ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة (إذا رجت الأرض) مسابقة القصة القصيرة بقلم / إسماعيل صالح محمود .مصر

للمسابقة
فئة القصة القصيرة
الإسم : إسماعيل صالح محمود
الجنسية : مصري
واتس آب : +201220888660
إيميل :
[email protected]
المشاركة الجزء الأول
( إذا رُجت الأرض )
صور متقطعة يفصلها ضوء مبهر يحجب الرؤية ثم يخفت .. طائر ضخم يفرد جناحيه بين جبلين ..النجوم تتساقط من السماء تنفجر بدوي عنيف .. رمال مخضبة بالدماء .. أرض نهمة متعطشة للدماء لا ترتوي أبدا .. أنياب قذرة تبرز تحت الأقدام في كل خطوة و تجبرها على السير في خطوط متعرجة .. قطع بشرية متناثرة .. ارتجاج قوي يهز كل شيء .. أصوات مختلطة ثم صراخ يصم الآذان ثم صمت طويل ..
كل شيء يبتعد الآن ..
و الاصوات تخفت ..
ينبت في الفراغ فجأة جسم يتحرك في اتجاهه يقترب وجه مألوف رجل فارع حاد الملامح صارما ببزة رسمية بدا صوته بطيئا وعميقا جدا يأتي من اغوار بئر سحيقة :
– حمد لله علي السلامة يا بطل . ننتظرك في حفل التكريم إن شاء الله .
قالها و ربت على كتفه ثم استدار في حركة آلية و ابتعد بخطوات رتيبة ..
علت أصوات قريبة فانتبه للعيون المحدقة حوله بنظرات متباينة كثيرا منها تحمل الشفقة تذيلها ابتسامات مصطنعة و أخرى فاحصة بشفاه مواربة و أخرى شامتة بأفواه منفرجة …
شعر بتيبسات في جسده انحنى للأمام يعتدل من رقدته الطويلة اتكأ بكفيه على فخذيه كما اعتاد فأدرك إحداهما بغيته و سقط الأخر في الفراغ …
القدم اليمنى في موضعها أبت أن تخذله و اليسرى فارقت ..
ارتعش كفه الواقع في الفراغ و قذف بداخله كتلة من احاسيس متداخلة ..
انهمرت دموعه غزيرة تبلل موضع القدم الزائلة ..
هذا الفراغ الذي احتل مساحة في جسده يبعث بداخله شعور مرير.. عقله يبعث بإشارات سريعة مجنونة لجزء لا يستجيب .. لازال العقل مضطربا لا يستوعب الخسارة الفادحة .. امتد الوقت يتأرجح بين ثرثرات جوفاء و صمت حذر حتي غادر الجميع فاعتدل مرة أخرى يتحسس الفراغ الذي اصبح جزء منه و كأنه يعتاد عليه و لكنه لم يألفه فعادت دموعه تتقافز خارج مقلتيه حتى أنهكته فاستسلم لغفوة ..
الضوء المبهر أولا ثم عادت الصور المتلاحقة .. يسيرون في صف واحد بخطوات حذرة محسوبة يتفادون الأنياب المختبئة .. الطائر الضخم يظللهم و يتبع خطواتهم .. توهجت السماء بشدة و قذفت نجوما مذيلة ارتطمت بالأرض بمنتهى العنف .. التفتوا للسماء فارتجت الارض من تحت أقدامهم رجا …
لم يحاول النهوض عندما جلبوا الكرسي المتحرك تركهم يحملونه و يضعوه بمعرفتهم … الفراغ الذي تركته الساق اليسرى اصبح شاغرا تتدلى به رجل سروال معقودة .. في الرواق ابواب الغرف علي الجانبين مفتوحة تكشف عن اجزاء بشرية متباينة العامل المشترك الوحيد بينهم هو الرأس يقود ما تبقي من الجسد …
مرت الأيام رتيبة و ظل هو قابعا من بين آونة تمر و أختها يرنو إلى الفراغ بمقلتين غارقتين في الدموع و عقله عاجز عن استيعاب الأمر ..
كل الاشياء التي ألفها طيلة حياته الآن تعلوها الدهشة محاصرة بعشرات من علامات الاستفهام أبرزها الأب الذي سبقه في التخلي عن جزء من جسده ..
ذراعه الأيسر ..
كيف لم ينتبه من قبل إلي هذا الأمر ؟!!
ربما لأنه ولد ليجده على هذا الحال !!
أو لأنه لم يشعر للحظة واحدة أن هذا الرجل ينقصه شىء !
نعم .. إنه يفعل ما يفعله الجميع بقدرة مكتملة بل أحيانا يفعل بذراع واحد ما لا يستطيع أخر أن يفعله بكلتا ذراعيه ..
كيف ؟!!!
كيف ألف هذا الرجل عجزه إلى هذا الحد الذي جعله يتلاشى و مد نفسه بقدرات إضافية تجعلك تري صاحب الذراع الواحد هذا و كأنه اخطبوط فقد ذراعا واحدا فنبتت له عشرات الأذرع في كل الاتجاهات ؟!!!
كيف ؟!!
و لماذا يعجز هو استيعاب الأمر و لا يستطيع أن يغادر محبسه في هذا الكرسي المعدني المقيت ؟!!
هذا الرجل الأخطبوطي عجيب أمره لم يبكي مرة واحدة منذ تلك الليلة و لم يرى منه و لو لمرة نظرة شفقة واحدة و لا يظهر في عينيه إلا ما يحمله له طوال عمره…
كل الحب ..
استسلم لرقدة الكرسي اللعينة واعتاد صرير العجلات المعدنية الرتيب.. رفض كل المحاولات للنهوض .. حتما سيختل توازنه و يقع و تنفجر حوله الضحكات الساخرة تطلق شظاياها النافذة لتطال البقية الباقية من نفسيته المحطمة …
جاء يوم التكريم و ارتدى بزته الرسمية و كذلك فعل أبوه الذي ظهرت عليه إمارات السعادة الغامرة و هو ينفض عن بزته العتيقة التراب بعد عشرات السنين .. تغير لونها قليلا و لكن لا بأس فإن بريقها لا ينطفئ ..
دخل القاعة المهيبة يدفعه ابوه بذراع واحدة و بقوة عجيبة .. رفع رأسه يتأمل الرجل و هو يدفعه بخطوات ثابتة ..
شئ ما يتغير بداخله .. هذه الأجواء تعيد إلى ذاكرته أياما يحبها .. نظرات الامتنان و الفخر التي تحيط به تبعث في روحه نشوة عجيبة ..
(السلام الوطني )
بعث الهتاف قشعريرة قوية سرت في جسده كله تحركت الدماء الراكدة و اندفعت في عروقه بقوة فائقة و هو يردد السلام بصوت مسموع …
التهب جسده بطاقة عجيبة
دار ببصره في المكان ..
أصبح الآن كل شئ واضحا ..
الصور المتقطعة صارت جلية الآن و الاصوات المختلطة صارت نقية تدوي في أذنيه بمنتهي القوة :
– الله اكبر .. الله اكبر
الطائر الضخم يتوسط راية الوطن أعلى القاعة خفاقة تظلل الجميع بلا استثناء .. معركة من معارك الشرف و العزة احتضن فيها تراب الوطن بعضهم و اختار اجزاءا من البعض الأخر …
الجندي ( محمد عبد الصبور ) ..
ارتقى به الأب المنصة و أمام القائد شعر للمرة الأولي بأنه مكتمل ..
لم يعد هناك فراغا في جسده ..
هب واقفا بقوة عجيبة و دار على عقب واحد حتى واجه القائد و قفز قفزة قصيرة و ضرب الأرض بقدمه بمنتهى القوة هاتفا :
– تمام يا فندم .
ارتجت الأرض تحت القدم الواحدة ..
ارتجت بدوي هائل خفقت معه قلوب من في القاعة جميعا ..
دوت الآهات انبهارا بين الحاضرين في القاعة لمهابة الموقف و التهبت الكفوف بتصفيق حاد و اتسعت الأعين انبهارا بالجندي الذي يقف بثبات مدهش و توازن عجيب على قدم واحدة دون ان يهتز .. احتضنه القائد و اعتصره بين ذراعيه بكل الحب قبل أن يدور مرة أخرى على عقبه يواجه الحاضرين في القاعة اللذين لم يتوقفوا لحظة عن التصفيق ..
و في مشهد رائع رفع احد الحاضرين قدمه للخلف و وقف على قدم واحدة تضامنا مع البطل فتبعه أخر و أخر حتى صار الحشد الكبير بأكمله يقف على قدم واحدة و التصفيق مستمر …
و يرتفع أكثر …
و أكثر
حبس دموعه هذه المرة و نجح في السيطرة عليها ..
لم يعد بحاجة اليها ..
لقد استعاد توازنه .

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى