ط
الشعر والأدب

قصة الراهب المتمرد ………بقلم نور محمد

نور محمد

وراهب تمرد …
.عاش بين حنايا معبده منعم بالصفاء . وربوع النقاء ..يبتهل ..ويصل لرب الكون… لا يرى الا الحسن ..يتعلق قلبه بقوة خفيه يرى بها شغاف الاحلام …يحيا على بساط من الهدوء….يعلوه ضياب الامنيات …والارض فى أنقى صورها تعانق مع البحر السماء ..عشق منزه عن الغواية وظلام الشهوات..معبد يتزين بأكاليل من ورود ..يؤنسه بوح الطيور فوق الأشجار … انها جنة وفردوس نمت فى خلسة من صخب الحياة ..انتزع ثياب البشر مرتديا نور الملاك
..السماء تتزين له كل ليلة بثوب مرصع بالنجوم ..والقمر يتوسطها باشعته السحرية فى جلال الملوك …أيام كأحلام جميلة …وتمر الليلات كانها احتفالات عرس…لا وحشة ..ولا خوف من فقد ..فقط سكون يملأ النفس …
البحر بهدوئه وسحره وجمال العواطف العلوية والحياة فى ربيعها وذروة شبابها وتألقها تغازل راهب المعبد …..تهبه . الحياة جاثية مروضة عند قدميه . كامرأة حسناء خجول .. كقطرة ندى بين جفنى الصباح تتساقط على راحتين ينبت بهما حدائق الياسمين …ليس عليه سوى التنعم بها ..والتناغم معها ..وكانها لوحة رسمت بابداع فنان عاشق . هو جزء منها . يرتدى ثوب الطهر .ويحيا كطائرا يغدو ويروح مغردا على شواطىء السعادة ..ويجالس تلك الحسناء العذراء ..التى هى له وحده ..لم يقربها غيره ..ولم يمتلك مفاتيح مدنها الا هو ..
ذات بريق ومغازلة من سيف الفتنه…داعب الفكر هدوئة ..وسرق النوم من جيوب مقلتيه ….ولوحت له بجمالها تلك الماكرة من شرفات الشهوة …تلك الحياة فى صورة أمراة جميلة أسرته فى سجون اجفانها وأودعته خلف قضبان أهدابها ..على شواطىء جسدها الثائر ..ولاحقته فى كل خلواته وغزلت من جمالها شباكا حريرية ناعمة الملمس التفت حول خاصرته وقلبه دون ان يشعر ..حتى أسرته على صهوة فتنتها ..وفرت به حيث لا يعلم
…تمرد الراهب…على خبز سعادته ..على ضوئه وقنديله ..على هدوئه ..على نقاء الارض وعذريتها … جذبه وهج ذاك السيف وبريقه الأخاذ الذى يسلب الألباب ويطيح بكل فضيلة .. هذا السيف هو الحياة وزينتها ..غوايتها وفتنتها …أراد أن يخرج من حياة الخلود ..الى ذاك العالم الذى لن يحمل له الا الضياع والشرود ..تمرد على زواج عذرى بينه و بين نقاء الكون …حنث فى وعود وعدها لضوء القمر ذات ليلة حمعهما السهر ….تنصل من عهود بينه وبين حصباء الارض وماء الخلجان الصافى كعينيه
….تعالت صرخات نفسه …وتدانت روحه وسقطت من ملكوت السماء ..الى طين الارض …أراد الطين …أراد شقاء الحنين ..وأن يسطر ذكرى على ثرى السنين ..وأن يشعر الألم ..ويلعق مرارة الانين ..أراد الخوف والألم ….ورغب فى التخلى عن برائته التى نمت مع أشجار وازهار الجنة…خرج للحياة ليتذوق ثمار الفتنة ..وينزع عنه رداء النقاء …انصرف الى ما وراء البحر ..بحثا عن خبايا الدهر ..أراد اخماد ثورات أمانيه المتأججة بنيران شهواته …لكنها خبت وانطفأت ..وثارت ثورات أخرى فى نفسه هى ثورات الحزن تجتاح طرقات روحه ..ودروب حياته ..اغتالت كل طيور السعادة..وسحقت كل نبت اخضر للمحبة والسكون …توارت أفراحه ..وتناءت عن جبينه ابتساماته…وكللته بغصن شوك …….وبعد رحلاته باحثا عن ما يقتات به جسده ويفقد به روحه …التى كانت يوما نغمة عذبة بين شفتى الحياة ….صارت لحنا حزينا
..
….وعاد يوما الى خزائن الايام . نادما ..جاثيا .يبحث عن بقايا فتات خبز السعادة الذى تمرد عليه يوما …عن كسرة خبز ..عن نقطة ماء ..يرفع القارورة الى أعلى وينزلها لا شىء عالق بها ..فقد جف الماء ونضب الغدير …حتى قنديلا هناك فى ركن من أركان الغرفة زيته من دفىء . كان يضىء زوايا روحه ….أضاء لياليه فى لحظات السكينة …لم يبقى منه الا ضوء الوحشة الشاحب ..لا يكاد يرى يديه من خلال ضوءه ….المعبد أصبح مهجورا كقبر …لا شىء سوى بعض خفافيش الظلام تحاول غزو اسواره ….لا شىء سوى أشجار تخترق جذورها الارض صامتة لا تبوح باسرار المكان …كل ورقة من وريقات الاغصان غاضبة منه لهجره …لشروده وتمرده …كل شىء يناشده فى صمت الموتى ..ان إرحل لم يعد لك مكان
..إرحل أيها العابر على أجساد الموتى ….أيها القادم من ذاكرة الأعتراب ..على متن أشباح الوحشة …أمواجك تبعثر هدوء الشطئان …تنتزع منها دفىء الايمان …..أيها العابر … بحار الحياة تمتطى خيول الأوهام ..تبحث عن كنزك المفقود ..تبحث عن ظل …عن روح غادرتك فى عتمة غرور ….على صهوة أحلام قد وئدت …إرحل …لملم خيباتك …سقطاتك ..إجمعها فى صناديق الذكرى …ارحل ….لملم بقاياك . التى فقدتها وعود …ورفاة كلمات كتبت بريشة الكذب على رمال القلوب المتقلبة …ارحل ….محملا بامنيات لك . قد غارت ..باثار اقدام ..مبللة بدموع . الندم .سقطت ذات ليلة ظلماء كمطر أسود أحرق أخضر الارض قبل يابسها ….فجر شبابك قد غادر ..وأعقبه ليل المشيب المظلم بما حملته من غيوم ممتلئة بأوجاع الحسرة والندم على ما أضعت من نقائك ..وأبدلته بشقاء ..ستهفو نفسك وتتالم كألم الرضيع لفقدان أمه ..ستظل سجينا خلف قضبان خساراتك …ستعيش جسد حى بلا روح فوق التراب …فما ضاع منك قد ضاع …ولن يعود

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى