ط
مسابقة القصة القصيرة

فتاة الظلام . مسابقة القصة القصيرة.بقلم/ فوزية حمدون. الجزائر


الاسم الكامل: فوزية حمدون
البلد: الجزائر
البريد الالكتروني: [email protected]
صنف المشاركة: قصة قصيرة
العنوان: فتاة الظلام
————————
في زمن غابر، قرية جميلة المنظر، بيوت متماثلة غير قصر، مظلم على الدوام آخر القرية. رغم علوه وسعة مساحته، جُهل ساكنه، سبب ظلمته وهدوئه. المارة تتجنبه، السحرة تخشاه. الكثير تحدث عنه والأقاويل كثرت فيه. أكثر ما قيل أنه بيت مهجور يسكنه الجان وهم داخله يمرحون. وحكاية لا يصدقها إلا مجنون أنّ فيه فتاة يؤذيها النور أغشتها الهموم. فيا ترى ماذا بالبيت يكون؟

كلّ من في القرية أخذه الفضول وكان يود معرفة سرّ البيت المهجور، لكن الخوف سيطر على العقول والنّاس ظلّت تحذر منه وتقول أنّ كلّ من ذهب إليه لم يعد. بات هذا البيت يرعب الكبار ولا يقترب منه الصّغار. وذات يوم من فصل الربيع، حين كانت بساتين القرية مزيّنة بأبهى حلّة، خرج للنزهة محمد وأصدقائه وقرّروا دخول البيت المظلم. عند وصولهم إلى بابه، لمع البرق وقصف الرّعد. اسودت السماء وخيم في الغاب الظلماء. هبت ريح قوية وكأنها قوى خفية تحرس البيت المظلم وقعتها عليهم كانت قاسية..
لكن محمد لم يستسلم وجازف بحياته لاكتشاف سر البيت المظلم. عاد إليه في أسبوع آخر سرا عن الخلان. خشي أن يقولوا أنت السبب وتريد أن يحدث فينا العجب. حقيقة يا إخوان، رغم شجاعته خاف الموت، فشهّد الشهادتين وطرق على الباب طرقتين مكرّرتين. كان محمد يخمن في الذي سيحدث. هل طرقاته على الباب ستزعج الجان الذي بهذا البيت ساكن كما يقول الناس ويجزم؟
الحقيقة غير ذلك يا إخوان، فتحت الباب فتاة حلوة اسمها سلوى، وجهها وجه ملائكي وكلامها بمنتهى الأدب. رحبت بالشاب في بيتها المظلم بعد أن أشارت إليها أمها أن دعيه يتقدم. حدّثهما عما أرعبه والخلان وسألهما إن كانا إنسا أم جان فضحكا كثيرا. استفسر محمد عن سبب عيشهما في الظلام فحدثته سلوى أنها الأحزان من تجعل الإنسان يفكر في الإنطواء والعيش في الظلام في عصر الكهرباء… محمد أحب في ذلك البيت كل شيء حتى الظلام. وكان يتردد عليه على الدوام وعند الباب وسلوى يتكلمان، والعمة حسنة تنظر إليهما وتبتسم. علاقتهما كانت علاقة إحترام وألفة من أول لقاء بينهما كان… ومحمد يكلّمها ذات مرة، لمس زر الإنارة، وأضاء المنزل وابتسم حدّث سلوى قائلا: أليس هكذا أحسن؟ سلوى لم تتكلم والعمة حسنة نزلت مسرعة السلم. وحدث ما لم يكن في الحسبان، فزع الشاب وذهل، وصرخ صرخة قوية حين علا وجه سلوى احمرارا ترك ندوبا وأحدث في جلدها انكماشا كأنه سرطان، أفقدها الرونق والجمال وظهرت وكأنها في سن الكهول… كان محمد ينظر إليها مذهول. أين جمالك يا سلوى؟ أهذا معقول! كانت سلوى تتمتع بالجمال فقط في الظلام، وفي النور تقشعر من رؤيتها الأبدان. حدّثته سلوى بالسر والحقيقة، حدّثته عن السحر المدفون … الذي حرّم عليها الأضواء وأجبرها على الانطواء. اتجهت العمة حسنة لتطفئ الكهرباء فنادتها سلوى أن لا تفعل وقرّرت الصمود أمام الحقيقة المريرة وأمعنت النظر إلى وجهها المتعفن في المرآة فكسرها محمد وأطفأ الأضواء وقال الجمال جمال الروح والأخلاق. اعتذر منها للمسه زر الإنارة وعرض عليها الزواج وأن يعيشا معا ويغلقا باب الأحزان. أحبها محمد من الوجدان وأحبته أيضا لكنها فكرت فيه… أكد أنها في نظره سيّدة النساء ففرحت العمة حسنة وتم الزواج وعاش محمد وسلوى بعيدين عن الأضواء أعواما من السعادة والهناء. رزقهما الله توأمين ”آية وآدم” لكن البيت المظلم أتعب الرضيعين. أكثرا البكاء وخافا من الظلماء حينها قررت فتاة الظلام أن تضحي بجمالها وتعيش عجوزا في النور من أجل ابنيها التوأمين، ففي النور سكت الولدين عن البكاء. حينها فتح محمد باب البيت العتيق راجعا من عمله فرحا مسرورا ليلاقي زوجته فصعد سلّم غرفته فإذا بالتوأمين يحبيان إليه فزادت فرحته ونادى زوجته فلاقته بابتسامة ونست شكل وجهها رغم أنها عنه غير ملامة فإذا بصرخة منه في وجهها هدّامة قال ويحك ماذا فعلت بنفسك أطفئي الأنوار، خسئت من عجوز. تكلمت سلوى وفي عينيها الدموع، يا رجل من أجل ولدينا أعرى وأجوع، من أجلهما أعيش عجوز. نظر في وجهها نظرة لائم وتركها وكان للزواج منها نادم…

مرّ على فراقهما بضع أعوام وكبر التوأمان. كان بعد الظلام كل يذهب لغرفته ينام، لكن ذات ليلة ذهبا لغرفة والدتهما وهي على الشرفة وضوء القمر يضئ وجهها الجميل، همس محمد في أذن أخته وقال، تشبهينها لكنها منك أجمل فابتسمت آية وقالت دعنا ندخل ونلقي عليها السلام لعله يطيب لها معنا الكلام. طرقا على الباب طرقتين مكررتين. فأدخلتهما الأم تبتسم وحدّثتهما عما كانت تكتم… عاهداها أن يعيشا معها في الظلام لتنعم بالجمال وأن يعوضاها عن الأيام التي آلمتها فيها الأحزان. فناداهما رجل يقارب سنه الأربعين بائسا حزين، أتفتحا لي الباب وتسامحاني عما ألحقت بأمكما من عذاب. فهمست آية في أذن آدم وقالت تشبهه لكنه منك أجمل وأسرعا لفتح الباب معا. وهو ينظر إلى الشباك عبست سلوى بوجهها الفاتن وقالت: تعذبت لسنين ولن يؤلمني اليوم كونك نادم حزين. فتح التوأمان لوالدهما الباب. قال: أحب أمكما بجنون ولن أتركها ولو أرادت أن أكون لها عبدا خدوم. فدخلت العمة حسنة تبتسم وقالت وهي تضغط لأول مرة زر الإنارة. أضيئي يا سلوى الأنوار فالسحر بإذن الله وبفضل زوجك عنك أُبطِل. فرحت سلوى بذلك وفرحت أكثر حين اعتذر زوجها من كلام قاس، سابقا منه بدر. وسرت حين علمت أنه غادر تلك الليلة للتكفير عن ذنبه وإيجاد الشفاء لذاك البلاء. أسرع التوأمان وأضاءا الأنوار وفتحا الشبابيك في النهار عكس سائر الأيام. وفتاة الظلام عاشت رفقة عائلتها أحلى الأيام والعمة حسنة حدثتنا وقالت من يصبر ينال. وعاشت العائلة السعادة والهناء وتجنبت الغرف المظلمة والانطواء.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى