر ، ثم ينشرها في الهواء إلى أن تكاد أن تجف ثم يرتديها قبل أن يفضحه نور الصباح ، يستر نفسه بظلمة الليل وبأعواد الخص.
في أحد الأيام تسلل بعض الشباب المغامرين إلى الخُص عندما كان يغسل ثيابه ، يجلب الماء من الترعة ويضع يديه في الدلو ويقربهما من بعضهما لعدة دقائق فيسمعوا صوت يشبه صوت الغليان ، يصبه على ملابسه ويقوم بتدويرها داخل المياه بأصبعه لتظل تدور مدة طويلة فيضع القليل من بقايا الصابون التي تتركها النساء على الترعة أثناء غسيل الملابس أو أواني الطعام، فتظهر رغوة تستمر في الدوران مع الماء، حتى يمد يده مرة اخرى ويقوم بتدويرها في الاتجاه المعاكس لعدة دقائق أخرى.
ينشر الملابس بعد عصرها ويختبئ عارياً في الخُص ، اقتربوا من الخص وهم يشاهدون جسمه الأبيص يلمع في الظلام ويضئ ما حوله ، وكأنه مدهون بفسفور يشبه عيون القطط على الطرق السريعة ، عندما دخلوا الخص لم يجدوا أحداً، كان الخُص صغيراً لا يصلح لاختباء فأر فما بالك برجل كامل الهيئة ، نظروا في اتجاه ملابسه التي كانت منشورة فلم يجدوها ، فوجئوا به يدخل عليهم الخص بملابسه كاملة فخافوا وصرخوا وهربوا.
ألف الناس وجوده ، فهذه المنطقة تعج بالمسافرين القادمين والمغادرين ، ووضع بعض شتلات من الأشجار الغريبة والذي لا يعرف أحد من أين جلبها حول الخص ، ورتب الأحجار المستوية ونظف المنطقة أمامه ، حيث يجلس الناس عليها في انتظار الحافلات أو سيارات الأجرة .
قدم لهم الشاي على نار الحطب بدون مقابل ، كان يشعل الأغصان الجافة بطريقة عجيبة يقرب أصابع يديه من بعضهما ويترك مسافة صغيرة بينهما ثم يغمض عينيه وتتقلص عضلاته ويتهجم وجهه ، فتخرج شرارات بين أصابع اليدين المتقاربة ، ورغم هذا كان مشروبه رائعاً وله مذاق خاص كما يقول البعض.
أحضر له أحدهم موقد الكيروسين ليصنع له الشاي عندما يأتيه ليلاً للجلوس في هذا المكان المفتوح على الأراضي الخضراء ، يقدم الشاي لكل من يجلس تفريق لكبير أو صغير ، فقير أو غني، و لا يطلب لذلك أجراً ، فيعطيه بعضهم طواعية مالاً ليشتري الشاي والسكر.
زاد زواره وارتفعت إيراداته فاشترى ألواح من بقايا خشب الشجر الرخيص ، واشترى أدوات نجارة بسيطة ، سخر الناس منه لأن خشب الشجر صلب ويمر فيه المسمار بمشقة شديدة ، ومن الصعب تصنيعه ، وتندروا عليه وعرض عليه أحد النجارين مساعدته فرفض في أدب.
فوجئ الجميع في الصباح بأنه صنع بنفسه مقاعد طويلة رائعة(دكك) من خشب الشجر بل وقام بالحفر على خشب الشجر منمنمات بديعة تشبه الأرابيسك ، وصنع لها بعض الحشوات اللينة من بعض الملابس القديمة التي أعطاها له بعض القرويين والتي لا تصلح له ، فأصبح المكان مناسباً للجلوس والراحة والاستجمام للمسافرين في الصباح وللمتنزهين في المساء.
قام بتوسعة الخص وقواه بالطين وقطع الخشب المتبقية ، وزينه بفسيفساء دقيقة وجميلة تذكرك بالزخرفة الاسلامية ، فأضفي المزيد من الجمال والسحر على المكان، قدم المشروبات المختلفة مثل القهوة واليانسون.
أصبح الفلاحون يرتادون المكان ليروحوا عن أنفسهم بجوار الترعة في الهواء الطلق ، أطلقوا عليه اسم غريب ، تجده في أي وقت في حالة استعداد لتقديم أي خدمة أو معاونة يمكنه بذلها لأي أحد ، عندما يأتي مسافر في وقت متأخر مهما كان وقت تأخره يحمل عنه شنطته ويسير معه لتوصيله إلى المنزل ، ويتركه فور دخوله بيته ، دون أن يطلب منه أي مقابل.
أصبح مكانه ملاذ المتعبين والهاربين من جحيم حياتهم اليومية ، فالكل يحكي له مشاكله ، وهو يحسن الاستماع بدرجة تشجع المتحدث على البوح بكل أسراره ، يسمع و لا يتكلم فيعطي للشاكي فرصة للتعبير عن مشاعره دون أن يقاطعه أحد .
لهذا اطمأنوا أنه لن ينقل الأخبار ، عرف كل مشاكل القرية الصغيرة وأسرارها ، الكل يبوح له بأفكاره ، تجتمع عنده الخصوم منفردين كل يحكي الحكاية من وجهة نظره ، وهو يستمع بإنصات ويبدي من حركات عينيه ويديه ما يوحي للآخرين بأنه يفهم ما يقولون وأنه مهتم بمشاكلهم ، لا يبدي تبرمه من تكرار نفس الحكاية ولو سمعها عشرات المرات.
رغم فقره كان أنيقاً ومرتباً في ملابسه نظيفاً في أدواته مبتسماً في جميع أحواله ، أكوابه تلمع من النظافة ، ثيابه التي يعطونها له يوليها من العناية ما يجعلها تظهر للناظرين أحلى من ثيابهم ، حماه العمدة رأس القرية وأصبح من مرتادي المكان ، فقلده كبار القرية ، وأصبح الخص ملتقى للاجتماعات والمقابلات فاشترى ببعض ما يكسب مقاعد من البلاستيك ووضع عليها حواشي أكثر أناقة و ليونة من السابقة.
تناول بعض الشباب الخمور والمخدرات في استراحته الصغيرة الأنيقة ، فرفض بإباء ونظر إلى السماء ورفع يديه وكأنه يقول إن الله يرانا ، كان محافظاً على صلاته بصورة منتظمة ، حاول أحدهم مرة أن يصفعه على قفاه عندما رفض أن يدخن الحشيش ، فتلافى الضربة بسرعة وقبل الرجل من جبينه ، و رفض أن يتركه يفعل ما يريد، وعندما أعاد الكَرَّة أمسك يده بقوة ، كانت قبضته أصلب من الحديد وأقوى من الفولاذ ، ردها في أدب وقبله مرة أخرى ، خاف الرجل فتركه وانصرف ولم يعود إلى المكان مرة ثانية.
زادت ثقة الناس فيه وأصبح مَعْلَماً من معالم الطريق و القرية ، اشترى بعض أكياس البطاطس المقلية والبسكويت والسجائر والمشروبات الغازية فراجت تجارته وزاد دخله واستعان بأحد أيتام القرية لمساعدته وخصص له راتباً جعل الأرملة تدعوا له بالبركة وطول العمر.
جلب بعض الفاكهة مثل البرتقال واليوسفي والموز إلى الخُص ، واشترى بعض أعواد القصب وكمية من اللب و الفول السوداني ليتسلى الناس بها أثناء الحديث ، يوزعها على الجالسين دون ان يطلبوها بمجرد جلوسهم، فيأخذوا منها ما يريدون .
لا يطلب من أحد شيئاً ، بل هم الذين يعطونه إذا رغبوا في ذلك ، يأخذ ما يعطونه له شاكراً دون مناقشة ، وَسَعَ الله عليه فأخذ يعد الساندوتشات من الفول والطعمية الساخنة والبيض والتونة.
اتخذت السيارت موقفاً ثابتاً لها بجوار الخص على مفرق الطرق ، وزادت الحركة فافتتح مطعماً نظيفاً وبناه بنفسه وقام بدهانه على نفس نمط الزخارف الاسلامية ، وصنع أثاثه بنفسه بطريقة رائعة تعجب منها أصحاب الحرف ، كانت أسعاره رخيصة وتتميز أطعمته برائحتها الشهية ، جاء بعمال من نفس القرية فأصبحوا بالنسبة إليه الأهل والسند.
عرضوا عليه الزواج من بعض نساء القرية فرفض بشدة، حاولت بعض النساء مغازلته ولكنه كان حاسماً في إبعادهن بطريقة مرنة ، يبدو كأنه لا يحب ولا يطيق الجنس الناعم ، كأنهن شياطين أطلقها الله على البشر بسبب ذنوبهم ، يتحاشى كلامهن والنظر إلى عيونهن كأنه يخاف أن يقرأن في عينيه ما يحاول إخفاءه عن الجميع ، توقع البعض أن المشكلة التي أحضرته إلى هنا ربما تكون سببها امرأة.
حاول بعض اللصوص سرقته فلم يجدوا قرشاً واحداً لديه في المطعم أو البقالة أو الغرفة التي بناها مكان الخص ، وجدت الاشاعات تربة خصبة في القرية الصغيرة ، فشاع أن اللصوص لم يتمكنوا من سرقة أي شئ له قيمة .
حاولوا حمل الأواني والمواقد والخلاطات، فلم يستطيعوا وقالوا أن هناك قوة كبيرة تربطها إلى الأرض وكأنها تزن الأطنان ، حتى الأكواب الفارغة والملاعق لم يستطيعوا حملها والهرب بها .
زعموا أن هذا الرجل الذي ظهر فجأة ويطيل النظر إلى السماء من الجن وأن تلك الأدوات هي من الجن الذي يسخرهم لخدمته.
تسلل الخوف إلى أهل القرية ، وبدأ الكلام يتخذ منحى آخر، بعد أن ادعى أحدهم أنه سمعه يتحدث إلى نفسه دون أن يفتح فمه ، و أنه ربما يكون من أولياء الله الصالحين الذين يظهرون فجأة ويختفون فجأة ، ويظهرون في أماكن مختلفة في نفس الوقت.
زعموا أنه يطيل النظر إلى السماء وخصوصاً في الليالي القمرية التي ترصع فيها النجوم القبة الزرقاء ، زاد من ازدهار تلك الاشاعات تعففه عن النساء ومواظبته على الصلاة بانتظام ، وكثر الحديث عندما قال أحد الفلاحين أنه شاهده في مكة أثناء موسم الحج الذي كان فيه ، رغم أن الجميع لم يلاحظوا اختفاؤه في هذا الوقت.
في أحد ليالي الشتاء وقبل الفجر بقليل فوجئ الغريب بإحدى النساء تحمل رضيعها ومعها زوجها يبحثون عن سيارة لتوصيلهم إلى المستشفي ، كانت حرارة الطفل مرتفعة وفي حالة إعياء تقترب من الموت ، خطف غريب الطفل منها بسرعة دون أن يلقي بالاً لاعتراض الأب والأم ، وجرده من كل ملابسه على الفور ، والمرأة تولول وتحاول تخليصه من بين يديه دون جدوى، والأب ينظر في تعجب وكأنما سلم أمره لله.
صب غريب الماء البارد على جسم الرضيع ، فانتفض وبدأ في البكاء والارتعاش ، فأشار بيده إلى الرجل والمرأة مطمئناً لهما بعد أن دبت الحياة في وليدهما مرة أخرى ، ألبسه ملابسه الداخلية بعد دقائق ، وسقاه بعض الماء المذاب فيه بعض الملح ، ورش بعضه على وجهه وعلى ملابسه.
جست المرأة جبين طفلها فوجدت أن الحرارة انخفضت بصورة كبيرة ، وطلب الوليد الرضاعة منها فأدارت ظهرها لتعطيه ما يريد ، فأشار إلى زوجها ألا تفعل ذلك الآن ، إلا بعد عودتهما إلى المنزل ، فهم الرجل وأمر زوجته فأطاعت ، ثم أشار لهما بالعودة بسلام إلى البيت وأشار أن الطفل لن يحتاج للذهاب إلى المستشفى.
بعد تلك الحادثة أتى البسطاء بمرضاهم إلى غريب ليداويهم بالماء والملح وبعض العسل الأبيض والخل والليمون، كانت تلك أدوات العلاج لديه و لا شئ غير ذلك، وكان أحياناً يطلب منهم الذهاب بالمريض إلى المستشفى فيستجيبون لنصيحته.
في صباح أحد الأيام رأى شيخاً متقدماً في العمر ومعه أبناؤه يبحثون عن سيارة تأخذهم إلى المستشفى ، فتوجه إليهم غريب وأخذ بيد الشيخ وأجلسه على أحد الطاولات وجلس في مواجهته ثم رفع يديه اليمني ووضعها على جبينه.
اعترض أولاده وحاولوا سحب الشيخ ، لكن الحاضرين قالوا لهم : دعوه .. أنه رجل مبروك ، تأوه الشيخ من الراحة عندما وضع غريب يده الباردة على جبهته الساخنة وقال : الله … دعوه يفعل ما يريد.
أخذ الغريب ينظر بشده إلى عيون الرجل ويقسم الحاضرون أنهم سمعوا سورة الفاتحة وقل هو الله أحد والمعوذتين وآية الكرسي وآخر سورة البقرة دون أن يحرك شفتيه ، وراح الشيخ في سبات عميق فأوسعوا له المقعد الطويل (الدكة) لكي ينام، وهو الذي لم يذق النوم منذ ليليتين من التوجع والتأوه.
أشار غريب على أهله أن يذهبوا به إلى المنزل وأن يتركوه لينام أطول فترة ممكنة في هدوء، وألا يتناول من الطعام سوى حساء الخضار مع أرنب صغير.
أصيب أهل القرية بالدهشة الممزوجة بالخوف والانزعاج من هذا الرجل الذي هبط عليهم فجأة بعد ما سمعوه عن قصة البيت الذي انهار وهو مازال جديداً لم يكتمل بعد ، فعند خروج غريب من صلاة الجمعة أشار إلى أحد العمارات بعد أن أطال النظر في الأساسات والجدران وحذر الناس من سقوط البيت بعد أسبوع برغم متانته الظاهرة وأناقته وحداثته .
عندما سخروا منه ، أشار إليهم أن يستشيروا أحد المقاولين أو المهندسين في هذا الموضوع ، وبالفعل أحضر صاحب المنزل بعض المقاولين فحصوا الأساسات وطمأنوه بأن كل شئ على ما يرام ، وأن البيت سيظل لأكثر من خمسين سنة.
في يوم الجمعة التالي وعندما سجد المصلون تهاوت أعمدة المنزل وسجدت هي الأخرى في خشوع على الأرض ، سمع المصلون صوتاً يشبه انفجار قنبلة ، لم يصب أحد في الشارع لأن الناس كانوا في المساجد ، ومن حسن الحظ أن أهل العمارة كانوا في المصيف.
شك الناس أن هذا الرجل وراءه سر خطير ، ربما يكون جنياً أو شيطاناً مريداً يخرب بيوتهم ويسقطها ، أو أنه رجل طيب أيده الله ببعض الكرامات ففتح عليه بالعلم اللدني ، فعلم ما لم يعلمه أحد وحذر الناس من خطر وشيك ولكن الناس أهملوا تحذيره فأصابهم الذي أصابهم.
شهدت القرية أحداث لم يألفها البشر في تلك المنطقة ، عرف الناس معظمها وظل بعضها مجهولاً.
وجد الفقراء في القرية مبلغاً من المال في مكان ظاهر داخل بيوتهم ، تكرر الأمر مع بداية كل شهر، أحياناً كانت تصل هذه الأموال عند المشاكل الطارئة التي لا تخلو منها تصاريف الحياة ، مثل المرض أو الوفاة أو العجز أو التعثر في سداد الدين.
ظلت هذه الأخبار سراً بين الفقراء حتى لا ينقطع الخير عنهم كما يظنون، وكان مقدار المال على قدر الحاجة ولهذا فإنه كان متفاوتاً من مكان إلى آخر ، بزيادة تضاف كل سنة ، مثل العاملين في الوظائف الحكومية ، وكأن من يرسل هذه الأموال يعرف أسرار الناس ومشاكلهم عن كثب ، و لا تغره المظاهر فالبيوت أسرار كما يقولون.
اتسعت أعمال غريب أكثر وأكثر، فتاجر في الأراضي ووسع الله عليه، واتسعت مساحة مبانيه بعد أن اشترى بعض الأراضي حولها بأثمان غالية ، ظلت أعماله على مفرق الطرق قبل القرية بعدة كيلو مترات تتسع وتجلب لها العاملين من أبناء القرية.
بنى عمارة عالية على طرف القرية لها شكل مثير وكأنها بيوت الجان ، على شكل برح أو اسطوانة دائرية يقل عرضها كلما ارتفعت تقترب من شكل المخروط الناقص أو القرطاس كما أطلق عليها الفلاحون.
يحيط بالمبنى حديقة كبيرة بها كل أنواع الأشجار المثمرة من مانجو وجوافة وعنب وبلح وتين وبرتقال ، كانت رائحة زهوره تزكم الأنوف بطيب ريحها ، فتح به مركزاً لتعليم المهن المختلفة وحضانة عصرية للأطفال ودار مناسبات مجانية.
التف المخلصين حوله وأصبح له فريق عمل ينفذ ما يريد ، وصار من الشخصيات المرموقة والمعدودة في القرية ، لقبه الناس بالحاج غريب رغم أنهم لم يعرفوا عنه أن سافر لأداء مناسك الحاج ، لكن البسطاء أطلقوا عليه اللقب فعم وانتشر، ورغم كل ذلك فإن محاولات سرقته كلها باءت بالفشل وكأنما يخفي أمواله في مكان مجهول.
في يوم ما تناقل الفلاحون خبراً مريباً عن غريب، لقد اشترى أرض خارج القرية وسيجعلها استراحة بها صالات فنية ورياضية ومكتبة علمية ونادياً للعلوم للأطفال والشباب ونادي كمبيوتر ومرصد متقدم به تلسكوب قوي صنع له قاعدة مرتفعة.
زعم البعض أن الاستراحة ستكون للرقص والغناء والسكر والعربدة ، وقالوا أن غريب سيجلب الشؤم على القرية وأهلها ، انتظر الجميع على أحر من الجمر لكي يروا ما يقدم في تلك الصالة الغريبة التي أقامها على منطقة كبيرة من الأرض الزراعية و سورها بأشجار الفاكهة والزينة والزهور البديعة الألوان والأشكال.
في يوم الافتتاح حضر الضيوف ومن بينهم بعض المسئولين في المدينة ، وابتدأ الحفل بالقرآن الكريم وتوالت كلمات الضيوف لتعلن أن تلك الصالة هدفها الترويح عن الناس ليجلسوا في الهواء الطلق على مساحة مفتوحة وتقدم إليهم الأطعمة والمشروبات الغازية بأسعار رخيصة وخدمة ممتازة ، كما تعقد بها الندوات واللقاءات الأدبية والفنية ، وفيها مكان مخصص للنساء ليتمتعن بالهواء الطلق والجلسة المريحة بجوار منطقة ألعاب للأطفال.
استفاد شباب الجامعات من تلك الاستراحة بالمذاكرة فيها لتمتعها بالهدوء والنظام والخدمة الممتازة ، وكذلك في ممارسة الأنشطة الرياضية والأدبية والفنية في الإجازات.
تم ارسال الفصل الأول .. لصعوبة ارسالها هنا . والرواية كلها تم ارسالها في البريد الالكتروني