مكتب الأردن
منال أحمد
إبتهاج داود خوري في ديوانها:
” حيث أنثى الحب تلد “
تدفق الشحنات العاطفية من خلال عناصر موسيقية صاخبة في قالب فني جميل …
الناقد الأدبي الأردني / أيمن دراوشة
حيث أنثى الحب تلد ، العنوان المثير النادر لديوان إبتهاج داود خوري الذي احتوى على ثماني عشرة قصيدة حَمَلَت عناوين مختلفة ، وقضايا متعددة ، وانطوت على صوت جديد فريد في الساحة الشعرية المزدحمة ، تناولت الشاعرة قضايا متنوعة بوعي عميق بحقيقة الدور الذي ينبغي أن يضطلع به ناظم الشعر ، وإحساس مرهف بمقتضيات المهمة التي يتصدى لها الأديب …
وأهمية ظهور هذا الصوت أننا ما زلنا في جيلنا الحاضر، تفتقر إلى التجديد ، ونرى مسيرة الإبداع الشعري تنطلق بفوضى وسائل التواصل الاجتماعي وإصدار الدواوين الإلكترونية والورقية دون رقيب ولا حسيب ، مما تسبب بضياع المسيرة الإبداعية الشعرية وجعلها وحيدة يكاد صوتها يضيع في الفراغ خاصة في ظل وجود شعر بلا نقد وبلا تجويد …
جميع قصائد الشاعرة من الشعر الحر حيث يظهر جليًا براعة الشاعرة في استخدامها صوره الرمزية والفلسفية والنفسية على حدٍّ سواء ، واستطاعت بتصويراتها البيانية أن تفجر كل معاني الحب والتساؤلات الحائرة.
ومن عنوان الديوان ” حيث أنثى الحب تلد ” نرى أنَّ الأنثى هي الكشف والإبداع ، وهي الجمع بين الذات والموضوع ، أما الحب فهو الموضوع الأزلي الذي شغل بال الإنسان فاستحق لأجله التضحيات والموت ، والارتباط واضح بين الحب والأنثى…
إنّ البناء الفني لقصائد الديوان ما هي إلا وحدة متكاملة ، وعلاقات متعددة معقدة ، فاللفظ رمز يشكل صورة في السياق اللغوي ، وهذه الصورة تُعد عنصر إيقاعي في الإطار الموسيقي للقصيدة ، وحركة هذا الإيقاع تترجم طبيعة المناخ الشعري ، ومدى ارتباط الحركة العضوية بمضمون العنوان…
اللغة هي الأنا الجمعي ، والأسلوب الشعري هو الأنا الفردي ، وكل قصيدة في الديوان عملية إبداعية موضعتِ الذات ، وقدمت الموضوع مذوتًا.
لقد قدمت لنا الشاعرة قصائد بلغة فلسفية رمزية نفسية ، وهذا في حد ذاته موقف محمل بالإثارة والتفجير ، إنها رمز بعيد وطاقة شعرية وصورة مصغرة تنطق بكل المعاني والدلات التي جمعها عنوان الديون “حيث أنثى الحب تلد”
والرمز عند الشاعرة ربما كان لغزًا مبهمًا ، كما أنه ليس مباشرة ولا تقريرية ، فهو كقنديل تستضيء به في عالمها المظلم البعيد ، وكأداة تساعد على الاجتهاد في الغوص في تجربتها العميقة ، وهو غشاء رقيق ، ومسحة جمالية تغطي كونًا شعريًا رائعًا.
إن في إبداعية اللغة هنا تعدو كون اللفظة بما يشبه الأسطورة في قدرتها على بث الانفعالات ، وفي هذا الديوان تتحول كل لفظة إلى رمز في حد ذاته ، ومن هنا يأتي عمق اللغة وثرائها ، فاللفظة المشبعة المشحونة بطاقة شعرية ، النامية المتحركة داخليًا تبلغ درجة الاستقلال الشخصي لتصبح رمزًا جديدًا ، ومصدرًا خصبًا لا ينفذ …
أما الإيقاع فقد تحول إلى سمفونية حزينة تنبعث من باطن القضية لتبلغ المدى الأقصى خاصة في قصيدة ” حيث أنثى الحب تلد ” و ” خارطة الطريق قد تاهت”
أما التجربة الشعرية فهي ذات مجرى منحدر ، فيها حركية التناقضات والتحولات ، والإيقاع الدرامي الذي يتحول إلى غنائية مؤلمة في اكثر من مقطع في القصائد.
الحجر الأساسي في البناء الشعري للديوان هو العاطفة التي أحسنت الشاعرة استغلالها وكان ذلك في قوة بنائها وتماسكها ، وقوة معانيها التي بثت فيها الروح.
لقد تدفقت الشحنات العاطفية الملتهبة من لدن الشاعرة من خلال عناصرها الموسيقية الصاخبة المدوية ، في قالب فني جميل ، لتنطق العاطفة ويزيد قدرة اللغة على تحريك الخيال ، وعلى الإقناع النفسي مما أكسبها طاقة جديدة.
وحين تجتمع الرؤيا أو التجربة بشكل متكامل لدى شاعرتنا إبتهاج فإن أنثى الحب التي تلد تكون أكثر التهابًا ، ولا تترك وراءها إلا جمرات محرقة تبعث الدفء على مر الأيام .