للمشاركة في مهرجان همسة
الاسم: منى طه عبد العليم
البلد: مصر – الأسكندرية
وصلة الفيسبوك: Facebook
https://www.facebook.com/mona.taha.abdelalim
الحل المناسب!
قصة قصيرة
منى طه عبد العليم
اختار لنفسهِ الاستثناءَ وجعل منه قاعدةَ! والأمران لديه سيّان صفى الزمان أم بالغيوم تكدر. معلنًا العلياء لمبدئه الأزلي: “كيف توظف أي شيء وتستفيد من كل شيء؟!”. إنها حقًا نفعية “بنتام”، ولكن بعد تسخير الـ “نحن” لتصبح “الأنا”! ساعده ذكاؤه الحاد، وسانده حظه الحسن في ترقب الأحداث وتوقع الأزمات، فيوحي باستشارة غالية إلى أباطرة المال والأعمال فيما يستثمرون أموالهم وعما يفرون باهتمامهم. يعمل مسئولاً تنفيذيًّا بكبرى شركات تكنولوجيا المعلومات والاستثمارات المالية إلى جانب عمله كمستشار مالي واستثماري مستقل. تعوّد أن يدير المال والعباد بضغطة على زر هاتفه…
ضغط على أحد مفاتيح “الريموت كنترول” ليُنهي لقاء “زووم” تم عبر الإنترنت مع وكلاء فرع الشركة في جنوب شرق أسيا، ثم ضغط على آخر ليغلق الشاشة الكبيرة بعرض الحائط التي كانت تنقل اللقاء. نظر نظرة سريعة إلى إحدى شاشات الحاسب الآلي الموضوعة أمامه حيث كانت تتحرك مؤشرات الأسهم بالبورصة سريعًا، ثم ضغط في خفة على لوحة مفاتيح تليفونه المحمول ليرد على رسالة واتساب جاءته من رجل أعمال يسأله عن فكرة لمشروع استثماري مربح دون تكاليف أو ضغوط، فرد عليه على الفور بأن ينشئ مدرسة خاصة أو مجمع مدارس خاصة. ولما جاءه تساؤلٌ عن أفضل وسائل تخفيض تكلفة المعلمين والإداريين وتجنب اشكاليات الضرائب والتأمينات، رد بدون تفكير “عقود تدريب وتطوع مؤقتة، وليس عقود عمل”. تنحنح صديقه القديم والذي عينه مؤخرًا معه في نفس المؤسسة العضو المنتدب للموارد البشرية. هما صديقان وفيان؛ وطدت أواصر ترابطهما حب المال والحرص على المصلحة. خلع نظارته ووضعها جانبًا على المكتب إيذانًا بالخروج من دائرة العمل والاندماج في الحديث مع صديقه، ثم قال في هدوء وهو يسند ظهره على كرسي مكتبه (الديكس-رايس) الوثير:
− هناك عرض لتولي منصب استشاري في “إس، إس للسمسرة المالية”. (ثم في انفعال مفتعل) لن أقبل هذه المهمة، وماذا يعني مائتي ألف جنيه شهريًّا؟ كلام فاضي. هل يدرك مجلس الإدارة هناك أن الدولار تعدي ثلاثين جنيها رسميًا وسبعين جنيهًا غير رسمي؟! الأمر لا يستحق عناء المناقشة أو الجدل!.
قطع حديثه دخول عامل البوفيه حديث التعيين، لم يكلف نفسه بالنظر إلى وجههِ، ولكن أبصرَ بوضوح ثقبًا صغيرًا بأسورة كم قميصه الأسود الباهت اللون وقد خِيطَ زرها بخيط أبيض. ولأنه لم يكن من طبعه أن يؤجل عملاً أراد له الانطلاق، أو يُرجئ كلمة أراد لها الانعتاق، قال (وهو يعتدل في جلسته ليتكئ على المكتب:
− ما ذنبي أن أرى هذا التلوث؟ أصدِر تعليماتك بصرف مبلغ مالي “بدل يونيفورم”، (ثم مستدركًا)، والا أقول لك؛ يتم تفصيل بمعرفة الموارد البشرية طقمين ثابتين موحدين لجميع عمال النظافة والبوفيه.
− بالمناسبة، لم ترد عليَّ بخصوص زيادة الحد الأدنى لأجور العمال، عايز توقيعك، مش عايزين مشاكل مع الحكومة.
− (في انفعال حقيقي) Headache (هديك) لا يأتينا من الحكومة إلا وجع الدماغ. عامل لا يعمل أي شيء في حياته سوى أن يقدم الشاي والقهوة، وآخر يفتح المكاتب ليهويها، ماذا علينا أن ندفع لهم؟ عشرة ألاف جنيهًا شهريا؟ ومع ذلك، أهه يا سيدي توقيعي “لا مانع … وفقًا للسياسات والإجراءات”.
لم يمر شهرٌ إلا وتم التصديق على اختياره استشاريًا أول لشركة السمسرة المالية بالراتب الذي فرضه هو! وكان أول قرار يتخذه تعيين صديقه مديرًا لمشروع تنموي هام ستطلقه الشركة تحت مظلة “المسئولية المجتمعية للشركات”، ودار النقاش والجدل حول طبيعة المشروع، فاقترح صديقه:
− مشروع لدعم المرأة، ده موضوع مهم، والناس كلها شغالة فيه.
لم يجبه، ولكن استدار بكرسيه نحو الحائط وأغمض عينيه كمن يمارس رياضة روحية عليا، ثم استدار مرة أخرى قائلاً:
− لا، بل مشروع لدعم رواد الأعمال والبيئة النظيفة، ده موضوع الساعة.
− (في ابتهاج) أحلى مشاركة، فلنركب الموجة! ودعنا نبدأ..
قاطعه وهو يشير بيده ناهضًا في سرعة فائقة حيث تناول سجادة الصلاة وشرع في الصلاة بينما الآذان يصدح في الخارج. فكما أنه يحيا فعليًا حياة نفعية “بنتام” التي حولها للآنا بدلاً من للآخرين، فهو أيضًا يتعايش ببرجماتية وليم جيمس ونزعته الدينية الروحية. إنه مؤمن لأن الإيمان يريح النفس ولأن هناك عالمًا آخر بعد الموت، فعليه أن يكون مؤمنًا. فكما أنه يحرص على كسب الدنيا، ما الذي يحول دون حرصه على كسب الآخرة؟! صلى صلاة صامتة يثبت في كل ركن من أركانها ربما ثانية واحدة! إنه يؤدي الصلاة على أية حال! وهو يفعل ذلك في أي مكان طالما حل الزمان. كان ذات مرة يجلس على منصة في مؤتمر عام يحضره كبار الشخصيات، فلما نبهته ساعته الإليكترونية بأنه حان موعد الصلاة انتفض من مكانه وسط دهشة الحضور فحاول منُظم الجلسة الشاب اللحاق به لتنبيهه بلطف بأن الجلسة لم تنتهِ بعدُ، وليته ينتظر حتى ينتهي المتحدث الآن من كلمته، فانفعل عليه (وهو على سجادة الصلاة:
− (أح…).. هو حد فيكم هيتحاسب بدالي؟!
هو لا يتردد أن يقول أي شيء في أي وقت!
استقرت الأوضاع، وتمكن، دون شك، أن يدير شركاته واستشارته على نحو عالي الكفاءة دون نزاع، حتى جاءه الصديق يومًا، يبدو على وجهه القلق، متوترةٌ أعصابُه كمن صُعق! أطلعه على رسالة واردة في بريد الشركة من مجلس الإدارة تم التأشير عليها “للتصرف الفوري”. لم يبدِ وجهُه غضبًا أو تُظهر ملامحُه تعبيرًا. لما انتهى من قراءتها، وضعها على المكتب أمامه، ثم أدار كرسيه المتحرك نحو شاشة بعرض الحائط خلف المكتب، وبضغطة على مؤشر أمسك به أظهرت الشاشة أسهم البورصة في تحرك سريع، ترتفع أسهم شركات، وتنخفض أخرى في لمح البصر. “من يسمع النصيحة يكسب، (ثم وهو يشير بمؤشر ضوئي إلى أرقام تتصاعد في اضطراد)، انظر كيف تتعالى اسه