كتبت / لمياء رشيد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بادىء ذي بدء احب الاستهلال بشكر عميق للأديب شلال عنوز على اهدائه الرواية لي في ملف لعلمه انني اعيش في بلاد بعيدة.
وكر السلمان كناية عن سجن كان معروفا سابقا ولايزال .. بناه الانجليز في عشرينات القرن الماضي في محافظة المثنى وفي السماوة تحديدا ثم تم بناء الاكبر منه في ستينات القرن الماضي وكان يساق اليه السجناء السياسيين من المثقفين ومن يخالف السلطات انذاك…لقد اصبحت (نقرة السلمان او سجن السلمان اقرب الى الميثة بالنسبة الى العراقيين لكثرة المآسي التي طالت البعض فيه وتداولها الاجيال ) ولقد احسن الكاتب والمؤلف استخدامها في روايته بل فاض في الاجادة والتقريب.
اختار الكاتب وكر السلمان كامتداد لسجن خاص في التعذيب القهري وحلبة لصراع الخير مع الشر في لحظات يستقوى فيها الشر ويستذئب وكأنه ذلك الرجل في ليل مدلهم تحيله العتمة فيه الى حيوان اشد ضراوة من الحيوانات المفترسة فهو لايقتل ليعيش بل يقتل ليموت مع كل جثة في بحث للبطل عن نفسه المفقودة في الحرب, مما جعله بطلا مضادا هشا ضعيفا اقحم الكاتب الذات عنده في محاولة منه لكشف بواطن التحول واحساس الضحية والضحية المجرمة في تداخل تام وكان في هذا الاقحام وعي مهم . رواية فيها حبكة ميلودرامية استحالت الى مأساة ثم انتهت بحبكة عاطفية ربما تكون جزءا اول وبداية لجزء ثان كما اعلن الكاتب.سرد متداخل في سياق متكامل عاد بي الى رواية الكاتب العالمي اميل زولا في عمله الادبي (الوحش في الانسان )ولا اخفي القول بأنني تأثرت الى حد الدهشة بسبب افشاء المعلومة المهمة والبؤرة الخاصة في الرؤيا من بداية الرواية وظننتها قتلت التشويق واذ بي اجد نفسي في تشويق اكبر بلغ اشده مع تنامي الاحداث في انتظار مشكك لنهاية جاءت في مفاجأة ارضتني كقارئة روائية ومنحتني الامان الذي نشدته في تمكين الاحساس من بلوغ غايته في متعة القراءة.
نص ادبي فيه من التمكن اللغوي مايثير الشغف , حبكة عالية في نسيج سردي مقنع توخى فيه الاديب الحرص على الاشادة في اقتباسات لفلاسفة وكتّاب جاء بها للتأكيد على التجربة التي يحاكيها من حوارات ترسَّم الاتصال فيها من خلال سياق لغوي مفهوم وعالي في ايصال المعنى ,ولقد عنى الكاتب بالتعبير الهادف الى خلق المشاعر المؤيدة او الداحضة للحدث ما خلا الوظيفة الشعرية التي جاءت مفروضة في اطناب مبذول ربما لحاجة الكاتب الضمنية للعودة الى الشاعر الكامن في اعماقه , و اقول مؤكدة انها ملازمة للكاتب والمؤلف واللذين يجمعهما التأثر الشعري الذي سبق الروائي في نصوص عبرت عن كينونته الاصلية فكان في النصوص بديلا في الايحاء عن التفصيل المبذول وقد يكون لهذا وقعه عند اصحاب الاختصاص من اهمية ,وفي هذا المكان تحديدا انفصال ملحوظ بين الراوي والكاتب وان كان كلاهما شاعر.
لقد كانت رسالة الكاتب واضحة مكتملة حرص فيها على التركيز على السياق الخارجي للظروف السياسية في حقبة زمنية معينة وعلى السياق الداخلي لتبعات تلك الظروف فيما تلى تلك الحقبة .نص متكامل اتاح الفرصة للقارىء ان يلم بكافة جوانب الاحوال العامة والخاصة للشخصيات والاحداث في بنية محبوكة مع توازن وصفي وحواري وسردي اجاد الكاتب في خلقه استنادا الى وحدة متكاملة الهمته الواقعية فيها الى حوارات سياسية اختصرت بعض التواريخ لاحداث مهمة .
لقد تمكن الراوي من خلق انطباع في فضاء تعبيري بأنه امام حكاية ذاتية من خلال منظور ارتبط بصيغة عرض ادى الى هذا الانطباع والتف حول وهج البطل لاشعال جذوة الاحتراق في معاناة الاصدقاء واتسع معهم في خروج عن الذات مما جعل القارىء يتعاطف مع ضحية الحرب التي فقأت عين رجولته فلم تعد بصيرته تحدد المعقول من اللامعقول بل جعل القارىء يشحذ اسلحته في تهيئة مسبوقه لدمار شامل لضحايا الضحية.وكان لفقدانه رجولته الاثر البالغ في الاقتصاص من المقربين ردما لحفرة النقص التي سقط فيها واسقط من حوله داخلها بل دفنهم هناك.
الرواية بالمجمل متن يصلح كمتوالية لمسلسل ففي سرديته حكايا متتابعة مترابطة في وظائفها شكلت بالمجمل وحدة سردية اقرب ماتكون لفيلم . في الرواية استباق واسترجاع وتراتيب زمنية في مديات منحت القارىء تشويقا مع مراعاة الغاية في سبر الذات والمكنون لمخلفات تركت اثرها عند الشخصية الاساسية في الرواية وكان هنالك محاكاة لتمثيل الواقع بذل فيها الكاتب قيمة وتركيز على الوجه الابداعي وانتقى منه المميز والمؤثر. وفي الختام اقول الرواية تعد من الروايات المهمة كنتاج ادبي لاشتراك الحدث الحقيقي وقوانين اللغة والكتابة فيها اضافة الى المعنى من خلال انفعالات الكاتب واحاسيسه والحوارات المضمخة بالمعلومات وفي توافر كل هذه الشروط نحن نكون امام رواية بلغت فيها اللغة غايتها من المغامرة المطلوبة