ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة : الألم عتبه أمل . مسابقة القصة القصرة بقلم / آيات الشريف . مصر

الأسم :آيات سيدعبدالوهاب
الشهرة:آيات الشريف
الدولة:جمهورية مصر العربية

قصة بعنوان :الألم عتبه أمل
زغاريد، طبل ومزمار، بنادق تُطلق أعيرتها النارية إعلانا للفرح، أتابط ذراعه يفتح باب الدار على مصراعيه، تتلالاً النجمة المستحية في السماء إلى جوار الأخريات بينما القمر في ليلة تمامه مثلي بأول ليالي زواجنا تظهر هيئته الكاملة فيحجب غطاء الزير الممتلئ بالماء البارد الشهي، أخذت منه كوبًا ليشرب “إحسان”، كنت ابنة الأربعة عشر عاما أعلم تماما أني قاصر، ولكن هكذا تتزوج بنات قريتنا ليكون لهن دار هن سيداتها، أنا “مهرة ” فعلت مثلهن حين أتى “إحسان” إلى دارنا وطلب يدي من أبي فأومأ له برأسه بالقبول، انشرح قلب أمي وصارت تمشى متبخترة، فهو ابن عمدة بلدتنا ،تمت التجهيزات وشراء شواري من أغلى محلات الحرير و المانيفاتورة ،فساتين لا تعد كل هذا والخيال يخالج نفسي بالكثير من الأسئلة من هو وما هي ملامحه وطباعه، لم أر منه إلا خيالا بعيدًا من خط مواربة باب المندرة.
لم يكن زواجي عن حب، ولكن الله حين يريد يؤلف بين قلوب المحبين بسر كن فيكون ، ليلة زفافنا على عتبة باب غرفتي أمسكت أمه بيده وقالت “يجعل في إيديك جوهرة وفي حلقك سكرة ونظرت لي وأكملت يا وردة معطرة.” ليال غير ما اعتدت عليها في منزل أبي بهجة، دلال سعادة، ثم انقضت الأيام مسرعة تتوالى وكأنها تقول لي امتلئي لأن بعد ذلك حياة بلا راحة، جوع بلا شبع، عناء بلا استثناء، انقضت خمسة أشهر .. عشرة .. لا بل عام.. ستة أعوام كاملة من القهر والجهل والمكائد ، حرمان وعطش بلا ارتواء
لم أحبل بعد، وصوت أمه يطن في أذنه:
اتجوز يا ولدي انت ابن العمدة لازم يبقالك سلسال وسند، مين يشيل العمودية من بعدك؟ اتجوز بت خالك بنت الخال تروق البال
الأصوات اللاغطة من حولي تتصايح مطالبة بتغيير العتبة وإحسان لا يسمع
،يقف “إحسان” مكتوف الأيدي، الغصة تدق روحه المغمومة ،كنت أداري صوتي المختلط بشهقات الألم وأتمنى الأمل ويكرر رفضه التام لما يقال له ، حينها كنت أشعر أني لا زلت باكورة حبه وأطمئن لبرهة ثم أعود لخفقان قلبي مرة أخرى مع شقشقة أول شعاع لصباح اليوم الجديد . لم أدع بابًا إلا وطرقته، منهم من قال إني “مشوهرة” فشدتني أمي من يدي وذهبنا إلى الحجة “زكية” جدة كبيرة ذاع صيتها للبنات اللاتي لم يذقن طعم الخلف، وما إن رأتني حتى شهقت في وجهي وأكدت لأمي أني بالفعل مشوهرة من بنت خالتي “ليالي” التي كانت معذورة بعذرها الشرعي حين أتت للمباركة لي صباح يوم زفافي وتترك لي ألم الليالي، وأنها عمدت ذلك، بدأت الطقوس) مية نهر منجمة تحت نجوم الهلال الجديد، عليها سبع معالق ملح مجروش قطعة نقود أثرية فضة، سبع فصيات بلح، وأخيرا عقد خرز فرعوني قديم، همت أمي، أدخلتني غرفة نزعت ثيابي عني بدأت خالة “زكية” التمتمة، لم أفهم ما يقال إلا حين قالت يا وهاب فك العذاب ابعت الخير للأحباب ” همت أمي بسكب الماء على رأسي فتساقطت حينها قطرات الماء على جسدي الواهن حتى استقرت أسفل قدمي بالطست النحاسي…
حينها عدت بذاكرتي إلى جدتي “حُسنة” حين كانت تدللني تضع الطست النحاسي بالحمام وتضعني بداخله، تسكب الماء الساخن بالإبريق على جسدي، أشعر بالألم حين كانت تدلك لي جسدي بالليف الحمراء الخشنة وتدخل رغوتها بعيني فتحمر وتلتهب، وتمتلئ بالدموع، كنت أشعر أن جلدي يكاد ينفك عن لحمي، لكن كل هذا يضيع بمجرد أن تلف الفوطة على جسدي وتلبسني ثيابًا جديدة، تسرح لي شعري الطويل بعد أن تغرس الفلاية في نصف رأسي وقد وضعتها مسبقا بالسمن البلدي، كانت تنظر لي “هنيالك يا بنت القمر يسعد قلبك يا ست البنات ” ليتها استمرت ليتني لم أكبر ويا ليت… من حماتي أرتعد، وكأن الضواري قد انطلقت لتلتهم لحمي بعد كل محاولة عند ظهور نتيجة فشلها، ما إن انتهيت من الطقوس حتى خرجت أمي تسكب المياه في أربعة مفارق في حين “زكية” تعقد لي على معصمي فتلة خيط أبيض معقود سبع عقدات بالفاتحة والمعوذات. لم تنجح “زكية” في محاولتها فاتجهت أمي للجانب الآخر “الست جواهر” ذهبت بي للمقابر وأمام المفتوح ألقت بي صرخاتي تكاد تأتي بالغائب ولكن دون جدوي. حتى اهتدى أبي لاصطحابنا لزيارة أولياء الله الصالحين، يمسك أبي بكتفي مرت أمامي قاطرة من الجِمال تحمل كساء أضرحة المشايخ والأولياء تتقدمها الرايات والأعلام الملونة الطبول والصاجات تدق بأعلى صوت، مدت أمي يدها تمسح كساء الأولياء ثم تمسح على صدرها ووجهها ، تأمرني أن أفعل مثلها …
ما إن أنتهي حتى تمسح هي على الكسوة ثم تمسح على رأسي، نرفع الأكف عاليًا ، نبتهل بالدعاء طالبين المدد، أصوات الذكر عارمة في المكان تموج، أوراد تتردد، رائحة البخور تعبق المكان مع أصوات الدفوف ودقات قلبي تقرع، يكاد قلبي يقف، وقعت على الأرض مغشيا علي. استفقت لموجة أخرى من التكرار المميت والذهاب إلى الدجالين ومن يفتحون المندل لعمل أحجبة القبول التي تأتي بالولد.
تتكررمرارة الكلمات عن عقمي، كيف يرضي أمة ؟ يطلقني؟ كيف وخيول الحب تركض في براح قلبه من نظرة عيني له، أحدجه بنظرات الردع وأنصرف لدار أبي فقد زارنا صديق له وأثناء وجوده بث أبي له مر الشكوى من ألم ما حدث لي، طمأنه وأقنعه أن نطرق أبواب العلم والأطباء
بلغت العشرين بعد السنوات الست العجاف، ظهرت الصدمة حين قال الطبيب “من قال إن مدام مهرة عقيم.. بعد الفحص والأشعة.. هي مجرد طفلة لم يكتمل جهازها التناسلي، لم تكن أنثى مكتملة الأركان بل كانت طفلة ” جهازها التناسلي غير قادر على الإنجاب بعد” قاصر هي فقط تحتاج الوقت للاكتمال أزهرت الدنيا بأعيننا توحدت أنا وهو والألم وعتبات الأمل معًا . بدأنا رحلة العلاج، ذات ليلة يموج بها الهدوء، شعري الجامح يفترش صدره النابض، قرعت باب شاطئه فاهتزت صخور الجبل الراسخ تنسال منه مياه الحب كشريان عذب يأتي من الجنة، النجوم تراقبنا من السماء ، والليل يلملم ما تبقى منه ويرحل ،يصدح أذان الظهر رفع “إحسان” رأسه وبرم شاربه العريض، وتنفس النفس الأول له منذ سنوات، متهللة أساريره يخطو إلى عتبة الدار وينادي : يا أم الولد
أتابط ذراعه للمرة الثانية، ولكن هذة المرة وقد جبرني الله، يرتفع صوت زغاريدي ومن حولي رنانا، وأقول بصوت تضج به الحياة “أنا حاااااااااامل يا حماتي، ربك مبيبخلش على عباده، والجنة هتبقى تحت رجلي
-مراتي حامل ياااااااامي.
مسحت براحة يدي جرح كرامتي الذي لم يندمل بعد ، ويدي الأخرى المرتعشة تقبض على الأمل، نظرت لي وكأنها تتوعدني،لم ألتفت إليها لأحافظ على أملى.
تحاول أن تنهي ألمي ولكن استمر ألم الطلق لساعات طويلة، “إحسان” ينتظر البشرى، بولادة أولياء العهد ، بأنامله الناعمة يتحسس جلد جرحي يتعجب كيف تحملت ألم جلدي المفتوق، جرح غائر لسبع طبقات وروح أنهكها التمني والحمدلله على سلامة الوصول، تمدد إلى جواري يغمض عينه ويردد ”الحمدلله، أخيرا هنصب ضهري الأحدب ، ولدين مش واحد ياكرمك يارب”

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
1 1 vote
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x