فرع القصة القصيرة ..
الإسم : محمد أبوالخير ستو
الدولة : مصر
الهاتف :
لينك فيس بوك
https://www.facebook.com/mohamed.seto.946
القصة :
” الأيقونة ”
كانت الساعة الواحدة صباحاً حين اندفع وحيد إلى منزله مُنفعلاً منفوش الشعر، ظل وحيد يذهب ويجيء في جميع غرف المنزل، وكان الوالدان قـد أويا إلى الفراش من قبل الواحدة بثلاث ساعات أو يزيد، في حين كانت أخته جالسةً على سريرها تقرأ آخر صفحة في رواية النظارة السوداء لإحسان عبد القدوس، أما إخوته الثلاثة الصغار فكانوا نائمين جميعاً في سُباتٍ عميق، ومن كثرة ذهاب وحيد ومجيئه داخل الغرف استيقظ الوالدان، وسألاه بدهشة:
– في إيه يابني ؟ هي الساعة كام دلوقتي ؟
فأجابهم وحيد بلهفة يملؤها حماسٍ وفخرٍ وسعادةٍ غير عادية:
– انتوا لسه هتسألوا في إيه والساعة كام! أنا مش مصدق إن ده حصل! مش ممكن! أنا بحلم! لأ أنا أكيد بحلم! أنا مش مصدق!
وركض وحيد بنفس أحاسيسه السعيدة الغير عادية إلى الصالة وجلس على الكنبة الرئيسية ووضع قدماً فوق قدم، وكان واضحاً أنه لا يقوى على الوقوف من فرط الفرحة، وأوضح لوالديه القادمان من غرفتهما إلى الصالة في تعجب واندهاش:
– والله أنا لحد دلوقتي مش مصدق! مش هتتخيلو!
قفزت أخته من فوق فراشها مسرعةً ومنسدلةً ببطانية على كتفيها، بعد أن أزاحت الكلمات الأخيرة من النظارة السوداء جانباً، واقتربت من أخيها، فيما استيقظ الصغار، واقتربوا جميعاً من وحيد، فسألاهُ والداه سؤالانِ آخران:
– إيه يا بني اللي حصل ؟ ومال وشك أصفر ليه كده ؟
فأجابهم بسعادة غامرة:
– من الفرحة يا ماما! النهارده بس أقدر أقولك يا بابا إن مصر كلها بقت تعرف وحيد ابنك!
وقفز وحيد وركض في غرف البيت مرةً أخرى وسط اندهاش وصمت الأب والأم والأخت والصغار، ثم عاد إلى مجلسه على الكنبة مرة أخرى واضعاً قدماً على قدم بوضعٍ عكس المرة الأولى، ثم أخرج هاتفه المحمول بثقةٍ غير متناهية، وفتح فيسبوك وأشار للجميع بصورته على البروفايل الخاص به! ثم رفع هاتفه المحمول لأعلى وبشكلٍ دائري على وجوه الصامتون الستة، فسأله أبوه سؤالاً ثالثاً:
– أيوه يعني إيه ده ؟ ما احنا عارفين صورتك! مالها يعني؟
فأجابه الإبن بثقة:
– يا بابا انتوا مش عايشين في الدنيا! انتوا ازاي مش عارفين ابنكم بقى مشهور إزاي!
ووجه الإبن حديثه لأمه ولأخوته بفرحة غير عادية:
– الناس بتشاور عليا في الشارع يا ماما .. يااه أنا أسعد واحد في الدنيا النهارده يا ولاد!
امتقع وجه الأب، ونظرت الأم إلى ولدها الأيقونة وقالت بحماس:
– ربنا يحميك يابن بطني ويحفظك!
أما الأطفال الثلاثة الصغار فاحتضنوا أخيهم الأكبر بفخرٍ منقطع النظير، فيما بادلهم وحيد أحضاناً دامعة تشبه أحضان نصرٍ بعد معاركٍ دامية، فيما واصلت أخته المشاهدة بانبهار واندهاش!
وفجأة قفز وحيد وركض في غرف البيت مرة ثالثةً، وأتبعها بقفزاتٍ رابعةٍ وخامسة، ثم عاد وقَبل يدا والديه، فيما استمر الأب في نظراته الصادمة، عكس الأم التي واصلت نظراتها المُعتزة بولدها الأيقونة، وأعادت بحماس:
– ربنا يحميك يابن بطني ويحفظك!
وأعاد وحيد صورته على صفحته الشخصية بفيس بوك حول وجوه الجميع بعدد مرات القفز والركض بسعادةٍ ليس لها مثيل، حتى سمعت الأسرة دقتانِ مفاجأتان، واحدةً آتيةً من اتجاه ساعة الحائظ تُفيد بأن الساعة باتت الثانيةَ صباحاً، وأخرى آتيةً من اتجاه باب المنزل تُفيد بأن القادم يدهُ ثقيلة، كان واضحاً ذلك من قوة الدق المتواصل على الباب!
لم يتحرك وحيد ساكناً، ظل جالساً في وضعه على الكنبة مُحاطاً بقبلات إخوته الصغار ودعوات أمه وتسمُر أخته، فيما تحرك أبيه إلى الباب ليرى من هذا المتطفل ذات اليد الثقيلة!
ولما فتح الأب باب منزله وجد مجموعةً من الناس يرتدون زياً شُرطياً يسألونه عن ابنه وحيد، فتفاجأ الرجل وسألهم:
– عاوزينه ليه ؟ هو عمل حاجة لا سمح الله ؟
لم يجيب ضابط الشرطة، فقط سأل والده مرةً أخرى عن وحيد، فأجابهم الأب بأنه بالداخل، فدخل رجال الشرطة، ولم يبدي وحيد إلا الشعور الأول، بل أضاف عليه حماساً وافتخاراً، ووجه لأمه كلمة شكرٍ وامتنان:
– ربنا يخليكي لينا يا ماما .. دعواتك بتحقق في نفس اللحظة .. شوفي حتى البوليس جاي بنفسه عشان يبارك ويهني!
ومن ثقة الإبن الأيقونة، قامت الأم من مجلسها، وقالت:
– لا مبدهاش بقا .. ده أنا لازم ازغرط!
بالفعل زغرطت الأم فأيقظت الجيران وأصبح المنزل يحوي لا يقل عن خمسون روحاً بشرية ملتفة جميعها حول الولد الأيقونة، قبل أن يوقف ضابط الشرطة حالة الهرج الدائرة، قائلاً:
– انتوا بتزغرطوا على إيه يا عيلة مجانين ؟ انتوا المفروض تصوتوا، تلطموا، تقلعوا اللي في رجليكم وتنزلوا ضرب في وحيد زمانه بتاعكم!
انتبه الجميع لحديث الضابط الذي استكمل قائلاً:
– ابنكم المبجل من ساعة ما اتعمله حساب على فيس بوك وزي ما يكون اتهبل، جالنا بلاغ إنه كسر كافيه وفتح دماغ عشر رجالة كلهم في المستشفى دلوقتي من كم الفرحة والسعادة عشان بقا عنده حساب على الفيس بوك .. هو تقريباً فاكر إنه كده بقا الريس يا عالم يا جهلة!
وأشار الضابط إلى رجاله:
– هاتوه!
وخرج وحيد برفقة الشرطة وهو لا يزال تائهاً في ملكوت السعادة الجنونية، غير مدركاً ما كان وما سيكون، في حين عاد الجيران إلى منازلهم في دهشةٍ واستعجاب، وانفض المنزل على الأرواح الستة الذين نظروا إلى بعضهم البعض بلا حديث وبلا أي شيء، وبعد قليل، وأقل من القليل عاد الوالدان والصغار إلى الفراش واستكملوا سُباتهم العميق في ليلتهم الظلماء، فيما عادت الفتاة إلى السطر الأخير من النظارة السوداء، فقرأته وابتسمت بعد أنهت الرواية وغطت جسدها بنفس بطانية الخروج، وعاد الصمت بالمنزل إلى ما كان عليه قبل الواحدة صباحاً بالتمام!
*************************