اضغاثُ من نور
كان يوسف شاب في منتصف العقد الثاني من عمره ، متوسط الطول حسن الخُلق ذا وجه بشوش ولكنه كان هادئاً بصورة ملفتة للنظر ، وكان رزيناً لا يتحدث إلا قليلاً جداً فكان يبدو وكأن هناك شيئاً يشغل تفكيره معظم الوقت، ولكن أحداً أبداً لم يدري ما هو هذا الشئ .
وفي أحد الأيام بينما كان يوسف في شرفة غرفته يتأمل السماء أحس فجأة بغصة في حلقه وانهيار في قوته ففكر لعلها ذبحة قلبية لأنه شعر أن مصدر ذلك كله قلبه .
فشعر بدوار خفيف وكان السرير قريباً منه فلجأ الي السرير ونام كما هي عادته علي جانبه الأيمن وبدأ بالتسبيح
وأحياناً في هذه الحالة يريه الله سبحانه وتعالى صوراً يعرف بها حاله أو درجته في ذلك اليوم من حيث عبادته أو قيامه بواجباته أو أي موقف .
ودائماً ما كانت تكون هذه الصور بشكل ومضي ولكن هذه المرة كان الأمر مختلفاً تماماً إذ استمرت المشاهد التي رآها حوالي النصف ساعة .
كانت الصورة الأولي التي ظهرت أمامه رأس وحش منفر مما جعله يتوجس خيفة من أن يكون قد أخطأ بشئ في ذلك اليوم او قصر في أمر كان عليه آداؤه ، وأخذ يربط ذلك بحالة قلبه وحالة الإرهاق الذى أصابه والشعور الذي انتابه ، فشعر بقلق شديد ولكن سرعان ما تلاشت هذه الصورة وظهر أمامه شعر جميل منسدل علي كتفي فتاة هي من الغيد ، اندهش يوسف بالرغم من أنه لم يري باقي جسدها ولكن الملفت جداً كان لونها ، كانت نورانية من الأزرق الفيروزي أو السماوي الشفيف ،
فهدأت أنفاسه لرؤيتها وشعر بسعادة أولية متمنياً أن يري وجه هذة الغادة الجميلة بعد أن كان ظهرها إليه ، فتحولت إليه بهدوء وبطئ فصُعق يوسف من الصدمة حيث كان وجهها شديد القبح ، فأخد يتعوذ بالله وعاد إلى تساؤله عن وضعه وحاله عند ربه في كثير من الدهشة ، وبينما هو في هذة الحالة سقط عن وجهها ما كان وجهاً مستعاراً يستعمله الاطفال في لعبهم ولهوهم .
فنظر إليها متفحصاً فإذا هي وجه جميل ينم عن عمر في حوالي الثالثة عشر أو ربما الخامسة عشر ، كانت في نفس لونها النوراني وكان يحجب وجهها بين الفنية والاخري نورخفيف من نفس لونها الشفيف ثم اخد يظهر جسدها شيئاً فشيئاً حتي ظهر كاملاً .
لكن يوسف في هذه اللحظة _ برغم إعجابه الشديد بها _ لم يشعر بما يشعره الرجل عادةً تجاه المرأة من رغبة وشوق وإنما كان مجرد إحساس بالجمال الذي فيه دافع قوي للشكر لله ، فأخد يوسف ينظر إليها بفرحة شديدة ولكن سرعان ما اشاحت وجهها عنه متمشية مبتعدة قليلاً ، فانتابه شئ من الأسف وعاد إلي تساؤله وماهيه حاله وحال قلبه عند الله ،
ولكنها فجأة قطعت تفكيره واضعة يديها على كتفيه وارتفعت عن الأرض حتي أصبح جسدها في فضاء ما تدور حوله ثم دخلت في جسده وأصبح قلبها علي قلبه . فانتفض يوسف فزعاً حيث أنه معاهد الله أن لا يكون احداً ولا شيئاً في قلبه غير الله ، وأنه واهب له هذا القلب طيلة عمره .
وبعد قليل من التأمل قال لها يوسف : إنما أنا قلبي لله
فقالت : وانا قلبي لله ،
فشعر عند ذلك أن قلبها قلبه _ أصبحا قلباً واحداً _
شاهد يوسف هذا كله ببصره وبصيرته ثم شعر أن جسده وكل خلية فيه امتلئوا منها واتخذوا نفس اللون النوراني .
ولكن سرعان ما تذكر يوسف ما افزعه وهو أنه يدعو الله ويسأله كل يوم أن لا يكله لنفسه ولا لأحد أو لشئ من خلقه طرفة عين أبداً ، فكيف به وقد ركن الي هذه النورانية وقد حلت بكل كيانه ؟!
فكأنما أُدخل في روع يوسف مقارنة ارتاح لها أن هذه النورانية هي عطاء من الله ليصلح بها قلبه ويطهره تطهيراً ، وقارنها مع الملاك الذي أرسله الله إلي مريم ” فتمثل لها بشراً سوياً ” فأصبحت بذلك مقدسة ، وارسل الله له هذه الروح الملائكية فتمثلت له فتاة فأصبح كذلك .
كان يوسف سعيداً جداً بهذا التعليل وشعر أن قلبه قد استقر وضعه كأحسن ما يكون ، ولكنه شعر فجأة بشئ من الضيق والتساؤل عن مصيره بعد هذا كله ، فانقلب بشئ من الخشية إلي جانبه الأيسر ، فرأى أن له جناحين من نفس الشكل النوراني وجسداً طويلاً اطول مما هو عليه في الحقيقة وشعراً طويل مجعداً بشكل انيق وجميل ثم غاب كلياً عن وجوده في السرير ، فإذا به طائراً بجناحيه صاعداً في السماء ، وكأَن أحداً يسأله إلي أين فيقول : إليك يا الله قاصداً وجهك الحبيب .
ثم استيقظ يوسف من هذه الحالة وهو شديد الاحساس أنه لم يغفو اغفاءة تامة ، فجلس على حافة السرير يراجع ما رأي لدقائق سمع معها آذان المغرب فقام إلي الصلاة متفقداً أول شئ قلبه .
قصة قصيرة
الاسم / غادة عبد الخالق احمد
الشهرة / غادة عادل
https://www.facebook.com/ghada.adel.10?mibextid=ZbWKwL
الشهرة / غادة عادل
https://www.facebook.com/ghada.adel.10?mibextid=ZbWKwL