ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة : الثقب الأخير . مسابقة القصة القصيرة بقلم / إيمان كيلاني ..مصر

الإسم :  إيمان محمد كيلاني محمد

 

اسم الشهرة : إيمان الكيلاني

الفيس بوك : Eman Kelany

https://www.facebook.com/nefrtiti.queen?mibextid=ZbWKwL

 

الثقب الأخير

 

كان يومًا مشهودًا وفارقًا فى حياتى، عندما أخبرونى فى الشركة التي أعمل بها أنني بين فريق العمل المكلف بالعمل فى مشروع “حياة كريمة” فى إحدى القرى النائية في محافظتي.. وكانت الفرحة الكبيرة والمفاجأة أن تكون قريتي التي نشأت فيها هى القرية الأولى التي سنبدأ العمل فيها، وكان المشروع متضمنًا البنية التحتية من مياه وكهرباء وصرف صحي وشبكة اتصالات وغاز وكذلك ترميم المدارس والمستشفيات والبيوت وبنائها.

وجاء اليوم المشهود، وذهبنا إلى القرية، فأنا الآن أسكن بالمدينةالتابعة لها القرية، ولكن عائلتي وأقاربي موجودون بها .

وجاء وقت ااتجديد والإحلال للمدرسة التي تعلمت فيها وأنا صغير.. وما إن وطأت قدماي مدرستي حتى دارت بي الدنيا ولفَّت لأعود بذاكرتي عند أول يوم لدخولي المدرسة الإبتدائية، كنت فرحًا يحدوني الأمل، لكن سرعان مابهتت فرحتى وتبدد الأمل عندما رأيت المدرسة من الداخل ذات الجدران الباهتة ألوانها، والمقاعد فى الفصول مكسرة التي كنت كثيرًا ما إن أجلس على المقعد حتى أصرخ من جراء وغزة مؤلمة من مسمار بارز يخترق السروال حتى يصل إلى جسدي ..وللأسف كانت المقاعد الأخرى على نفس شاكلة مقعدي..وليس هذا فحسب بل كان زجاج النوافذ مكسورًا، ويلفحنا الهواء القارس فى الشتاء بلارحمة، وكذلك الأبواب المشروخة.

  وطوال سنوات دراستي كنت أضيق بالمدرسة.. أنفاسي مختنقة.. منكسر النفس.. مشتت الفكر .. لم أشعر باستقرار داخلي طوال حياتى، على الرغم من تفوقي في الدراسة.. ومع كل هذا تعايشت دونما أدري واعتدت المقعد والنوافذ المكسورة والجدران الباهتة ..وصارت حياتي باهتة ومشروخة، ولما لا وكل شيء حولي كان مكسورًا..مشروخًا.. باهتًا، ولم لا وبيتنا أيضًا كان فقيرًا المدرسة، فأبي أجير في أرض وأمي تعمل في البيت ولي إخوة وأخوات.

جدران بيتنا كانت مرسومة بالشروخ.. مقاعدنا مكسرة، طوال الوقت في حالة ترميم حتى نكمل بها حياتنا.. الأسقف جريد نخل لفترة طويلة حتى قمنا بصبة بسيطة بمساعدة الناس لنا.

وفى حياتي كلها لم أر سوى الكسر والشرخ، وأثر هذا على نفسيتي وحياتي فصرت أعيش بقلب مكسور ونفس ضعيفة مهزومة حتى فى المرحلة الإعدادية والثانوية.. وعندما أكرمني الله بمجموع ألحقني بكلية الهندسة كنت أعمل أثناء الدراسة – رغم صعوبتها – أساعد والدي فى إكمال تعليمي فكنت أعمل معه فى الأرض أو عامل بناء .

وكنت فى الجامعة ناجحًا ومتفوقًا ، لكنني ظللت مكسورًا ..مهزومًا أمام مواقف الحياة.

فالحياة بين الأشياء المكسورة لاتأتي إلا بانكسارات نفسية لاتلتئم بسهولة، وقد لاتلتئم، فالكسر يجبر ويرمم ويعالج لكنه لايعود قائمًا معافىً تمامًا كما كان من  قبل.

ففي البيت كنت مهزومًا من العوز والحاجة والعيش في العراء بلا سقف يستر جروحنا وآلامنا وحاجتنا.. ولاشيء يدفئ أرواحنا الباردة.. فلاحياة ولاكرامة.

وفي المدرسة لم أشعر أنني إنسان طبيعي، وكيف لإنسان طبيعي أن يجلس على مقعد، كل يوم يوخزه ويجرحه فينزف دمًا.. هنا فى هذا الفصل بقايا دمي وألمي وأصداء صرخاتي.. ولست وحدي، بل صرخات الكثيرين ممن كانوا معي ومن بعدى أجيال وراء أجيال..لم يرنا، ولم يسمعنا، ولم يشعر بنا أحد.. كنا منفيين أو قل منعزلين أو منسيين نعيش ونموت ونحن مجهولون وغير مرئيين.. كنا خارج نطاق الحياة.

وعدت إلى لحظتي المشهودة.. الآن يتم إحلال وتجديد المدرسة كلها من مرافق وأسقف وجدران ومقاعد..وأخيرًا ألقوا المقاعد القديمة وجاءت عربات النقل محملة بالمقاعد السوية أمامي، ثم أدخلوها الفصول.. وها أنا أرى أمامي حلمًا كان ميئوسًا من تحقيقه منذ سنوات عمري.. المقعد سليم معافىً، سيجلس عليه طفلًا حتمًا سيكبر  ويعيش سليمًا ومعافىً من أي كسر أو شرخ.

ووجدت بيوت القرية قد جددت، ومنهم بيتنا المهزوم الذي تم تجديده تمامًا ووجدت الفرحة فى عيون كل أطفال القرية حيث عيونهم أصبحت ترى جدرانًا ثابتة، ألوانها زاهية، والأثاث جديد.. الأسرة والمقاعد والإنارة ووصلات المياه.. الحنفية الآن سليمة، فلم يكن لدينا حنفية بل كانت  وصلة ماسورة فقط.

وفى كل هذا وجدت نفسي أشعر بفرحة من أعماق قلبي العليل.. أشعر بالحياة تدب فى حياتنا والكرامة للأجيال القادمة.. جفت دماء الماضي.. وبدأ شروق شمس جديدة.

وأثناء تفقدي للمدرسة لمراجعة أخيرة للعمل الذي تم، وفى أحد الفصول وجدت ثقبًا صغيرًا فى أحد الجدران، بسرعة ناديت العامل المسئول وقلت له بحدة وإنفعال شديد: “ما هذا؟” قال: “إنه ثقب صغير لايؤثر فى شيء، مؤكد أنه ترك سهوا”، فأمرته بإصلاحه بشدة أثارت اندهاش الحاضرين، فرد فعلى كان مبالغًا فيه بالنسبة لهم.. وجاء العامل بالمادة المستخدمة وأمسكتها بنفسي لأسد الثقب الأخير فى المدرسة.. وفي قلبي.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى