ط
أخبار متنوعة

قراءة نقدية في ديوان (أحجبة الصَّبر) للدكتورة نوران فؤاد بقلم/ الناقد عاطف عز الدين عبد الفتاح

كتب / عاطف عز الدين عبد الفتاح

أصدرت (دار همسه للنشر والتوزيع ) ديوان ( أحجبة الصَّبر) للدكتورة نوران فؤاد، وقبل أن نُلقي الضَّوءَ على بعض قصائد الديوان يجدر بنا أن نتعرفَ على قصيدة النثر.
يقول الشاعر والناقد الفلسطيني عزالدين المناصرة عن قصيدة النثر :

– {نصٌّ أدبي تهجيني، مفتوحٌ على الشعر، والسرد، والنثر الفني، عابرٌ للأنواع، يفتقد إلى البنية الصوتية الكميّة المنظمة، لكنه يمتلك إيقاعاً داخلياً غير منتظم، من خلال توزيع (علامات الترقيم) ، و (البنية الدلالية) ، المركبة على بنية التضاد، و (جدلية العلاقات) في النص، التي تخلق الإيقاع الخفي. فهي (أي قصيدة النثر) ، نوع أدبي مستقل ينتمي إلى جنس الحافة، وله (ذاكرة) في التراث العربي، تتمثل بالقراءة الصامتة.}
وقبل أن نستعرض بعض قصائدهذا الدِّيوان الذي ينتمي لقصيدة النثر، علينا أن نقف قليلا أمام عُنوان الديوان :
عُنوان الديوان :
يتكون العُنوان من كلمتين هما ( أحجبة ) و(الصبر)، ويجب أن نعرف معناهما أولا قبل أن نُشير إلى أي تفسير لمعنى الديوان :
الحِجَابُ : عُوذة أو تميمة يحملها الشَّخص معه ؛ لِتَقيه من الشَّرِّ والحسد
صبَر الشَّخصُ : رَضِي ، تَجَلَّدَ ، تَحَمَّلَ ، اِحْتَمَلَ
ومن هنا يكون معنى الديوان أن شخصا قد تحمَّلَ كثيرا من الشَّدائد فارتبط بها، فعمل حجابا للصبر، وكأن هذا الشَّخص ارتبط بالرضى و التَّجلد والاحتمال ، وهو ما يطلق عليه النقاد المتخصصون اسم المعادل الموضوعي ، فأحجبة الصَّبر هي مُعادل موضوعي عندما يكون الصَّبرُ مرتبطا بنا .
تستهل الشَّاعرة ديوانها بمفتتح تقول فيه :
(سلامااااااااااا على مَنْ أخبرنا بمحبَّته
وأرانا دلائلَ عطف قلبه…. )
وهذا المُفتتح يجعلنا أمام شاعرة _ وهي تتقمص في قصائد الديوان دور المَحبوبة التي يعشقها الكثيرون ، وتختار من بينهم فارسًا لأحلامها _ يميل قلبُها للحبيب الذي يعلن عن حُبّه لها بشرط أن يُدلل عن عشقه لها من ود وحنان ودلال لتفتحَ له الأبوابَ المُغلقة للوصول إلى قلبها الرهيف!!
تقول الشاعرة في قصيدة ” دعني أرحل في صمت “:
{ليكن مَوتي في صمت
كما أحببتُك في صمت
وليكن حُزني في صمت
مثل فَرحي في صمت
حبيبي الغائب عني
دَعني أختفي بعيدا
وأرحل في صمت
دَعني أغرق عينيَّ
بأغلى وأسخن دموع
دموع الصمت.}
عُنوان القصيدة :

قبل أن نُلقي الضَّوءَ على القصيدة نرى أن نقف قليلا أمام عُنوانها
وعُنوان القصيدة هو ” دعني أرحل في صمت” مما يجعل بعضَ القراء يتساءلون :

لماذا لا يكون العُنوانُ هو: ” الرحيل في صمت ” ؟أو ” ارحل في صمت !” ؟
وهذا السؤال من المهم لأي ناقد يدَّعي نقدَ القصيدة الإجابة عنه ، والنَّاقد هنا يقوم بتقييم تجربة المُبدع والإجابة عن كل الأسئلة التي تطرحها القصيدة ، وهروب النَّاقد من هذه الأسئلة والتي تشغل عقلَ القارئ يُعدُّ عدم أمانة من النَّاقد أو يكون النَّاقدُ لم يمتلك أدواته الفنيَّة التي تؤهله ليكون ناقدا قديرا، ومثل هؤلاء النُّقاد ينتشرون بيننا ونراهم يختفون وراء بعض المصطلحات لايهامنا بأنهم من دارسي النَّقد الأدبي!!
وعندما يُركز القارئُ على عُنوان القصيدة وهو ” دعني أرحل في صمت” يجد أن الشَّاعرة استخدمت فعل الأمر ” دعني ” أي اتركني باستخدامها ضمير المخاطب “أنت ” ، وفعل الأمر في لغتنا العربية؛ هو كل فعل يُراد به طلب القيام بالشيء، ويُلاحظ القارئ أن الشَّاعرة استخدمت المعنى المَجازي لفعل الأمر ” دعني ” لأن الحبيبة هنا تطلب “الاباحة ” عن طريق الاستئذان من الحبيب ليسمح لها بالرحيل “الصَّامت “!!!

صَمت الْخَطِيبُ : سَكَتَ عَنِ الْكَلاَمِ
ولعل القارئَ يتساءل وهو يقرأ القصيدة؛ لماذا كررت الشّاعرة كثيرا كلمة ” صمت ” ؟
مما يجعلنا أمام حبيبة ترفض البوحَ عن مَشاعرها، وهذا ما تقصده الشَّاعرة ولا يجب أن يغيب عن الأذهان وهذا له دلالة عند القارئ والنَّاقد المُتخصص ، لذلك تقول :
{ ليكن مَوتي في صمت
كما أحببتُك في صمت
وليكن حُزني في صمت
مثل فَرحي في صمت
حبيبي الغائب عني
دَعني أختفي بعيدا
وأرحل في صمت
دَعني أغرق عينيَّ
بأغلى وأسخن دموع
دموع الصمت.}
وفي هذا المفتتح تعلن الشَّاعرة أن الصَّمتَ هو كل حياتها ، ومن هنا فهي ترفض الافصاح عن مَشاعرها مما يجعلنا أمام حبيبة تعيش في غربة فهي لم تكتفِ بالرحيل عن الحبيب؛ بل عن واقعها لتعيش في عُزلة بإختيارها، مما يجعلنا أمام” أوهام الكهف ” التي أشار إليها الفيلسوف الانجليزي فرنسيس بيكون :
{ إن أوهامَ الكهف هي الأوهام الفردية التي يقع فيها كل شخص نتيجة تكوينه الخاص، إن أكثر ما يدفع المرءُ إلى العيش في الأوهام هو طريقة التفكير التي يفكر بها، والتي تأتي نتيجة، في معظم الأحيان، من واقع الثقافة السائدة في المجتمع.}
وفي ختام القصيدة تقول الشَّاعرة :
{أو رجل يهذي
يبحث عن ثأره
يفقد عقله في صمت
أو تعرف ؟!
قلمي يتجمد في يدي
يكبله مدادُ الصَّمت
حبيبي الغائب عني
لا تنسَ أننا نُولد على حُبٍ
نُولد في صَخبٍ
ونَذبلُ ونَموتُ في صَمتٍ}
تعلن الشَّاعرة أننا جميعا نرتبط بالصَّمت رغم إرادتنا ، من خلال ” الثأر ” وعندها يفقد الإنسانُ عقله دون وعي؛ وكأن هذا العقل في صمت عن التفكير الصحيح أثناء اتخاذ قرار ” الثأر “،
فنحن نستقبل كل مولود بالصخب والزغاريد بينما نموت جميعا في صمت وهذه هي المُفارقة التي تُقدمها لنا الشَّاعرة ، وهو ما يُذكرنا بميلاد ” عفارم ” في قصَّة ( عفارم ) للدكتورة نوران فؤاد.
هذه قراءتي النَّقدية لديوان ” أحجبة الصَّبر ” للدكتورة نوران فؤاد راجيا أن أكون قد اكتشفت شيئا في هذه ” الأحجبة ” التي حاولت فتحها للقارئ الكريم.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى