ط
الشعر والأدب

قرار ..قصة قصيرة..يقلم / هدى أبو العلا


………………………
تنفس الصعداء وهو يتأمل دخان سيجارته، وأخيراً أفاق من كابوس كان يؤرِّق مضجعه، قلبه كان هناك معها، وشاءت الأقدار أن يكون مع غيرها، عانده القدر، وقف له الفقر بالمرصاد يتتبع خطواته، فاختار ألَّا يكون أنانياً، تركها وقلبه يتمزَّق من أجلها.

كانت شفَّافة جميلة المظهر والروح، من أسرة متيسِّرة الحال، مها زميلته فى كليَّة الآداب، تمت خطبتها وتزوجَّت فى خلال ستة أشهر، وانغمس هو فى عراك مع الحياة، مرَّة يبتسم له الحظ ومرَّات أخرى يعانده، كثيراً ما نام دون عشاء، فى غرفته المتواضعة فوق سطح إحدى العمارات العتيقة فى وسط البلد، دقَّ الحَظُّ بابه، زميل من أيام الجامعة كان يعلم قسوة ظروفه، وضنك معيشته عثر له على عمل وجاء ليبشِّره به، طار من الفرحة وترقرق الدمع فى عينيه، تركه زميله، وهو يردِّد :

لا تتأخر… تمام السابعة صباحاً أمام باب الشركة.

قام على الفور بغسل ملابسه ونشرها، وحاول أن يعالج شكل حذائه ويداوى جروحه المنبثقة من كل جانب، وجدها لا تستجيب فاضطر إلى أن يذهب إلى محل تصليح الأحذية، وعاد, لم ينم حتى شروق الشمس.

بدأ فى كى ملابسه التى مازال أثر الماء يظهر فيها، ارتدى ملابسه على عَجَل ووصل إلى الشركة قبل الموعد، قابله صديقه وقدَّمه للمدير الذى وافق على تعيينه بعد حوار قصير لحاجة العمل إليه.

حمد الله، ووضع كل همومه فى عمله، وتبسَّمت فى وجهه الحياة.

من أوَّل راتب اشترى حذاء جديداً، وتذوق طَعم اللحم الذى كاد أن ينساه .

أثبتَ كفاءته بعد فترة قصيرة من العمل، وحاز رضا رؤسائه، لذلك حصل على ترقية سريعة، وهناك بالمكتب الجديد تعرَّف على زميلته (نغم)، شخصية دبلوماسية تتمتع بالذكاء والغنى، متواضعة الجمال، احتوته وأبدت له اهتمامها وكانت تكبره بعامين، أخذ قرار الزواج سريعاً، فهو يحتاج إلى الاستقرار، لم يهتم لتحذير صديقه، كانت تمتلك شقة فى حىٍّ راقٍ مجهزة بكل شئ، طلبت شَبْكة متواضعة، وتمَّ الزفاف فى حفل جمع الأهل والأصدقاء.

مرَّ أسبوع العسل سريعاً وعادا إلى العمل، كان يتغاضى عن بعض المضايقات والخلافات بينهما، وتمادت هى فى فرض سلطتها عليه حتى كاد يختنق، كان يقارن بين مَن ملكتْ قلبه بحنانها ورِقَّتها، وتلك العصبية المجنونة الغيور وصوتها المرتفع الأجشّ.

استحالت الحياة بينهما، وبعد خلاف طال، ألقى عليها يمين الطلاق، فثارت كالمجنونة تناولت آنية الزهور بيدها وهجمت عليه.

هنا استفاق من الحلم، جلس يحمد الله وتناول هاتفه النقَّال وبأنامل مرتعشة اتصل بصديقه حاتم:

أنا اتخذت قرارى، لن اذهب لطلب يد الزميلة، أرجو أن تتفهَّم موقفى، اعتذر عن الميعاد .

ثم أشعل سيجارته بهدوء

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى