قصة : الجنوب يا سادة . مسابقة القصة القصيرة بقلم / أسامة الفرماوي . مصر

قصة قصيرة: الجنوب يا سادة

من مصـــر للصعيـــــد مشوارى يا بوي صعيب

من مصر يا واد غريـب وانت مـا فيــش قــريـب

لم يبدأ المشوار هذه المرة من مصر. كانت الإسكندرية هى بداية الطريق. القطار الذى يحمل اسمهم يحمله، والزلع، والأقفاص، والزكائب، وهموم آلاف البشر. كان يرتدي حلة متهالكة تنفذ منها رائحة مملحة، وعمامة كانت بيضاء.

عيقولوا إنك وحيـــــد رُحت لبـــلاد بعــــيـد

وبتسمع شىء بيخجـل وانت يا واد غــــريب

وتعود يا واد غــــريب من تـــانى للصعــــيد

لا وِلد.. ولا حــــبيــب وآه.. يا واد غــــريب

كلمات الاستحسان من كل صوب. برقيات تهاني محملة بأطيب المعاني تطلب منه المزيد الذى ينسيهم آلامهم، وهمومهم، ويقصر عليهم طول الطريق. أحس أنه (فرانك سيناترا) الذى يسمع عنه، أو على الأقل (الريس متقال) الذي يراه فى التلفزيون وبلغت شهرته الشرق والغرب. عندئذ تفجرت طاقاته، ومواهبه المدفونة وأخذ يغنى ويكرر، وكلمات الاستحسان تتخلل ثناياه وتحيله إلى شيء أشبه بالأسطورة.

لم ينعم (راضي) كثيرًا بهذا الوضع الذى تغير وانقلب إلى موجات من السخرية والاستهزاء به، وبعمامته التى كانت بيضاء وجلبابه المملح، وبالقطاع الذى أتى منه:

– صعيدي…

– صعيدي…

استمر الحال على ما هو عليه -نكات، وضحكات، ونعال تهوى، وترتفع فترة طويلة أحس خلالها بالإهانة الشديدة.. انتفخت عروقه، واستطال قفاه بشكل غريب، وتكيفت أذناه، مع الموقف بطريقة لافتة للنظر، تأكدت بعدها من صدق آراء داروين “أن العضو المستعمل يقوى والعضو المهمل يضعف ويضمر وبصفة عامة فالبقاء للأصلح”.

أخرج (الفرد) من جيب الصديري وأخذ يلهو بالرصاص فى كل الاتجاهات، امتلأت العربات بالصراخ والعويل، وطلقات الرصاص التي حولت القطار إلى جحيم لا يطاق توقف على إثرها القطار فى منطقة زراعية غير آهله بالسكان. هرع الناس إلى مصدر الصوت الذى فرقهم مرة ثانية… قوات الأمن، والمطافئ تفرض كردونًا حول القطار و… (راضي) الذي فر إلى القطاع الذي ينتمي إليه. أسلاك البرق تحمل إشارات تطلب التسليم، رفض، تصعيد:

– سيدكون حصوننا.

– لن يستطيعوا.

– يجب أن نعلن الاستقلال.

– صعب.

– مجرد بيان.

– لدينا اكتفاء ذاتي.

ازداد التوتر، تم استدعاء الاحتياطي، وبلغت التعبئة العامة مداها. الوفود الدبلوماسية تترى بين الحين والحين، وتطالب بسياسة ضبط النفس، وفض النزاعات بالطرق السلمية.. الاجتماعات تتوالى، والتهديدات… و… صدر بيان عن دولة الشمال، خفت حدة التوتر، توالت الاعترافات… عندئذ فزعت على صوت ارتطام، وألم شديد فى مؤخرة الرأس… كانت زوجتي.

(تمت)