ط
مقالات بقلم القراء

فكرنا بين الكلاسيكية و الواقعية. “دونما إفراط أو تفريط”.

.بقلم اد. عادل القليعي
أستاذ الفلسفة الإسلامية بآداب حلوان.
واقعنا المعاصر الذي نحياه يحتاج أن تتضافر كل الجهود علي كافة الأصعدة والمستويات، سواء الإجتماعية، والسياسية، والثقافية، والإقتصادية.
كل في مجاله، لماذا حتي نخرج بمنتج فكري معتبر يتماشي مع متغيرات العصر، ويواكب التطورات المتلاحقة التي يمر بها عالمنا المعيش، فلا يمكن بحال من الأحوال أن نري العالم من حولنا يتقدم بسرعات مذهلة نحو الأمام، ونحن نقف نتفرج، نحن لسنا مكتوفي الأيدي، لسنا فاقدين للعقلين الفردي، والجمعي، قد تكون الإمكانيات محدودة، لكن بكثير من العمل والجهد سنصل إلي بغيتنا، لكن كيف السبيل إلي تحقيق ذلك؟!
المسألة قد تكون في ظاهرها عصية الحل والسبب الرئيس في ذلك، هو تراكمات فكرية أعتاد أصحابها علي التقليد والتبعية وعدم التحرر العقلي وتقوقعه وتمركزه حول فكرة بعينها قد تكون هذه الفكرة جد لا تسمن ولا تغني من جوع، كالذي يؤله صنما أو يعبد شجرا، أو قمرا، وهو يعلم أن هذه العبادة لا تجدي له نفعا، لكن تحجر عقله وعميت بصيرته فانقاد انقيادا أعمي، وهذه التبعية البغيضة نرفضها قلبا وقالبا، شكلا وموضوعا، ودليلنا في ذلك قوله تعالي،”وإذا قيل لهم تعالوا إلي ما أنزل الله قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آبائنا، أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون”.
فالله تعالي أمرنا أن لا نكون ناقلين ولا مقلدين، وأنما لابد أن تكون لنا هويتنا الفكرية وذاتنا المستقلة، وهذا لا يعني- حتي لا يفسر كلامي خطأ- التنصل من ثوابتنا التي هي مقومات وجودية لنا ولا يمكن بحال من الأحوال التحرر منها، لأنها هي التي تدعونا إلي الحرية، ولأن ثوابتنا تتسم بالحركية والاستمرارية والديناميكية والمعاصرة، فحركيتها في ثبوتها وثبوتها في حركيتها.
لكن ما ندعوا إليه هو أن ننظر بعين الإعتبار والتدبر إلي ما وصل إليه الآخر الغربي من تمدن وتطور وتقدم وحداثة ومعاصرة، ونحن كما نحن لا نتقدم قيد أنملة.
أنظروا بعين البصيرة إلي الصين ما وصلت إليه من تقدم وتطور، لماذا لأنهم أخذوا من ثوابتهم ووظفوها لخدمة حداثتهم وثورتهم العلمية.
ما وجه الاختلاف بين فكرين، فكر قديم تقليدي كلاسيكي، وفكر واقعي.؟!
الفكر التقليدي أنصاره يعيشون أوهام الكهف التي حدثنا عنها أفلاطون وفرنسيس بيكون، لا يرون من الحقيقة إلا ظلالها، لايرون أننا نعيش في كوكب أصبح بمثابة قرية صغيرة، الكل يتسابق ويتصارع بغية السيطرة والسيادة.
أما التقليديون الذين أبوا ألا يتحرروا من جلباب موروثاتهم وينطلقوا للأمام، أبوا حتي أن يجملوا هذا الجلباب بمعطيات جديدة وبفكر حداثي يتماشي مع واقع أصبحت الآلة تسيطر عليه، وإذا لم يفيقوا ويقودوا هذه الآلة، ستقودهم وستوجههم إلي حيث لا يدرون، أو ستهوي بهم في بئر عميق ماءه آسن وقعره مظلم، لن يستطيعوا الخروج منه.
أما الفكر الواقعي المعاصر، فهو الذي ينطلق إلي الأمام، أصحابه استشعروا الخطر الذي يداهمهم، أدركوا أن ثم ثورة علمية تعتمد علي المنهجية التجريبة التي قوامها خطوات البحث العلمي المنظم، الذي يحدد الظاهرة محل للدراسة ثم تصنيف هذه الظواهر، وجمع المعلومات عنها، وفرض الفروض والتحقق من صحة الفروض إلي أن نصل إلي القانون العام الذي تبني عليه دعائم النظرية العلمية التي تثري واقعنا المعيش.
المفكر المعاصر هو الذي يسعي سعيا حثيثا إلي إثبات شخصيته البحثية علي كافة المستويات.
المفكر الواقعي نصير الواقعية الحقة هو الذي يكون مهموما بقضايا مجتمعه يمد يده إلي تراث أجداده، ويغوص في بطون هذا التراث ليوظفه لخدمة واقعه الذي يحياه.
المفكر الواقعي هو الذي لا يتقوقع حول النص ويقول قال فلان، وقال فلان، لا ، يقول ها أنا ذا، هذا هو رأي أقوله في هذه القضية، قد أخطأ مرات عديدة، وأصحح خطأي مسترشدا مستنيرا بما تعلمته من أساتذتي دونما تقمص وتقليد أعمي لهذا الأستاذ.
المفكر الواقعي هو الذي ينبغي عليه أن يكون متسلحا بأدواته المعرفية التي تقيه من الوقوع في الزلل والخطأ.
المفكر الواقعي هو الذي يبحث وينقب عن كل ما يفيد حياته ومجتمعه.
إن نهضة الأمة أي أمة لا تكون عن طريق التقليد الأعمى والتبعية، أن نهضة الأمم تبني وتقوم علي عقول مفكريها .
إن النهضة الشاملة والتنمية المستدامة التي هي حديث العصر، لا تتحقق إلا من خلال النظرة المستقبلية واستشراف المستقبل.
وهذا ما يتم الآن في بلدنا الحبيب مصر ووطننا العربي، الانفتاح علي ثقافات الغرب، ليس الغرب وحسب بل كل الثقافات من أجل ماذا؟!، من أجل إتاحة الفرص لبناء دولة مدنية عصرية تواكب التقدم التقني والعلمي والذكاء الاصطناعي، دونما إفراط بمعني انغماس كلي في مادية مسرفة وأنانية مفرطة، ولا تفريط في قيمنا ومقدراتنا. مع
وانما عن طريق وسط عدل محمود لا يحيد ولا يميد عن بغيته وهدفه وهو فك رموز هذه الشفيرة، كيف نحقق المعاصرة دون إهدار لأصالتنا.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى