الإسم عائشة عبد الحي محمد
تليفون محمول/01220964442
جمهورية مصر العربية
الأسكندرية
لينك الفيس بوك
https://www.facebook.com/aisha.mekky.98
أَنْيَاب الظَّلَام
قُبَيْلَ الْغُرُوبِ وَعَلَى بَابُ بَيْتِهِ الَّذِي يَطُلْ عَلَى الْبَحْرِ يَزْفُر” يونس” بالآهات يَسْتَمِعُ إِلَى أَمْواجُ البَحْرِ المتلاطمة، يُلَمِّح ظله أنين سهاده وَجَفَاف ضفافه بَيْن هدير الأَمْواج الذي يشْهَر رِمَاح ذِكْرَيَاتِه ، نخر دِفْءٌ بيته ،حَوَّلَه إلَى صَقِيع ، جُدْرَانِهَ تَكْتَحِل بِالدِّمَاء وَالعَوِيل ، الأَمْواج
تحتضن جثامين دموعه ،
واقفّ عَلَى ذُرَى يَأْسُه ، اِخْتَبَأ ظِلُّه بعيدًا عَنْه
لِاسْتِجْمَاع شَجَاعَتِه مِنْ أَجْلِ مُوَاجِهَة قَوِيَّةٌ مَعَه
اِقْتَرَبَ مِنْهُ هازًا جَذَعٌ زَيْتُون فَصَاحَ بِهِ آمرًا إيَّاه
بالابْتِعَاد ،
محاولاً لَم شَمِل شتاته الَّذِي كُفن بَيْن أَمْواج حُزْنِه العاتية ، وسمائه المرصعة بالأشباح مُذ أنْ فُقِدَت سَاقَهُ وَنَظَرُه أَثْرَى عَمَلِيَّة إرهابية ،
يقف الظِّلّ بعيدًا عَنْهُ
– وَهُوَ يَحْك جَسَدِه فينسلخ جِلْدُه يَقْضِم سُكُونِه لَا يُعْرَفُ إذَا كَانَ مسلمًا سنيًا أَو شيعيًا أَوْ كَانَ مسيحيًا كاثوليكيًا أَو أرثوذوكسيًا أَو بروتستانتيًا ! !
_وكأن يونس فِي سَاحَةِ مَعْرَكَة ؛ حَاوَلَ أَنْ يحاصر نَفْسِه وَيُدَقّ حَوْل رُوحَه خَيْبَتِه
فَتَحَطّمَت كُلّ أسئلتهِ ، رشقها جِدَارِه الْأَصَمّ عِنْدَمَا تَلْقَى صنوفًا مِن شَظَايَا الرُّعْب الإرهابية
-يونس:اغرب عني!!
-ظِلُّه يَنْظُرُ إلَيْهِ فَيَرَاه منغمسًا فِي السَّأم ، كَأَنَّهُ فِي صَوّان عَزَاء أَبَدِي ، تَرَكَه يَرْتَجِف فِي الظَّلَامِ كَشَيْخ أَلْقَى بِهِ زَمَانَةٌ فِي مَتاهَة ، وَكَأن الْأَرْض زُلْزِلَت زلزالها ، وأخْرجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالهَا ،
ظِلُّه: سأهُزّ لَك بِجَزَع أَمَل كَي ترْتَدِيه ،
لَكِنَّه دائمًا مَا يَجِدُ
“يونس” يَتَعَثَّر كُلَّمَا سَلَك طريقًا
يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ نفسه.
يونس: لطالما نَالَ مِنِّي إعصاري حَتَّى انْحَنَى ظَهْرِي عَلَى مسامع مِنك أيها الظل،
أتقابل مَعَك مضطرًا
الظِّلّ : أعرف أن كَلِمَاتي كالأشواك أَوْ أَشَدَّ عنفًا
يونس:اغرب عني،سأقضي عليك
الظل:سأتتبع رائحتك وَأَبْحَث عَنْكَ فِي أدراجك الْمُهْمَلَة ، بَيْن معصمي صُمْت جراءتك وَبَرَاءَة لَيْلِك تِلْكَ الَّتِي زفتها أَنْيَاب الْخَوْف
لَا تَغْضَبْ مِن جُنُونِي ، سأبعثر تِلْك الرَّوَائِح النتنة الَّتِي تَنَاسَلَت مِن جَدْب حَيَاتِك ، بَيْنَ ذَرِيعَة فشلك ورقصات أحلامك الَّتِي أَوْشَكْت عَلَى الِانْتِهَاءِ
– اقترب الظل أكثر،فرماه “يونس”بكل ما طالته يداه،لكنه لم يفلح في إصابته،
عاود الكرة مرات ففشل،وبحركةٍ مباغته طرحه ظله أرضًا صارخًا به
-تَقَيَّأ اعوجاجك لَا تَجْعَلْ مِنْه مِسْمَار نَعَشَك فيحتويك ،
أَو كابوسًا مزعجًا يشبه” تسونامي” ، لَا تَجْعَلْنِي متأبطًا رواياتك النتنة وأشلاء غاراتك ، وإنفجارات مدنك ،
افْتَحْ عَيْنَيْك ، فِي كُلِّ لِقَاء بَيْنِي وَبَيْنَك ، اكنس تجاعيدك بالأمل والعمل ولا تنسى الِاسْتِغْفَار كَي أنتشلك مِنْ ثَقْبٍ ذاكرتك الْأَسْوَد ، ذَاكَ الَّذِي يراقص خَرِيفٌ إبتساماتك وَيُقِيم طقوس لَيْلِك الْمُمَزَّق أَغْصَانُه .
حاول “يونس” الإفلات من تحت ضروسه عبثًا
،أستأنف مقاله باكيًا:
-أعي أَن أَعْدَائِك حرقوا زيتونك وأشعلوا آلامك…
سَتَرَى الصُّبْح يُفِيض ويهمس لَك كموسيقى “ياني”
اعرفْ أَنَّ الْكُلَّ يَتَزَاحَم عَلَى رطبك …أنت وَجْهَه أسفاري وَفَارِس أرصفتي الحزينة ؛ أَنْت حارسي الأمين…
أبْحَث دَاخِلٌ جعبتك عَن سِهَام الْحَقّ ، بَيْن ذراتك ستجدُ بُذور الْحَبّ ،
ثق أَنَّهُمْ لَنْ يَسْتَطِيعُوا إِطْفَاء بكارتك ؛ مِنْ رَحِمَ معاناتك سيزهر تاريخك ،
لَن أُعْطِيك بُنْدُقِيَّة ، لَن أُسقطَ داخلك الْهُوِيَّة لَن أمزق أعلامك كَي تَدَّعِي الوَطَنِيَّة ، ستصلي فِي معبدك وَلَنْ تَكُونَ مفقودًا فِي الْبَرِّيَّةِ ، لَنْ تَنَالَ مِنْ شَبَابَك الْأَحْدَاث ، فَأَنَا
لستُ بمسدس أقدارك اللَّا مُنْتَهِيَةٌ ، أَنَا ظِلُّك المتسكع المتخثر شَفَتَاه مِن الْخَائِنِين ،
أَنَا غُصْن زَيْتُون أَخْضَر بنجماتك المتمردة ، فَلَا ترتدي أقنعتك الْمُلَوَّنَة لِتَحَقُّق أَحْلَام غَيْرِك ، فَيُصْبِح وليدك لَوْحَة ملطخة بِالدِّمَاء ،
– لكمه”يونس” بقوة فوقع لعدم توازن قوى جسده.
أقترب الظل منه زاحفًا وربت على كتفه وهمس
في أذنيه قائلاً:
-أعرفُ إِنَّك بَحَثْت كثيرًا عَنْ وَرَقَةَ بَيْضاءُ تُعلن عَن انسانيتك ، لَكِنَّك فُقِدَت كَرَامَتِك فِي إحْدَى الْمَرَّات وتعثرت ، قَطَعُوا دَابِر الرَّحْمَة داخلك وغرسوا فِتْنَتَهُم فِيك ، فأتعبك الِانْتِظَار وَخَاب فِي نبضك الْأَمَلِ حَتَّى اِرْتَعَش وَمِيض شمعتك .
– جحظت عيني “يونس”ثم إرتسمت على وجهه ابتسامة.
-أَنَا ظِلُّك وأرتجي عودتك ، هَل تَبَعْثَرَت فِي الظَّلَامِ مِثْلِي فَلَم تَرَنِي ، أَمْ فِي السَّرَاب مَدَدْت إلَيْهِم يَدَيْك وَلَم يكفولوا رُوحَك فتهتَ وَفِي إِدْرَاج خَوْفِك تقوقعت .
الظِّلّ يَخْلَع قَمِيصَه ويتثاؤب مرددًا
بُترت إحْدَى رِجْلِي “يونس” وَأُصِيب بِالْعَمَى أَثَر انْفِجَار عَبْوَة ناسفة وَضَعَهَا إرهابيون .
“يونس” يُحَاوِل الِانْتِصَاب وَلَكِنَّه يَسْقُط ، يُشْعِر بالرعشة وَعَدَم التَّوازُن وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ نَحْو ظِلُّه ! !
-يُرَدِّد الظِّلُّ عَلَى مِسْمَعَة بطلاقةٍ :
أَرَى فِي أدراجك حِكَايَاتٌ ذَات رَوَائِح نَتْنُه ، أَرَاك وَقَد أَشْبَع الْمَوْت جَوْف مقابرك ! !
لاَ تُقْلِقْ سيرتد إلَيْك بَصَرُك لتعي أَنَّ الْحُبَّ فَرِيضَة ؛ الْحَبّ هُوَ اللَّهُ،
أَنَا تؤأمك ؛ خُلقتَ مَعَك ، أَنَا قَرِين بحرك الْعَمِيق الممتلئٌ بمبادئك ، غائِص فِي انكساراتك .
أَتَعْرِف عَهْدُك القديم…ثقتك بِنَفْسِك …إكتفائك بذاتك …أتعرف جنتكَ الَّتِي كونتها بعيدًا عَن مستنقعك العفن ، لَا تَقامُرٌ بسعادتك .
أَنْت لستَ بخردة تجيد الْأَنِين ، أَنْت حَضَارَةٌ وَذَهَب خَالِصٌ لَا يَعْرِفُهُ العابرون ، فَلَا تورثني هَشاشَة حروبك ، ومقابرك الْمَحْفُورَة بَيْن ضلوعك تِلْكَ الَّتِي تُشيع شَمْسِك دُون جِنَازَة ، دُونَ عِلْمٍ حريتك ،
عَلَيْك بِبِئْر عَمِيقَةٌ تحفرها لتواري تِلْك
الرَّوَائِح حَتَّى لَا تتخثر وتدفعك إلَى الْمَغِيبِ ، فتتربص بأنفاسك الثَّكْلَى وَتَلَقِّي بِك فِي غَيَاهِب
چبك .
صَاحِبِي : أَنْت لَسْت بچثة مرقتها يَد عابثةً ، فَلَا تَجْعَلْ الظَّلَام الصَّامِت يَتَسَرَّب إلَيْك
اِرْتَدَى أَهْدَابٌ أَمْلِك وَخُذ فِي إلْقَاءِ حكاياتك النتنة فِي الچب وَهَزّ بِجَنَاح نوافذك كَي تُشْرِق شَمْسِك ،
اذْهَبْ إلَى دَهَالِيز نَفْسِك وَلَوْ مَرَّةً
أُطْفِئ نِيرَان الْحِقْد ؛ كُنّ لَهَا مطرًا ، أَقِم مَوَائِد الْحُنَيْن وَأَوْقَد شَمْعِه أحلامك وَعِنْدَمَا يَأْتِي الشِّتَاء افْتَح نوافدك لِلرِّيح لِيَرْحَل مَا تَبَقَّى مِنْ تِلْكَ الرَّوَائِح النتنة ، ، اذْهَب إلَيّ فِنَاء نَفْسِك كَي تَطَابَق زَوَايَا ظِلُّك ، لَمْلَم حقائبك وَأَذْهَب حَيْث مَدِينَة الْحُرِّيَّة وَالسَّلَام ،
حَيْث سِلَاح الْحَبّ خُطَط لشاطئك ، أَرْوِيه بِالْأَمَانِي وَعُذُوبَة الْأَمَل ،
اغْسِل ثَوْبي وعطره بنفحات حُبُّك فَمُذ عرفتُك وصورتك لَم تُفَارِقُنِي ، أَنْتَ وَحْدَكَ مِن يضئ ظلمتي ، ويحاورُ جَوَانِب شَغَفِي ، أَنْت نبضاتي الزَّكِيَّة وَمَعَانِي الْحَبّ الْأَبَدِيَّة .
-الظِّلّ يُخْفِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ قَبْلَه ! !
يُحَاوِل العروج إلَى “يونس” كَي يَضَعَهَا عَلَى جَبِينِهِ ،
سَالَ لُعَابُ “يونس” حَتَّى ابْتَلَّ ريقيه ! ! وَالرَّغْبَة تُساومُ ظِلُّه
كُلَّمَا اشْتَدّ بِصَاحِبِه الْحَالِ وَلَكِنْ شَفَتَاه ضَلَّت الطَّرِيق ،
وَاللَّيْل اِرْتَدَى جعبت “يونس” الْمُرَصَّعَة بِالْوَجَع
فَمَا كَانَ مِنْ “يونس” إلَّا أَنَّهُ أَضْرَم فِي أحلامه النِّيرَان لينير دُرُوب الْآخَرِين حَوْلَه ، وَلَم يُقَابِل ظِلُّه مُذ ذَلِكَ الْحِينِ .
عَائِشَة مَكِّيٌّ