ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة / أَشجان الذكريات . مسابقة القصة القصيرة بقلم / هيثم فاخر حسين العوادي . العراق

الاسم:-هيثم فاخر حسين العوادي
اسم الشهرة:- هيثم العوادي
الدولة:- العراق
رقم الواتساب 009647700475733
رابط صفحة الفيس بك:-
https://www.facebook.com/profile.php?id=100000714755515&mibextid=ZbWKwL
أَشجان الذكريات
منذ ليل البارحة وأنا أجلس القرفصاء، ليلة كاملة لم تهدأ وتيرة القصف الذي يطال وحدتنا،حميد.. يولول كالنساء مع كل صوت انفجار، وشاكر.. الذي يحتضن بندقيته، كما يحتضن ابنته، مستلقيا في ذلك الشق وكأنه في عالم آخر، لا تعلم هل انه يائس من الحياة؟ أم إنه بطل صابر في الملمات، أما سمير.. دائم التفكر في هذا العالم ويتسأل:
-لماذا خلقنا الله لمثل هذا العذاب؟، لماذا لم اسقط ميتا عند الولادة؟ او تدهسني سيارة؟ او متت عندما سقطت من سطح الدار وأنا صغير؟ كان يلوم نفسه على كل لحظة عاشها فهو دائم التذمر.
أما أنا فقد أكملتُ كل ما أحفظه من سور في القرآن، وكل الأدعية التي اعرفها حتى دعاء الحفظ والأمان الذي تدعو به أمي مع مغيب الشمس وقبل النوم يومياً:
-( سور أبطن سور، وبيرغ علي على بيتنا منشور، والحسن لازم اشبابة، والحسين واكف ابابه، البعيد يبعد، والجريب يخطف، بالله ومحمد وعلي) اداوم على قرأته بدون كلل او ملل فأن للأمهات سر مع الله لا يعرفه الا هو سبحانه.
خفَّت وتيرة القصف لكنها امتدت في عمق الجبهة، كنا مجموعة إستطلاع بعثنا الآمر لكي نراقب تحركات العدو من أرض الحرام كما يسمونها، فهي منطقة محرمة على الأحياء، كل شيء فيها ميت تقريباً، مهمتنا لم تكتمل بسبب جغرافية المكان التي تعيقنا، فلم نرَ عدواً ولا عدواً رآنا، خططنا للانسحاب لكن أين نذهب؟ فالعدو امامنا والقصف يطال جبهتنا الامامية، بقينا يومين آخرين وبدأ ينفد منا الماء والطعام.
في غمرة تلك الأحداث خطرتني فكرة الزحف باتجاه قطعاتنا، كانت المسافة ثلاث مائة متر تقريبا، وافق اصدقائي فلا سبيل لنا غير ذلك.
تتقاطر رشقات المدافع الى أن تخبو شيئا فشيئا عند منتصف الليل، حين ترتاح الرؤوس قليلا فوق اكتافها، وتستكين الأطراف قبل التحليق في السماء؛ حينما كانت تمطر أصابع مبتورة، وتنام رسائل الأحبة رغداً في جيوبهم قبل أن تحترق، وتبقى اسرارها جدث في تلك الصدور الممزقة.
بدأنا نغرز كوعا اثر آخر، واليدين تحيط بخصر السلاح، نتمايل على الرمال كالسحالِ، تقدمنا بضع خطوات، فزدادت حرارة المشهد، انها الحصى في ليل آب، جمر غطاه الرماد، قلبه الأحمر المتوهج يشوي اجسادنا، في ذلك الظلام الدامس، سكنت الأرواح والاصوات الا من حفيف الحسك الذي يُمسك بملابسنا، وأنين اجسادنا من وخز اشواكه.
عدم وضوح الطريق جعلنا نتقدم بلا هدى، وزحفنا البطيء قربنا من خيوط الفجر الأولى، عندما رفعت رأسي، كنا قد توغلنا في مكان محاط بالاسلاك الشائكه.. بصوت مرتجف ورعب يسري في شراييني قلت لهم:
-نحن في حقل الغام.
خيم الحزن على ملامح الوجوه، نظرتُ الى الخلف كانت مسافة ولوجنا عشرة امتار، لا سبيل لنا سوى العوده الى الخلف وعلى نفس الآثار التي تركناها خلفنا.
حين تحاصرك الهموم، وتعكس معك الدنيا ويتخلى عنك الحظ الى غير رجعة لتغدو وحيداً تندبه، وتلعن الحرب وقادتها… في اثناء تقهقرنا شعرنا باليأس يحوم فوق الرؤوس، في ذات الوقت كان الحذر سيد الموقف وكل منا ينبه الآخر. فحياتنا ومصيرنا تحدده هذه الأمتار… في تلك الاثناء، سمعنا فحيح أفعى قريبة جدا، بين الخوف من الألغام و خوفنا منها تسمرنا في مكاننا، همست لهم:
– اقطعوا أنفاسكم قليلا وابقوا على هذا المنوال، لا يتحرك منكم احد.
جاءت الأفعى تتمايل على الرمال وتزحف نحونا، توقفت فجأة، رفعت رأسها، تراجعت الى الوراء قليلاً، ثم انحرفت الى مكان آخر لتتجاوزنا، تسلقت بندقيتي وخطفت أمام عيني.. كان قلبي يخفق بشده، لدرجه أحسست بأنها شعرت بهذه الدقات المتلاحقة وانفاسي اللاهثة، التي لم اصمد على حبسها، زحفت غير مكترثة لنا، فاسرعت متجهة نحو حقل الألغام، لكن الخوف لا زال يتسرب في شعاب جسدي وشآبيب اوردتي، لست متأكدا، هل خوفي واقعي؟ ام لا؟.
عندما تسير الافعى على الالغام هل تنفجر؟ام ان وزنها لا يؤثر ؟ تلك الأسئلة التي ترن برأسي كناقوس كنيسة صباح يوم الأحد، بقينا تحت اطواق الخوف التي تحاصرنا ننتظر لحظة العروج والخلاص، جهزت نفسي للقطة (أكشن هوليوديه) وأنا أشاهد بنسج الخيال انفجار مدوي تتصاعد منه النيران ونطير معا نحو السماء.
عدنا بهدوء الى نهايه الممر الآمن، نظرت الى جبهه العدو فإذا هي محتدمه بالرجال وكأن شيئا يُحضَّر في الافق القريب، وجدنا شقا صغيراً لايكاد أن يتسع لنا، حُشرنا فيه كعلبة سردين، كان اليأس يحيط بنا من جميع الجوانب لا نستطيع أن نعود الى موقعنا السابق ولا أن نذهب الى الجبهه، وكأننا احرقنا السفن التي تقلنا واصبحنا بمواجهه العدو ومستهدفين من قواتنا.
أخذ منا الجوع كل مأخذ، اخرجت من جيبي بعض حبات التمر وأخرج حميد.. خبز أمه اليابس الذي لَفّته بعصابتها، وكان يخزنه بين البدلة والفانيلة بالقرب من صدره، وأخرج شاكر.. زمزمية الماء التي بدأت تنضب، ما ان شرعنا بالأكل ووضعت أول تمرة في فمي، دوت انفجارات هائلة، قريبة منا، اضرمت النيران على طول خط الجبهتين، بدأ الهجوم ولا نسمع سوى كلمات التكبير مع تصاعد الدخان الأسود الذي ملئ الآفاق وساد الظلام أرض الحرام، ولم نشعر الا ومجموعة من جنود العدو فوق رؤوسنا فما كان مني الى ان استلقيت خارجا من الشق على ظهري واتوسل بهم ان لا يقتلوني، قال لي كبيرهم، بعد ان اخذ بندقيتي:
– هيا.. قم بسرعة.
-لا لا لا اريد ان اذهب معكم ان أمي بانتظاري لا أريد ان أذهب معكم اتركوني… اتركوني…
فجأة انزاح الظلام، شاهدت وجه أمي المشرق، وهي تبتسم وتخرجني من تحت السرير، وقالت لي:
-هل عادت اليك الحالة مرة أخرى هيا قم يا ولدي.
نادت على أختي الصغرى:
– لماذا لم تعطي الدواء لأخيك حامد؟.
والتفتت الي قائلة:
– الحرب.. انتهت من زمان ياولدي.
-لا يا أمي انت متوهمة فالحرب في رأسي لم تنتهِ بعد.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى