ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة (إشارة حمراء) مسابقة القصة القصيرة بقلم / رحاب فكرى طاهر . مصر

خاص بمسابقة همسة الدولي
فئة القصة القصيرة
الاسم: رحاب فكري طاهر
واتساب: 01113387966
ايميل: [email protected]
المشاركة الجزء الاول

#إشارة_حمراء

الزحام خانق.. إنها ساعة الذروة.. الرابعة عصرًا في قاهرة المعز..
الشارع يعج بالسيارات والمارة ..
علامات البؤس والضيق تنافس ملامح الوجوه أماكنها
السيارة تكاد تختنق كصاحبتها.. أقف في الإشارة الأطول إطلاقًا
حرارة أغسطس تصهر معها الصبر المتبقي.. أغلق كل النوافذ وأضغط زر جهاز التبريد..
يصدر صوتًا مرتفعًا..
زوجي العزيز لا يأبه بإصلاحه.. إنه بلا فائدة!
ليت هذه الإشارة تنتهي .. يجب أن ألحق بفتاتي الصغيرة.. سينتهي موعد درسها في الرابعة والنصف..
يجب أن أكون هناك لأقلها للدرس الذي يليه.. إنها ضريبة العلم الأعرج في بلدنا.
ابني الأصغر لايزال لدى والدتي.. سأمر لاصطحابه.. لدينا الكثير لندرسه لامتحان الغد.
ثم.. بين صخب كل هذه الأفكار المتلاحقة
أنامل صغيرة تدق زجاج سيارتي.. التفتُ في تأفف.. فتاة صغيرة لا تتجاوز التاسعة من عمرها تحمل بؤس العالم في عينيها.. تعرض علي محارم ورقية لأبتاعها.. أدير وجهي في لامبالاة

يرن هاتفي المحمول.. انها ابنتي ..انتهت من درسها مبكرًا وتدعوني لاصطحابها.. أرد في عجلة من أمري.. ماهذا الحظ العجيب؟!
الأنامل لا تزال تصدر إيقاعًا منتظمًا خانقًا على زجاج سيارتي
أتناول حقيبتي لأبحث عن بضع جنيهات ألقيها للفتاة لتغرب عن وجهي.. أفتح النافذة فتحة صغيرة.. بالكاد تتسع لأصابعي
أناولها النقود..أسمع أصوات أبواق السيارات خلفي.. يالهذه الضوضاء.. إنه اللون الأخضر أخيرًا.. أقود مسرعة فأتجاوز الإشارة

أتجاوزهامسرعة.. ثم أنتبه أن النقود لاتزال في يدي.. لم تأخذها الصغيرة .. رغم أن الأطفال في الإشارات يتدافعون لالتقاط النقود من أصحاب السيارات.. غريب أمرها..

اليوم التالي.. نفس الإشارة التي لا تمل.. تسجن سويعات أيامنا داخلها..
نفس الأنامل الصغيرة تحمل المحارم الورقية.. أنظر إليها لأتأمل ملامحها الحزينة..
بشرة سمراء أو ربما لم تكن كذلك من قبل لكنها اصطبغت بقتامة أيامها.. الجلد غير متناسق اللون.. كأنها احتفظت بكل ندبة سببها لها الزمن في بقعة من وجهها..
عينان سوداوان غائرتان إذا أطلت بهما النظر بكيت!
أنف صغير دقيق.. وشفتان لا تدرك لونهما الحقيقي من اتساخ ملمسهما.
ثوب بالٍ امتزج لونه بأنماط من رسم غير محدد لبقعٍ من أشياءٍ شتى..
شعرها غجري أشعث ترابي اللون كسائر أيامها.. غير مصفف ولايبدو أنه قد تعرف على الفرشاة يومًا قبل.
أناولها النقود في هدوء كي لا تفلتها هذه المرة.. تنظر لي في حزن.. وترحل!
هل تبدو هذه النقود بهذا البخس؟
سأحرص غدًا أن أزيدها.. سأهبها عشرة جنيهات.. بالطبع لن ترفض.. لا شحاذ يرفض عشرة جنيهات مرة واحدة!
لكنها رفضت.. ورفضت ورفضت..
نفس الحزن الذي يستوطن العينين..
لا لم يكن حزنًا.. كان رجاءًا.. توسلًا.. تمنيًا!
كنت أتساءل كل يوم.. ما الذي يمنعني أن أسألها لم لا تتناول المال؟ لم لا أسألها ما اسمها؟ لم لا أبتسم لها؟
هل كان ضيق الوقت الذي تلتقي به أعيننا؟ أم ترفعي عن الحديث معها؟ أم الآف الحكايات التي تحتل رأسي تشغلني..

كانت تنقصني الشجاعة
أن أهزم خوفي وقلقي.. أن أحطم روتين يومي
أن افعل شيئًا.. أحتاج أن أفعله..
لأظل إنسان
قررت أن أركن سيارتي وأترجل منها..
لكنني لم أكن خالية الوفاض .. أعددت لهذا اليوم منذ أسبوع
اصطحبت معي وجبة طعام ساخنةوجبات جاهزة كالتي يفضلها أطفالي.. ربما تستحق أن تشعر أنها طفلةلمرة واحدة..
جلست إلى جوارها ..
ما اسمك؟
هند!
ياله من اسم.. جميل جدًا!
قدمت لها الوجبة.. ابتسمت ابتسامة حزينة وغمغمت شاكرة.. لم لا تضحك هذه الفتاة؟
تناولتها في استحياء.. ظننتها تتراقص فرحًا.. امتدت يدها في خجل لتناول الطعام.. تأملته لحظات
ربما لم يكن هذا ما تتمنى!

لم لا تضحك هذه الفتاة؟
بعد عدة أيام.. أخذت لها إحدى دمى ابنتي التي ترفعت عن اللعب بها منذ أن اصبح هاتفها المحمول لعبة أكثر تسلية..
أهديتها لهند .. أمسكت بالدمية .. صففت شعرها الأشعث بيدها.. وضعت لها قطعة من قماش ثوبها في شعرها لترفعه.. ثم احتضنتها في حزن!

لكنها لا تضحك .. تكتفي بابتسامة شكر وكلمات خجلى.
تمر أيامًا وأسابيع.. والصغيرة لا تضحك.. لكنني ألفتها.. اعتدت أن أترجل لأهديها الملابس والحلوى واللعب.. كانت تبتسم وتشكرني.. لم أرَ قط فرحة في عينيها .
أدركت أنني ومنذ البداية.. أسلمت أنها ولدت شحاذة.. فماذا إن كان لديها حكاية أخرى؟
لم لم أحاول أن أسألها عن حزنها؟!
اليوم لن آتي لها بالهدايا.. سأستمع إليها.. ربما تحتاج لمن يستمع..
ما حكايتك يا صغيرة؟
قالت إن أبيها آتى بها إلى سيدة في القاهرة وهي ابنة الست أعوام لتساعدها في الأعمال المنزلية.. عامان من خدمتها وأطفالها .. كانت السيدة تعاملها معاملة حسنة
حتى مرضت السيدة مرضاً شديداً.. انتهى بموتها
تزوج السيد بعد فترة من سيدة أخرى.. أتت بخادمتها.. فرحلت الصغيرة.. لا مكان لها الآن. لا تعلم عن أهلها شيئًا.. لم تر أباها منذ سلمها للسيدة.. وقبض ثمنها!

كانت الطرقات أحن عليها من البشر.. فآوتها.. وكان يجب أن تسد جوعها .. فعملت ببيع المحارم الورقية.
انتهت كلماتها.. لكنني وجدتني أبكي كالأطفال على حالها.. تسع سنوات هي أشق عليها من أعوامي الثلاثون جميعًا!
لم اتمالك نفسي
احتضنتها ولمست أناملي شعيراتها المتبعثرة.. ضحكت.. ثم بكت .. ثم امتزج ضحكها ببكائها بعبرات الشكر والتوسل .. ثم ارتمت بين ذراعي مرة أخرى وربتت على كتفي.
لا أفهم.. لم بكيت.. لم ضحكتي؟الآن تضحكين.. الآن وأنا ابكي ارى ضحكتك؟
قالت الصغيرة.. دعوت الله ألا ترين سواد وجهي وملابسي المتسخة.. لكي تستطيعي احتضاني مثل ابنتك.. تشبهين أمي كثيرًا غير أنكِ مضيئة وهي مظلمة.. وقد اشتقت لحضن أمي.. تمنيت أن تحتضينني.. وقد استجاب الله لي.
انت الآن لا ترين سواد ملابسي ولا شعري المبعثر ولا بشرتي المتسخة.. أنت لا ترينني قذرة .. صحيح يا سيدتي؟!
بكيت.. حتى انصهرت دموعي في دموعها ..
يالله .. أيها الملاك الصغير
ليست ملابسك السوداء يا ابنتي.. ليست بشرتك هي القاتمة..
بل هي قلوبنا التي جعلت أقصى أحلامك ان يحتضنك أحدهم!!!
قالت وهي تودعني راكضة خلف السيارة ودموعها كأمطار تحجب عني رؤيا طريقي ..
ليت الإشارة تظل حمراء طوال العمر

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى