التمثال الهارب
تقف أمامها مبهورًا، لم تصدق أن التحفة الفنية التى تراها مِن صنع يديك. استطاعت أن تبهر الكثيرين مثلك، جذبت الأضواء وتفردت على كثير من المعروضات.
تعودت أن تأتى إليك في الأستوديو, أحضرتها أول مرة صديقتها الموديل التي تعمل معك في أستوديو النحت الخاص بك. عندما رأيتها أول مرة كانت كثيرة الأسئلة والتنقل داخل الأستوديو. لهجتها تدل على أنها غير قاهرية، شعرت بأنها موديل يمتاز ببعض الصفات .. جسدها ممشوق، تخطو كغزال, شَعرها أصفر ناعم خفيف, نهداها صغيران غير متهدلين، وثغرها أيضًا صغير، لم تكن قصيرة ولا فارعة الطول. ذكرت لك صديقتها أنها وحيدة .. جاءت هاربة من أهلها. عرضت عليها العمل معك؛ فهى توحي لك بأنك سوف تصنع منها تحفة فنية. لاحظت غيرة صديقتها عندما شعرت بتقربها إليك.
فإحسان أخذت منها ما تطلب. أمست بالنسبة لك موديلاً مستهلكًا، لكن لولو كلها حيوية, وأنوثة وجريئة جدا.
دق جرس الباب فى ساعة متأخرة من الليل .إنها هى.. أدخلتها دون أن تسألها عن سبب حضورها، لكنها بادرتك بالإجابة
_ زعلت مع إحسان، ولقيت نفسي جيت هنا على طول، ما انت عارف إنى مليش حد .. عندك إيه عشا؟
بدون إجابه اتجهتْ إلى المطبخ
– تعال كل.
-لا لسه واكل.
نظراتها تتجه نحو صورة عارية لإحدى الفنانين الغربيين.
-عجباك الصورة.
-آه..أوي.
كنا نفهم بعضنا وماذا يريد الآخر.
-عندك استعداد تقفي زي وقفتها؟
-عادى.. هى صاحبة الصورة سِت ولا لأ
تعودت أن تجهز معي مادة الشغل.. قبل أن تأتى كنت أشعر بتعب من الوقوف .
مِن عادتي أن أجهز الطين قبل العمل بيومين؛ ليصبح مادة متماسكة، أخذت هى قطعة كبيرة شمّرت عن ساعديها وكأنها تجهز رغيف خبز تنتظره الفرن.. خرجت من الحمّام وهى ترتدي الروب الأبيض الخاص بى، وخلف الستارة البيضاء وقفتِ تنفض شَعرها، تطايرت منه ذرات الماء.. أنظر اليها باستقامة عينَي فى عينيها.
اتسعت حدقتا عينيك عندما تخلت عن الروب ورأيت تفاصيل جسدها الذي كان مستترًا خلف فستانٍ ضيق أو بنطلون جينز
عشت معها سبب هروبها مِن بلدها، لتضع سكّينة مرشوقة في رقبتها, وتجعل الدم يسيل على جسدها في خط مستقيم إلى ما بين الساقين, وهاتف في يديها، وأشياء مبعثرة تحت قدميها، مفتاح لشقة، أرقام لهواتف نقالة منحوتة على أجزاء بجسدها، بقعة دم جافة على الأرض ما بين قدميها. تركتها لتتفقد باقي المعروضات من التماثيل.. لكن وجدت نفسك تعود إليها مرة أخرى. وتمرر أطراف يديك على جسدها وتضحك. كانت عيناها تتابعان تحركات أطرافك التى تسير مع خط الدم المستقيم إلى نهايته.. شعرت بأنها تحاول ضم ساقيها، تركتك حتى وصلت إلى المنطقة الممنوعة.. صوتها يدوّى في أذنيك وهى تئن فى تلذذٍ كعادتها.
التمثال الهارب
قصة قصيرة
الاسم محسن النوبى
01008846365