ط
الشعر والأدب

قراءة الناقدة “هيام الفرشيشي ” ذات يوم في رواية “الوزر” لحبيبة المحرزي مرايا الروح الشاحبة

.مكتب تونس / أمان الله المغربى
ـــــــــــــــــــــ
الوزر رواية لحبيبة المحرزي وردت في حجم متوسط وصدرت عن دار الأطلسية للنشر وهي رواية تخضع إلى النسق التصاعدي في صياغة الأحداث لكنها تنفتح على الومضات الورائية لتعميق بعض الأحداث أو نسج الصور الملتحمة بها للتخلص إلى الفكرة التي تريد الكاتبة إبرازها داخل بنية سردية تعتمد التماسك النفاذ إلى المعالجة الخلاقة. كما ترصد حركة البطل داخل أمكنة لها دلالة واقعية ورمزية تستحيل إلى تضاريس وتجاويف لانكستر الذات وابداء الشعور بالقبح في ظل بيئة لا تتسع الا للمنكوبين والمستسلمين للقضاء بمختلف صوره.
الأحداث كما بدت في هذه الرواية متلاحقة تخضع إلى بنية فكرية تتجه من الكلّي إلى الجزئي. ففي حين يتصاعد نسق الأحداث تتشظى الفكرة لتصل الرواية في نهاية هذا العمل إلى تحديد معنى “الوزر”الذي لا ينكشف الا باستقرار تفاصيل الأحداث والألمام بمكونات الفكرة .أضف إلى ذلك أنها لم ترتكز على تحليل الشخصيات أو تجميد حركاتهم وهي تحدث هذا التسريب الأيديولوجي وانما شحنت عوالم الشخصيات الاساسية بمعاني الخيبة والضياع لتصور التأزم الداخلي والخارجي عند انفصام الروح عن الجسد أو تفصل الجسد من الروح .
أما السنة البارزة في هذا العمل الروائي الاطناب في الوصف والدقة وإبراز التفاصيل لبناء الصور في حجم كبير يسمح للقارئ بتفحصها عن قرب ويدرك كل متممات المشهد وملامحه وينغمس في عالم حقيقي أزاحت عنه الكاتبة كل متخيل ومن ثم نستشف خاصية تكسير الوهم رغم إعادة بناء الواقع الخارجي ومعالجته بصورة فنية .
_ماهي السمة الغالبة على الأحداث ؟
_ماهي ميزات الشخوص؟
_ايّ اقتناع فكري وجهت من خلاله الكاتبة دقة الأحداث وحركة الشخوص؟
تحمل الشخصية في رواية “الوزر”حملا ثقيلا ذلك أنها تعبة منهكة تعاني من هموم جمة .وقد تجلى هذا “الثقل” من خلال حركة البطل .عملية الاسترجاع وتصوير بشاعة الواقع المكاني الذي بدأ صادما ومدمرا ومزريا ،فان تنقل” البطل” بسرعة من ضريح الولي الصالح إلى المقبرة القديمة المهجورة إلى محطة الحافلات فقد صور لنا توقع للانفراج الروحي في وضع خانق تمتزج فيه “النذور “بصور الموت في إشارة واضحة إلى التقاء صورتي الموت بمعناها المادي والرمزي ولوك بقايا الأسطورة التي تحظى بوظيفة التهدئة وتسليم فعل الإنسان إلى قوى خارجة عن إرادته ،لذلك صورت الراوية المقبرة كالضريح رمزا للتبرك والعبادة . ينتقل البطل “حامد” إلى المحطة ليبلور الاختناق والضجر في صورة” الحافلة تنفث دخانا اسود حالما”
فالالتحام بين المكان وذات البطل يعبر عن الانشطار الروحي ، عن التمرغ في وحل الأرض الملوثة ، ثم تتراءى صورة “حامد” الجمال يحمل العجوز المريضة على كتفه وفي تصوير دقيق لحركات الجسد الذي طغى عليه الإجهاد تنفتح الذاكرة على حدث قريب الوقوع وهو اصطحاب زوجته “زهرة” العرجاء إلى المدينة ، فإن كان جسده وهو يحمل العجوز صار يشكو اعوجاجا فإن استرجاع شخصية زهرة لم يكن إلا لتبرير انحراف الأشياء من ممرّ سيرها الطبيعي ،فهناك حبكة واضحة وانحراف الاشياء عن ممر سيرها الطبيعي فهناك حبكة واضحة لتحويل فصيلة “المحمول” من البضائع والأشياء إلى الإنسان وهو يعيش حالة احتضار يحيل إلى صور القدر والرحيل واعوجاج حركة الإنسان وهو يعيش حالة احتضار يحيل إلى صور القدر والرحيل واعوجاج حركة الإنسان غير القادر على الهروب من هذا المصير المفجع.
كذلك هو شأن زهرة “لكن الان فإن الاوان لن يقبلها أهلها ، ستعيش ذليلة. اين المفرّ؟


إن موت العجوز وجمود جسدها ، جمود جسد زهرة لا تقوى على الحراك إزاء صدمة المكان الذي اكتشفته .فقد حلمت بصورة أخرى للمدينة ، لكنها وجدت نفسها في الحزام الخلفي الذي لا يأوي الا الحفاة العراة والمسحوقين .وكالة شعبية لم تولد فيها الفرح بل عكست شعورها الملح بالخيبة والضياع .
فالشخصيات تتقاسم المعاناة بمعناها النفسي والمادي والوجودي لكنها تتوق إلى الفعل والصمود رغم ما يتخلل ذلك شعور بالألم الدفين ، سرعان ما يتدفق بكثافة ويستحيل إلى نقطة البداية والنهاية .صورة من صور القدر والعبث حين يتهاوى الإنسان في حلبة الصراع.صورة الموت يتحول إلى فرض مقدس يستجيب إليه الإنسان تقربا، خشية سلبا وطمانينة تسكن وطأة الفجيعة قدر لا مفر منه قادر على اقتحام كل الأبواب المغلقة ومن ثم تبرز الراوية صورة الباب المنفتح دون قفل ،تستةي العوالم الداخلية والخارجية في رواية “الوزر” لأنها عوالم انصهار الموت المادي بالموت الرمزي ،”هذه السوق العطنة الصاخبة باسمالهم تلك الوسخة ،وانهم لم ولن يغادروها ابدا وحتى قبورهم ستكون هنا…”
وازياء عبثية الأقدار التي تراءت بصورة دائرية مغلقة تدوس الأشخاص والأشياء ، صار من البديهي تحديد محور الدائرة ومركزها كيف يعيش الانسان داخل هذه القوقعة؟!
سينجلي ككائن حيواني تقترن معاني عيشه بتسديد حاجته الأساسية الاولى وهي الاكل او بالتحديد “الخبزة” التي تدفع شحنة الجسد الذي يعبث به القدر العابث ، وهنا ترتسم ازدواجية الموت فأنا أنه لا يقدر على افتكاك الخبزة ويصبح مطاردا ويموت ميتة عادية أو نهاية حاسمة كنهاية العجوز التي لم تلاحق على أنها لم تتمكن من تسديد ثمن حملها ، فالخبزة تحتاج لتسديد الثمن لكل من يؤمن بالصراع واقتلاع واقتلاع حقه في القوت ..وتبقى دون ثمن لكل من يريد أن يتلقفها في حالة جوع وبؤس.
القدر يمنحها لمن يشاء ومتى يشاء .فالقدر لا ينبري كمسيطر على الأفعال والحركات فحسب وانما يرسي ملامحه الموغلة في التسليم ومن ثمة نستطيع تفكيك التأشير الرمزي لصورة البطل وهو ملاحق بالمطارق والعصي إذ حسبه الرجال والنساء سفاحا يريد خطف الطفل حين هم بخطف خبزة من القرفة التي كان يحملها . فثمة باب منفرج ، كانون مشتعل ،السنة اللهب ، امرأة جميلة تلبس لباسا احمر ضيقا تقدم له الطعام وقطع الخبز دون أن تنبس بكلمة .أليست هذه الصور التي تنير في الاحلام تدل على اتقاد نار الشهوة وعن تشبع النفس اثر كبتها؟
هكذا ينقلب المشهد ويسد رمق الإنسان صدقة.وذلك ما يعنيه المحور الاستثنائي للدائرة لدى “حامد” وداخل هذا الإطار تعلق صورة “شيخ يلبس عمامة رمادية وقد اتسعت عيناه وتدلت على صدره لحية كثة بيضاء” الصورة تنحرف عن جمودها حين تتحول نظرات الشيخ إلى مصدر للون والردع…ووجود صورته في هذا المكان معناه أنه ميت ،لكنه يخرس البيت ، وكأننا نلمس أن فكرة الموت تتخذ أوجها عديدة وتجوب مسالك متعددة لتتشكل في صورة التراث الثقيل الجاثم على الأنفاس أو بصورة الاب كرمز حضاري يستمد منه الإنسان أحكامه ويعيش في ظل سلطته .فالموت يحمل منطقه ليتواصل في الكائنات ، لذلك تمثل تلك الصورة عكس روح الإنسان الشاحبة وهزال جسمه في مرآة القدر . تلك هي الصورة الحقيقية للإنسان يخضع لضرورة الزمن الذي يزحف على أنفاسه بالسكين” وجه اصفر شاحب قد خطته تجاعيد عميقة فبدت كندوب خطها الزمن بسكين حادة آثمة ”
تلك هي صورة العجوز التي ترقد في الفراش ولا تبارحه ومن ثم قد نكتسب شرعية طرح الاسئلة التالية:
_ايّ مبرر جعل الراوية تنتقي شخوصها من تلك الواجهة المظلمة ؟
_لم أسقطت عليهم هموما عويصة وعميقة؟
_هل أرادت اجتثاث بذور الحركة والفعل والصراع؟
_لم تهرب الشخوص من المواجهة عند اكتشاف فظاعة المشهد؟
_ألانهم غير قادرين على دفع أنفسهم اصلا؟
تقول حبيبة المحرزي في خاتمة الرواية “الوزر مفروض .عا هو يكمل الدورة التي بدأها منذ أزل مثل ذاك الجمل الذي لم يتم دورته الوهمية ، دورته التي لا تنتهي إلا بنزوله مفتتا قطعا نازفة تمهد لجمل آخر يضع خفه على النقطة اللاحقة ليسير نحو المجهول”.
هيام الفرشيشي
تونس

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى